facebook twitter rss
v





العودة  

جديد مواضيع منتديات بيت العرب الجزائري


ركن أخلاق المسلم


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-07-30, 02:25 PM   #1
hakimdima
مشرف الأقسام التعليمية


العضوية رقم : 10954
التسجيل : Jul 2016
العمر : 39
الإقامة : الجزائر
المشاركات : 6,072
بمعدل : 1.99 يوميا
الوظيفة : متعاقد
نقاط التقييم : 10
hakimdima is on a distinguished road
hakimdima غير متواجد حالياً
معلومات الإتصال :
افتراضي من أخلاق المسلم السكينة

السكينة
معنى السَّكِينَة لغةً واصطلاحًا معنى السَّكِينَة لغةً: أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة. فالسُّكُونُ ضدُّ الحركة، يقال: سَكَنَ الشَّيء يَسْكُنُ سُكونًا، إذا ذهبت حركته، وكلُّ ما هَدَأَ فقد سَكَن، كالرِّيح والحَرِّ والبرد ونحو ذلك، وسَكَنَ الرَّجل سكت. والسكينة: الطمأنينة والاستقرار والرزانة والوقار
[1623] انظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/88)، ((الصِّحاح)) للجوهري (1/323)، ((لسان العرب)) لابن منظور (13/211)، ((المعجم الوسيط)) (1/440). . معنى السَّكِينَة اصطلاحًا: قال ابن القيِّم: (هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات)
[1624] انظر: ((مدارج السالكين)) (2/503). . وقال الجرجانى: (السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب، وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن)
[1625] انظر: ((التعريفات)) (1/159). .

