فليسكت الأسى الذي أظلنا، ولتسكت الجراح
اليـوم لا مكـان للدموع في عيوننا، ولا نواح
إنا معًــا علــى المــــدى، يظلنـــا معًــا جنـاح
بكلماته أرثيه وقد رحل عنا وخلف في قلوبنا ح*** عظيمًا، ليس لفقد شخصه الكريم إنما لافتقاد اللغة العربية إليه، في زمن انحرف فيه اللسان، وضل فيه البيان، وأساء فيه البنان.
لقد رحل منذ أيام الشاعر الأديب واللغوي الأريب، فاروق شوشة عن عمر يناهز الثمانين عامًا، بعد أن قضى أكثر من نصف قرن بين اللغة وبلاغتها أسهم من خلالها في إثراء الحياة الثقافية في مصر والوطن العربي، وكان هدفه الأول والأخير انتشار الإعلام الثقافي الصحيح، والتصالح مع اللغة والتأمل في جملياتها.
موجز من حياة فاروق شوشة:
ولد فاروق محمد شوشة في قرية الشعراء بمحافظة دمياط بشمال مصر في العام 1936م، وأتم حفظ القرآن الكريم ليكمل دراسته ويتخرج في كلية دار العلوم في العام 1956م، ويتخرج أيضًا في كلية التربية جامعة عين شمس في العام 1957م، وعمل مُعلمًا لمدة عام قبل أن يبدأ مسيرة إذاعية وأدبية طويلة، كما عمل أستاذاً للأدب العربي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
فاروق شوشة في الإذاعة والتليفزيون:
التحق شوشة بالإذاعة المصرية في عام 1958م، وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسًا لها في عام 1994م.
وبدءًا من عام 1967م وعلى مدى عقود قدم رحمه الله برنامج "لغتنا الجميلة" الذي عٌني بمناقشة قضايا اللغة العربية وكان يقدم فيه نماذج شعرية من الشعر القديم والحديث يلقيها بصوته وبأداءٍ متميز.
كما نقل هذا الاهتمام بالقضايا اللغوية والأدبية إلى التليفزيون المصري عبر برنامجه "أمسية ثقافية" في عام 1977م، الذي استضاف فيه عددا من رموز الثقافة العربية وبٌناتها.
وقد وصف الشاعر فاروق جويدة منجز شوشة في برنامجه بقوله: "كان برنامج لغتنا الجملية من أكثر البرامج الإبداعية والتي كانت تفتح نافذة على التراث ويدلف بنا إلى العصر الحديث، كان البرنامج من أكثر البرامج ثراءً وإبداعًا وقدم نجوم العصر الذهبي وإبداعاتهم".
فاروق شوشة عضو مجمع اللغة العربية
حظي شوشة بعضوية مجمع اللغة العربية في القاهرة وعمل في عدد من اللجان الثقافية ورأس بعضها كلجنتي النصوص في الإذاعة والتليفزيون ولجنة المؤلفين والملحنين.
وعن تجربته في المجمع، يقول: الدكتور حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية: إن الراحل فاروق شوشة كان من الأعضاء الكبار في المجمع واستطاع أن يربط أجيالًا كاملة باللغة العربية الأم بكل أعماقها عن طريق برنامجه "لغتنا الجميلة" وأسهم إسهامات عديدة بعد انضمامه للمجمع حتى أصبح الأمين العام لمجمع اللغة العربية.
مؤلفات فاروق شوشة:
- لغتنا الجميلة، 1967م.
- أحلى 20 قصيدة حب في الشعر العربي.
- أحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي.
- العلاج بالشعر.
- لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة .
- مواجهة ثقافية.
- عذابات العمر الجميل (سيرة شعرية).
دوواين فاروق شوشة الشعرية:
- إلى مسافرة، 1966م.
- العيون المحترقة، 1972م.
- لؤلؤة في القلبن 1973م.
- في انتظار ما لا يجيء 1979م.
- الدائرة المحكمة، 1983م.
- الأعمال الشعرية، 1985م.
- لغة من دم العاشقين، 1986م.
- يقول الدم العربي، 1988م.
- هئت لك، 1992م.
- سيدة الماء، 1994م.
- وقت لاقتناص الوقت، 1997م.
- حبيبة والقمر (شعر للأطفال)، 1998م.
- وجه أبنوسي، 2000م.
- الجميلة تنزل إلى النهر، 2002م.
