تعيش أكبر البلدان الإفريقية سكانا وأحد أهم الاقتصاديات في القارة السمراء نيجيريا، على وقع هاجس التفكك. فبعد الصراعات الإثنية والدينية بين المسلمين والمسيحيين واستفحال ظاهرة العنف، على خلفية تنامي دور تنظيم بوكو حرام الذي بايع “داعش”، تواجه أبوجا هاجس التفكك على خلفية تنامي الحركة الاستقلالية والانفصالية لمنطقة دلتا نهر النيجر الغنية بالمحروقات، حيث يثير تهديد مجموعات “ثائرو دلتا النيجر” بإعلان الانفصال في الفاتح أكتوبر المقبل، مخاوف جديدة من تكرار سيناريوهات حركات انفصالية عاشتها عدد من المناطق الافريقية، منها كازامنس في السنغال وجنوب السودان.
يوجد الرئيس النيجيري محمدو بوهاري في وضع صعب، وأمام هامش حركة ضيق، فنيجيريا تعاني من أزمة اقتصادية ومالية خانقة نتيجة انهيار أسعار النفط، ومع تنامي الحركة الاستقلالية في منطقة تعد من أغنى المناطق في البلاد وشريان اقتصادها، فإن ذلك يؤثر سلبا على أداء حكومة كانت تواجه ظاهرة سرقة النفط وعمليات الاختطافات في المنطقة، وشبه تمرد أخذ يتسع، في وقت كانت الحكومة النيجيرية تعكف على تسيير ملف “بوكو حرام” وانتشاره في بلدان الجوار وتهديدات تنظيم القاعدة.
وتكمن حساسية وأهمية منطقة دلتا النيجر في كونها أهم منطقة تتركز فيها الاحتياطات النفطية والغازية لنيجيريا، وتمثل حوالي 70 في المائة من إيرادات النفط، كما أنها المنطقة التي يتركز فيها نشاط كبرى الشركات مثل شال وشوفرون وأكسون الأمريكية وإيني الإيطالية، إلى جانب شركة النفط الوطنية النيجيرية، مما يضع حكومة نيجيريا على المحك، إذ تفتح عليها جبهة صراع جديدة بعد مواجهة الجيش النيجيري لتنظيم بوكو حرام بتكلفة عالية.
ورغم محاولات الحكومة التقرب من التنظيمات المسلحة في المنطقة، واقتراح التحاور معها، إلا أن هذه الأخيرة تستخدم العنف كورقة ضغط وتلوّح بالاستقلال، لإدراكها بصعوبة تقبّل الحكومة لمثل هذا التوجه، لتمرير مطالب الحصول على حصة من الريع النفطي والغازي، حيث غالبا ما تتهم التنظيمات المسلحة الحكومة النيجيرية بعدم توزيع الثروة بالتساوي وإهمال هذه المناطق الغنية بالثروات والفقيرة على المستوى الاجتماعي.
وتأتي تحركات التنظيمات المسلحة لتزيد من متاعب حكومة الرئيس محمدو بوهاري، هذه الأخيرة أصبحت تعاني من ضائقة مالية خانقة لبلد تعداد سكانه فاق منذ مدة عتبة 100 مليون نسمة. فإلى جانب انهيار العائدات نتيجة انخفاض أسعار النفط، علما أن النفط النيجيري الخفيف “بوني لايت” من بين النفوط المطلوبة كثيرا في السوق، فإن نيجيريا تعاني أيضا من تراجع كبير لسعر صرف العملة الوطنية “نايرا” ما يؤثر على القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من السكان، حيث برزت عدة مظاهر مثل السرقة والاختطاف وسيادة اللاأمن في عدد من الأحياء لاسيما في المدينة الرئيسية الثانية والعاصمة السابقة لاغوس، كما تعاني نيجيريا من تعدد الهجمات على المنشآت النفطية والغازية، مما يضعف إنتاجها ويقلّص صادراتها.
وتخفي تفاعلات الأزمة في نيجيريا، الصراعات الاثنية القائمة على كيفية توزيع وتقاسم الثروة، حيث تتصارع ثلاث إثنيات أساسية اليوروبا وبول هاوسا والايغبو، مما أثر على برامج عصرنة وتطوير منطقة دلتا النيجر، فالإثنية المسيطرة من استقلال البلاد الى رئاسة أوباسانجو في 1999، كانت مجموعات الهاوسا بول المتمركزة في الشمال، وكانت الاقليات في الجنوب الغنية بالمحروقات محرومة، بينما سيطرت مجموعات أخرى على التجارة لقربها الجغرافي من السواحل النيجيرية، وتعاني منطقة دلتا من انعاكاسات استخراج المحروقات، حيث تضرر السكان من التلوث كثيرا، مما جعلهم يضغطون على الحكومات النيجيرية المتعاقبة أيضا.
وتتواجد نيجيريا في مفترق طرق صعب بمعادلات متعددة، فمن جهة مخاطر الإرهاب والصراعات الاثنية والتجاذبات بين المسلمين والمسيحيين، ومن جهة أخرى مخاطر التقسيم المتزايدة.
منقول