الفرق بين السَّكِينَة والوَقَار
السَّكِينَة والوَقَار كلمتان مترادفتان، إلَّا أنَّ هناك فرقًا طفيفًا بينهما، قال أبو هلال العسكري: (إنَّ السَّكِينَة مُفَارَقة الاضطراب عند الغضب والخوف، وأكثر ما جاء في الخوف؛ ألَا ترى قوله تعالى: فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التَّوبة: 40] وقال: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26]، ويُضَاف إلى القلب، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 4] فيكون هيبة وغير هيبة، والوَقَار لا يكون إلا هيبة.
المشهور في الفرق بينهما: أنَّ السَّكِينَة هيئةٌ بدنيَّةٌ تنشأ من اطمئنان الأعضاء.
والوَقَار: هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأ من ثبات القلب، ذكر ذلك صاحب ((التنقيح))، ونقله صاحب ((مجمع البحرين)) عن بعض المحقِّقين.
ولا يخفى أنَّه لو عُكِس الفرق، لكان أصوب، وأحقَّ بأن تكون السَّكِينَة هيئةً نفسانيَّةً، والوَقَار: هيئةٌ بدنيَّةٌ)
[1626] ((الفروق اللغوية)) (1/281).
التَّرغيب في السَّكِينَة
أولًا: في القرآن الكريم
– قوله تعالى: ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التَّوبة: 26].
أي: أنزل عليهم ما يُسكِّنهم ويُذهب خوفهم، حتَّى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن ولَّوا
[1627] ((تفسير القرطبى)) (8/101). .
– قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا [التَّوبة: 40].
قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره: فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله، وقد قيل: على أبي بكر، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا، يقول: وقوَّاه بجنود من عنده من الملائكة، لم تروها أنتم وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ، وهي كلمة الشِّرك السُّفْلَى، لأنَّها قُهِرت وأُذِلَّت، وأبطلها الله تعالى، ومَحَق أهلها، وكلُّ مقهور ومغلوب فهو أسفل من الغالب، والغالب هو الأعلى. وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا، يقول: ودين الله وتوحيده وقول لا إله إلَّا الله، وهي كلمته (العُليا)، على الشِّرك وأهله، الغالبة)
[1628] ((جامع البيان)) للطبري (5/326). .
– قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4].
يقول تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ أي: جعل الطُّمَأنِينة. قاله ابن عبَّاس، وعنه: الرَّحمة. وقال قتادة: الوَقَار في قلوب المؤمنين. وهم الصَّحابة يوم الحُدَيبِية، الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلمَّا اطمأنَّت قلوبهم لذلك، واستقرَّت، زادهم إيمانًا مع إيمانهم
[1629] ((تفسير ابن كثير)) (7/328). .
– قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18].
وقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أي: من الصِّدق والوفاء، والسَّمع والطَّاعة، فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ: وهي الطُّمَأنِينة، وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وهو ما أجْرَى الله على أيديهم من الصُّلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتَّصل بفتح خيبر، وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العزِّ والنَّصر والرِّفعة في الدُّنيا والآخرة؛ ولهذا قال: وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح: 18] [1630] ((تفسير ابن كثير)) (7/336). .
– قوله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26].
فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي الطُّمَأنِينة والوَقَار.
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وقيل: ثبَّتهم على الرِّضا والتَّسليم، ولم يدخل قلوبهم ما أدْخَل قلوب أولئك من الحَمِيَّة
[1631] ((تفسير القرطبى)) (16/288).
ثانيًا: في السُّنَّة النبوية
– عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أُقِيمت الصَّلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السَّكِينَة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا))
[1632] رواه البخاري (908)، ومسلم (602). .
(فيه: النَّدب الأكيد إلى إتيان الصَّلاة بسَكِينة ووَقَار، والنَّهي عن إتيانها سعيًا، سواءً فيه صلاة الجمعة وغيرها، سواءً خاف فَوْت تكبيرة الإحرام أم لا. والمراد بقول الله تعالى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] الذَّهاب، يقال: سَعَيْت في كذا أو إلى كذا، إذا ذهبت إليه، وعملت فيه)