فاروق شوشة ثأر في عالم الأدب:
كان شوشة يسبح عكس تيار الأدب المعاصر، لكنه في الاتجاه الصحيح، وإن كان الرفاق فيه قلة، لذلك يرى البعض أنه لم يصل بشكل جيد إلى الأجيال الجديدة التي شغلتها الصرعات التكنولوجية والتطورات المتسارعة في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وعن ذلك يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة: "إن فاروق شوشة لم يستطع بالطبع وجيله الوصول بشكل جيد إلى الأجيال الجديدة بحكم تكوين هذه الأجيال ومواكب الفن الهابط التي اجتاحت، ولكن هذا لا يعني أن مثل هذا التراث يمكن أن ينتهي فما زالت أوروبا تحتفي بتاريخها الشعري ومازال الانجليز يقرأون شعراءهم الكبار، فاللغة شيء متأصل في تكوين الإنسان والعرب يمكن أن تجمعهم قصيدة شعر فصحى واحدة وهاهم يتناحرون على لغات عامية في الغناء أو في الشعر أو غيره".
لكن الدكتور حسن الشافعي يتوقف عند إصرار الشاعر الراحل على تأكيد قدرة العربية في مواجهة تحديات العصر سواء عبر شعره أو برامجه قائلا: "إن إسهامات فاروق شوشة في الشعر العربي كانت ثرية ويميزها إصراره على المضي قدما في القضايا المرتبطة باللغة العربية رغم صعوبة العصر والوسائل".
كان يرنو –رحمه الله- إلى انتشار الإعلام الثقافي الصحيح، والتصالح مع اللغة والتأمل في جملياتها، في زمن انعدم فيه الذوق وسفل فيه الطبع، الأمر الذي جعله يثور على المثقفين والأدباء في قصيدته "خدم" التي يقول فيها:
خدم... خدم!
وإن تبهنسوا
وصعروا الخدود كلما مشوا
وغلظوا الصوت
فزلزلوا الأرض
وطرقعوا القدم!
خدم... خدم
وإن تباهوا أنهم
أهل الكتاب والقلم
وأنهم في حلكة الليل البهيم
صانعو النور
وكاشفو الظلم
وأنهم ـ بدونهم ـ
لا تصلح الدنيا
ولا تفاخر الأمم
ولا يعاد خلق الكون كله
من العدم!
لكنهم خدم
بإصبع واحدة
يستنفرون مثل قطعان الغنم
ويهطعون علهم يلقون
من بعض الهبات والنعم
لهم، إذا تحركوا
في كل موقع صنم
يكبرون أو يهللون حوله،
يسبحون باسمه، ويقسمون
يسجدون، يركعون
يمعنون في رياء زائف
وفي ولاء متهم
وفي قلوبهم..
أمراض هذا العصر
من هشاشة
ومن وضاعة
ومن صغار في التدني
واختلاط في القيم!
وهذه الحالة التي تعم الوسط الثقافي تحدث عنها في أحد لقاءاته قائلًا: "المثقفين أنفسهم لم يسلموا مما يُوصف به الإنسان المُتهالك، المُتطلع، المُستعد أن يبيع أي شيء من أجل أن يغنم منصبًا أو وظيفة أو وضعًا أو شهرة أو جائزة أو دورًا، وتحت هذه العناوين رضخ كثير منهم للواقع الذى كان موجودًا ولايزال. وظنوا أنهم جماعة "الشطار"، لأنهم يحققون الغنائم، أما غيرهم من العازفين أو المحبطين أو الصامتين أو العاكفين في بيوتهم أو المهاجرين خارج بلادهم، هؤلاء هم الأغبياء الذين لم يحسنوا لغة العصر، ولم يستفيدوا من عطايا السلطان، ولم يقتربوا من النفوذ أو يحصلوا على منصب، ولم تتردد أسماؤهم بمناسبة أو غير مناسبة، ولم تظهر صورهم في الصحف والقنوات".
ويتابع: "بل وجدنا بعض المثقفين حين يجيئون كوزراء لا ينشغلون إلا بالتفرغ لتصفية حسابات قديمة وأصبحت كلمة مفكر تطلق على من ليس له أدنى حظ من التفكير، وقد يكون مفكرًا كبيرًا وعندما تسأل مفكرًا في ماذا، ومفكر كبير بأي أمارة؟ فلا يجيب".
جائزة النيل نهاية الرحلة:
قطع شوشة رحلة طويلة من الانجازات والإسهامت التي توجت بالكثير من الجوائز والتكريمات، وهي:
جائزة الدولة في الشعر عام 1986م.
جائزة محمد حسن الفقى عام 1994م.
جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1997م.
حصل على جائزة كفافيس العالمية عام 1991م.
وفي عام 2016م اختتم رحلته بجائزة النيل من الدولة وهي أعلى وسام يتم منحه للأدباء في مصر. والتي قال عنها فور حصول عليها: "من الطبيعي أن تكون وسامًا على صدر أي إنسان يفوز بها، خصوصًا بعد فترة عمل امتدت لأكثر من نصف قرن في مجال الأدب والشعر والثقافة، وبعد جهد ومعاناة، ومحاولة الاستمرار بصور وأشكال شتى، والتجريب في مجالات كثيرة".
فنسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يتجاوز عن سيئاته، إنه جواد رحيم.
مصادر:
موقع المجلس الأعلى للثقافة.
موقع بي بي سي العربية.
منقول