لقد ترددت كثيرا في الكتابة، لكني في الأخير اقتنعت أن السكوت جريمة لا تغتفر في هذا الوطن المفدى، أمام الانتكاسات والممارسات اليومية التي تزيد في محنة الجزائر، وترهن بالأساس مستقبل أبنائها وبناتها. لقد كتب الأستاذ سعد بوعقبة في عموده عن واجب النضال من أجل إلغاء حكاية الامتياز الذي يعطيه التقاعد للمسؤولين المنتمين لصندوق التقاعد الخاص، لأن هذا من الأعمال غير الدستورية التي تمس بالمساواة. ما معنى أن يأخذ المسؤول 100% من أجره مع العلاوات عند التقاعد، بينما يأخذ والمواطن العادي 80%؟ والمسؤول يأخذ أجرة التقاعد وفق المرتب الذي يأخذه المسؤول الممارس، في حين لا يحدث ذلك للمتقاعد العادي.
إن واجب الراهن اليوم على الحكومة أن تعمل على التجاوب مع المواطنين في شتى المجالات لعلمها بالتحديات الكبيرة التي تواجهنا، والخطر الذي يحدق بالأمم السائرة في طريق النمو، نتيجة انخفاض سعر المحروقات، فليس من الحكمة دعوة الشعب في كل مرة إلى الالتفاف حول حكومته ووطنه، ثم نجد من يخرج علينا باستفزاز لمشاعر المواطنين والعمال والاستنزاف المبرمج لآلاف العمال والعاملات ذوي الخبرة والتجربة، بمختلف رتبهم وأسلاكهم، الذين دُفعوا قسرا لإيداع طلبات التقاعد، نتيجة قرار الثلاثية المصادق عليه في اجتماع مجلس الوزراء بالتراجع عن الأمرية الرئاسية 09/02، وإلغاء التقاعد النسبي والتقاعد دون شرط السن.
إن مثل هذا القرار ليس له مبرر اقتصادي، فمبرر التوا***ت المالية للصندوق الوطني للتقاعد مردود على أصحابه، وإلا كيف نفسر زيادة الضغط على الصندوق منذ الثلاثية إلى غاية 31/12/2016، أليس دعوة صريحة لإفلاسه؟
المبرر الثاني لأصحاب القرار هو الأزمة المالية وحالة التقشف التي تفرضها الحكومة في إطار النموذج الاقتصادي إن وُجد، وهذا المبرر كذلك مردود على أصحابه. فهل يعقل أن نضحي بالخبرة والتجربة للعمال والعملات، وإحداث القطيعة بين جيلين للتواصل والمحافظة على المكتسبات؟
على الحكومة اليوم الكف عن استغباء الشعب، لأن المبرر الوحيد هو “تسونامي” الفساد، هذا الأخطبوط الذي سيطر على جميع منافذ القرار في السلطة والحكومة، لأن النسبة الكبيرة من المتقاعدين دون شرط السن يأخذون منحهم من الصندوق العمومي ويتوجهون إلى القطاع الخاص للتعويض عن تدني القدرة الشرائية، والعمل دون تأمين ودون دفع اشتراكات لصندوق الضمان الاجتماعي، وبالمقابل يُحرم الشباب البطال من مناصب التوظيف في القطاع الخاص الذي يستفيد من التخفيضات والتعويضات والتسهيلات وتهريب الخبرة، ولا يساهم في التشغيل، وهذا تحايل باسم الثلاثية. وفي الأخير نتساءل: هل مثل هذه الممارسات من صميم تنفيذ برنامج الرئيس أيضا؟
عمر نوار
* في بلادنا نسن القوانين غير الدستورية ولا يتحرك المجلس الدستوري، وكأن هذا المجلس وُجد فقط للموافقة على ترشح الرئيس، أما مراقبة دستورية القوانين فليست من اختصاصه.
قانون يميز بين المواطن المسؤول والمواطن غير المسؤول في التقاعد لا يراه المجلس الدستوري مساسا بالمساواة بين المواطنين. إنها دولة التشريع على المقاس في دولة المواطن الذي غلبه النعاس!
منقول