[1633] ((شرح النَّووى على مسلم)) (2/378). .
– وعن ابن عبَّاس أنَّهُ دفعَ معَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ عرَفَةَ ، فسمعَ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهمْ، وقالَ: أيُّها الناسُ، عليكم بالسَّكِينَةِ)
[1634] رواه البخاري (1671). .
(علَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ) أي: لازموا الطُّمَأنِينة والرِّفق، وعدم المزَاحمة في السَّير.
– وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت أحدًا كان أشبه سَمْتًا وهديًا ودلًّا. وفي رواية: (حديثًا، وكلامًا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه، قام إليها، فأخذ بيدها فقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها))
[1635] رواه أبو داود (5217)، والتِّرمذي (3872)، والنَّسائي في ((السُّنن الكبرى)) (5/96) (8369)، وابن حبان (15/403) (6953)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4/242) (4089)، والحاكم (3/167)، والبيهقي (7/101) (13962). قال التِّرمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وصححه النَّووي في ((الترخيص بالقيام)) (42)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5217)، وجوَّد إسناده ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/92)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1591). .
قال القاري: (…((سمتًا)). أي: هيئة وطريقة كانت عليها من السَّكِينَة والوَقَار. قال الشَّارح: السَّمت في الأصل القَصْد، والمراد به: هيئة أهل الخير والتَّزيي بزيِّ الصَّالحين. ((وهديًا)) أي: سيرة وطريقة. يقال: فلان حَسَن الهدي، أي: حَسَن المذهب في الأمور كلِّها. ((ودلًّا)): بفتح دال وتشديد لام، فسَّره الرَّاغب بحُسْن الشَّمائل، وأصله من: دلِّ المرأة، وهو شَكْلها، وما يُسْتَحْسَن منها. والكلُّ ألفاظ متقاربة. قال التوربشتي: كأنَّها أشارت بالسَّمت إلى ما يُــرَى على الإنسان من الخشوع والتَّواضع لله، وبالهدي: ما يتحلَّى به من السَّكِينَة والوَقَار، إلى ما يسلكه من المنهج المرضي)
[1636] ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/2969).
أقوال السَّلف والعلماء في السَّكِينَة
– قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (تعلَّموا العلم، وتعلَّموا للعلم السَّكِينَة والحلم)
[1637] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/287) (1789)، ولفظه: (تعلَّموا العلم، وعلِّموه النَّاس، وتعلَّموا له الوَقَار والسَّكينة). قال البيهقي في ((المدخل إلى السُّنن الكبرى)) (2/153): هذا هو الصَّحيح عن عمر من قوله، [وروي] مرفوعًا وهو ضعيف. .
– قال أبو محمَّد -في حديث علي-: إنَّ ابن عبَّاس -رحمه الله- قال: (ما رأيت رئيسًا مِحْرَبًا
[1638] رجل محرب أي محارب لعدوه. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/303). يُزَنُّ به
[1639] زنه بالخير *** وأزنه: ظنه به أو اتهمه. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/200). ، لرأيته يوم صفِّين، وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكأنَّ عينيه سراجَا سليط
[1640] رجل سليط أي فصيح حديد اللسان. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/320). وهو يحمش
[1641] حمش الشيء: جمعه. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (6/288). أصحابه إلى أن انتهى إليَّ وأنا في كثف
[1642] في كثف أي في حشد وجماعة. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (9/296). فقال: معشر المسلمين استشعروا الخشية، وعَنُّوا الأصوات، وتجَلْبَبوا السَّكينة، وأكْملُوا اللُّؤَم، وأَخِفُّوا الجُنَن، وأَقْلقُوا السُّيوف في الغُمْد
[1643] حركوها في أغمادها قبل أن تحتاجوا الى سلها ليسهل عند الحاجة إليها. انظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (26/341). قبل السَّلَّة، والحَظُوا الشَّزْر، واطْعَنُوا الشَّزْر، أو النَّتْر، أو اليَسْر)
[1644] انظر ما رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (42/460). .
– وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كنَّا نتحدَّث أنَّ السَّكِينَة تنطق على لسان عمر وقلبه)
[1645] رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (44/108)، وأحمد (1/106) (834) ولفظه: (.. وما نبعد أنَّ السَّكينة تنطق على لسان عمر رضي الله عنه)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (2/147). .
– وقال ابن القيِّم: (السَّكِينَة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحِكْمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش، واللَّغو والهجر وكلِّ باطلٍ. وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدِّمة: إنِّي باعث نبيًّا أمِّيًّا، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّابٍ في الأسواق، ولا متزيِّنٍ بالفحش، ولا قوَّالٍ للخَنَا. أسدِّده لكلِّ جميلٍ، وأَهَب له كلَّ خُلق كريم، ثمَّ أجعل السَّكِينَة لِبَاسه، والبرَّ شعاره، والتَّقوى ضميره، والحِكْمَة معقوله، والصِّدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلُقه، والعدل سيرته، والحقَّ شريعته، والهدي إمامه، والإسلام ملَّته، وأحمد اسمه)
[1646] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/504).
فوائد السَّكِينَة
للتَّحلِّي بهذه الصِّفة فوائد وآثار طيِّبة، تخصُّ الفرد المتَحلِّي بها، وتعمُّ المجتمع من حوله.
قال ابن عثيمين: (السَّكِينَة هي: عدم الحركة الكثيرة، وعدم الطَّيش، بل يكون ساكنًا في قلبه، وفي جوارحه، وفي مقاله، ولا شكَّ أنَّ هذين الوصفين -الوَقَار والسَّكِينَة- من خير الخصال التي يمنُّ الله بها على العبد؛ لأنَّ ضدَّ ذلك: أن يكون الإنسان لا شخصيَّة له ولا هيبة له، وليس وقورًا ذا هيبة، بل هو مَهِين، قد وضع نفسه ونزَّلها، وكذلك السَّكِينَة ضدُّها أن يكون الإنسان كثير الحركات، كثير التَّلفت، لا يُــرَى عليه أثر سَكِينة قلبه، ولا قوله ولا فعله، فإذا مَنَّ الله على العبد بذلك، فإنَّه ينال بذلك خُلُقين كريمين)
[1647] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/90). .
ومن فوائد السكينة ما يلي:
1- السَّكِينَة رداء ينزل فيثبِّت القلوب الطَّائرة، ويهدِّئ الانفعالات الثَّائرة.
2- أنَّ المتَحلِّي بها يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((السَّكِينَة السَّكِينَة))
[1648] جزء من حديث طويل رواه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. .
3- متى نزلت على العبد السَّكِينَة: استقام، وصَلحت أحواله، وصَلح بالُه، وإذا ترحَّلت عنه السَّكِينَة، ترحَّل عنه السُّرور والأمن والدَّعة والرَّاحة وطيب العيش، فمِنْ أعظم نعم الله على عبده: تَـنَـزُّل السَّكِينَة عليه، ومن أعظم أسبابها: الرِّضا عنه
[1649] ((مدارج السالكين)) لابن القيِّم (2/207). .
4- المتَحلِّي بالسَّكِينَة يخشع في صلاته.
5- إنَّ من صفة النَّاسك السَّكِينَة؛ لغلبة التَّواضع وإتيان القناعة، ورفض الشَّهوات
[1650] ((الأمل والمأمول)) للجاحظ (1/1). .
6- السَّكِينَة علامة من علامات رضا الله عزَّ وجلَّ.
7- أنَّ من ثمارها محبَّة الله للعبد، ومن ثمَّ محبَّة النَّاس له.
8- تجعل العبد قادرًا على تحمُّل المصيبة إذا نزلت.
9- تجعل العبد قادرًا على امتصاص غضبه في المواقف الصَّعبة.
وغير ذلك من الفوائد العظيمة، التي يجنيها الفرد والمجتمع المسلم من هذا الخُلِق الكريم.
أقسام السَّكِينَة
1- عامَّة: وهى التى تخصُّ عامَّة الخَلْق، وهى التي يجدها العبد عند القيام بوظائف العبوديَّة، وهي التي تورث الخشوع والخضوع، وجمعيَّة القلب على الله، بحيث يؤدِّي عبوديَّته بقلبه وبدنه قانتًا لله عزَّ وجلَّ
[1651] ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/155). .
2- خاصَّة: وهى التي تخصُّ أتباع الرُّسل بحسب متابعتهم، وهي سَكِينة الإيمان، وهي سَكِينةٌ تُسَكِّن القلوب عن الرَّيب والشَّك، ولهذا أنزلها الله على المؤمنين في أصعب المواطن، أحوج ما كانوا إليها، هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح: 4]. فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم، والجنود الدَّاخلة فيهم، وهي السَّكِينَة عند القلق والاضطراب
[1652] ((إعلام الموقعين)) لابن القيم. .
أعلى مراتبها وأخصُّ أقسامها:
أعلى مراتب السَّكِينَة وأخصُّ أقسامها هي: سَكِينة الأنبياء، وقد ذكر ذلك ابن القيِّم وأورد لها أمثلة، فقال: ومن أمثلتها:
– السَّكِينَة التي حصلت لإبراهيم الخليل، وقد أُلْقي في المنْجَنِيق مسافرًا إلى ما أَضْرَم له أعداء الله من النَّار، فللَّه تلك السَّكِينَة التي كانت في قلبه حين ذلك السَّفر.
– السَّكِينَة التي حصلت لموسى، وقد غشيه فرعون وجنوده من ورائهم، والبحر أمامهم، وقد استغاث بنو إسرائيل: يا موسى إلى أين تذهب بنا؟! هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون خلفنا.
– وكذلك السَّكِينَة التي حصلت له وقت تكليم الله له نداءً ونجاءً، كلامًا حقيقةً، سمعه حقيقةً بأذنه.
– وكذلك السَّكِينَة التي حصلت له، وقد رأى العصا ثعبانًا مبينًا.
– وكذلك السَّكِينَة التي نزلت عليه، وقد رأى حبال القوم وعِصِيَّهم كأنَّها تسعى، فأوجس في نفسه خِيفةً.
– وكذلك السَّكِينَة التي حصلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد أشرف عليه وعلى صاحبه عدوُّهما، وهما في الغار، فلو نظر أحدهم إلى تحت قدميه لرآهما.
– وكذلك السَّكِينَة التي نزلت عليه في مواقفه العظيمة، وأعداء الله قد أحاطوا به، كيوم بدر، ويوم حُنين، ويوم الخندَّق وغيره.
فهذه السَّكِينَة أمر فوق عقول البَشَر، وهي من أعظم معجزاته عند أرباب البصائر، فإنَّ الكذَّاب -ولا سيَّما على الله- أَمْلَق ما يكون، وأخوف ما يكون، وأشدُّه اضطرابًا في مثل هذه المواطن، فلو لم يكن للرُّسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من الآيات إلَّا هذه وحدها لكفتهم
[1653] ((إعلام الموقعين)) لابن القيِّم (4/201-202). .
صور السَّكِينَة ودرجاتها:
قال صاحب ((المنازل)): (السَّكِينَة: اسم لثلاثة أشياء:
أوَّلها: سَكِينة بني إسرائيل التي أعطوها في التَّابوت.
السَّكِينَة الثَّانية: هي التي تَنْطِق على لسان المحدَّثين، ليست هي شيئًا يُملك، إنَّما هي شيء من لطائف صنع الحقِّ، تُلقى على لسان المحدَّث الحِكْمة، كما يُلقي الملَك الوحي على قلوب الأنبياء، وتنطق بنُكَت الحقائق مع ترويح الأسرار، وكشف الشُّبه.
السَّكِينَة الثَّالثة: هي التي نزلت على قلب النَّبي، وقلوب المؤمنين، وهي شيء يجمع قوَّةً وروحًا، يَسْكن إليه الخائف، ويتسلَّى به الحزين والضَّجِر، ويَسْكن إليه العَصِيُّ والجريء والأَبِيُّ.
وأمَّا سَكِينة الوَقَار التي نزَّلها نعتًا لأربابها: فإنَّها ضياء.
تلك السَّكِينَة الثَّالثة التي ذكرناها، وهي على ثلاث درجات:
الدَّرجة الأولى: سكينة الخشوع عند القيام للخدمة: رعاية وتعظيمًا وحضورًا.
الدَّرجة الثَّانية: السَّكِينَة عند المعاملة بمحاسبة النفوس، وملاطفة الخلق، ومراقبة الحق.
الدَّرجة الثَّالثة: السَّكِينَة التي تثبِّت الرِّضَى بالقَسْم، وتمنع من الشَّطْح الفاحش، وتوقِّف صاحبها على حدِّ الرُّتبة، والسَّكِينَة لا تَنْزل إلَّا في قلب نبيٍّ أو وليٍّ)
[1654] ((منازل السائرين)) للهروي (1/83-85). .
الوسائل المعينة على التَّخلُّق بخُلق السَّكِينَة
1- الامتثال لقول الرَّسول صلى الله عليه وسلم ((عليكم بالسَّكِينَة))
[1655] جزء من حديث رواه البخاري (1671)، ومسلم (1282). .
2- مصاحبة ذوي الطَّبع الهادئ، وأصحاب السكينة فـــ((المرء على دين خليله))
[1656] رواه أبو داود (4833)، والتِّرمذي (2378)، وأحمد (2/334) (8398) واللَّفظ له، والحاكم (4/188)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/55) (9436). قال التِّرمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (6/470): حسن غريب. وصحَّح إسناده النَّووي ((رياض الصالحين)) (177)، وحسَّنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (151)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4833). .
3- القراءة في كتب السِّيرة النَّبويِّة.
4- معرفة فوائد وآثار السَّكِينَة.
5- التَّحلِّي بالصَّبر:
فالصَّبر من الفضائل الخُلقية، التي تُعَوِّد الإنسان السَّكِينَة والاطمئنان، وتكون بلسَمًا لجراحه، ودواءً لمرضه وبلائه، فالصَّابر يتلقَّى المكاره بالقبول، فيحبس نَفْسه عن السَّخط، فيتحلَّى بالسَّكِينَة والوَقَار
[1657] ((صيد الأفكار)) لحسين المهدي (565).
المواطن التي تطلب عندها السكينة
(والمقصود أنَّ العبد محتاج إلى السَّكِينَة عند الوساوس المعترضة في أصل الإيمان؛ ليثبت قلبه ولا يزيغ، وعند الوساوس والخطرات القادحة في أعمال الإيمان؛ لئلَّا تقوى وتصير همومًا، وغمومًا، وإرادات ينقص بها إيمانه، وعند أسباب المخاوف على اختلافها، ليثبت قلبه، ويسكن جَأْشه، وعند أسباب الفرح؛ لئلَّا يطمح به مركبه، فيجاوز الحدَّ الذي لا يُعْبَر، فينقلب ترحًا وحزنًا، وكم ممَّن أنعم الله عليه بما يُفْرِحه، فجمح به مركب الفرح، وتجاوز الحدَّ، فانقلب ترحًا عاجلًا.
ولو أُعِين بسَكِينة تعدل فرحه، لأُرِيد به الخير، وبالله التوفيق.
وعند هجوم الأسباب المؤلمة، على اختلافها: الظَّاهرة والباطنة، فما أحوجه إلى السَّكِينَة حينئذ، وما أنفعها له وأجْدَاها عليه، وأحْسَن عاقبتها.
والسَّكِينَة في هذه المواطن، علامة على الظَّفَر، وحصول المحبوب، واندِّفاع المكروه، وفقدها علامة على ضدِّ ذلك، لا يخطئ هذا ولا هذا. والله المستعان)
[1658] ((إعلام الموقعين)) لابن القيِّم (4/203-204).
نماذج في السَّكِينَة
الرَّسول صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم من خُلُقِه السَّكِينَة الباعثة على الهيبة والتَّعظيم، الدَّاعية إلى التَّقديم والتَّسليم، وكان من أعظم مَهِيب في النُّفوس، حتَّى ارْتَاعت رُسُل كسرى من هيبته حين أتوه، مع ارتياضهم بصَوْلة الأكَاسِرة، ومكاثرة الملوك الجبابرة، فكان في نفوسهم أهيب، وفي أعينهم أعظم، وإن لم يتعاظم بأهبة، ولم يتطاول بسطوة، بل كان بالتَّواضع موصوفًا، وبالوِطاء معروفًا
[1659] انظر: ((أعلام النُّبوَّة)) للماوردي، بتصرف (1/254). .
نماذج من العلماء:
أحمد بن حنبل:
عن المروذي، قال: لم أرَ الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أحمد، كان مائلًا إليهم، مُقْصرًا عن أهل الدُّنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعَجُول، وكان كثير التَّواضع، تعلوه السَّكِينَة والوَقَار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفُتيا، لا يتكلَّم حتَّى يُسْأل، وإذا خرج إلى مسجده، لم يتصدَّر
[1660] ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (11/218).
آيات السَّكِينَة
ومقتضى السَّكِينَة هدوء النَّفس وسُكُونها. وفي ذلك يقول ابن القيِّم:
(كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إذا اشتدَّت عليه الأمور قرأ آيات السَّكِينَة.
وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شيطانيَّة ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوَّة، قال: فلمَّا اشتدَّ عليَّ الأمر، قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السَّكِينَة. قال: ثمَّ أقلع عنِّي ذلك الحال، وجلست وما بي قَلَبةٌ
[1661] ما بي قلبة، أي علة أنقلب بها. انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (7/345). .
وقال ابن القيِّم أيضًا: (قد جرَّبت -أنا أيضًا- قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه، فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته)
[1662] انظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيِّم (2/502).
السَّكِينَة في واحة الشِّعر
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب يرتجز برَجَز عبد الله بن رواحة، ويقول:
اللهمَّ لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا
فأَنْزِلَنْ سَكِينةً علينا
وثبِّت الأقدام إن لاقينا
إنَّ الأعداءَ قد بغوا علينا
إذا أرادوا فتنةً أبينا
[1663] ((صحيح البخاري)) (4/64) رقم (3034).
وقال ابن المبارك في مسعر بن كدام:
من كان ملتمسًا جليسًا صالحًا
فليأتِ حلقةَ مِسْعرِ بنِ كِدَامِ
فيها السَّكِينَةُ والوَقَارُ، وأهلُها
أهلُ العفافِ وعِلْيَةُ الأقوامِ
[1664] ((سير أعلام النبلاء)) (7/170).
وقال آخر:
أهلًا بقوم صالحين ذوي تُقَى
خير الرجال وزَيْن ملاءِ
يسعون في طلب الحديث بعفَّة
وتوقُّر وسَكِينة وحياءِ
لهم المهابة والجلالة والتقى
وفضائل جلَّت عن الإحصاءِ
[1665] ((أخبار وتراجم أندلسية مستخرجة من معجم السفر للسلفي)) (ص 69).

منقول


hakimdima غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أخلاق, المسلم, السكينة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: من أخلاق المسلم السكينة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أخلاق المسلم التأني hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-30 02:25 PM
من أخلاق المسلم في التجارة hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-25 07:09 PM
من أخلاق المسلم التعاون hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-25 07:08 PM
من أخلاق المسلم الحلم hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-25 07:06 PM
من أخلاق المسلم islam ركن أخلاق المسلم 2 2012-11-29 12:26 PM


الساعة الآن 12:39 PM


Designed & Developed by : kakashi_senpai
Preview on Feedage: %D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML