يختلف الطلاب في قدراتهم التحصيلية بين متفوق وآخر متأخر دراسياً وثالث متوسط المستوى، وقد يتغير مستوى نفس الطالب من موسم دراسي إلى موسم آخر، وقد يتذبذب هذا الطالب بين المستويات الثلاثة خلال فترة دراسته كلها أو ربما خلال عام دراسي واحد..
فما هي العوامل التي تساعد على التفوق الدراسي؟ وكيف يمكن تقسيم هذه العوامل لدراستها دراسة متأنية؟ وكيف يستفيد الطالب من هذه العوامل ليحقق لنفسه التفوق الذي يحلم به ويتمناه له الأهل؟يؤكد هيثم العلوي «موظف» على أن التفوق الدراسي لا يدخل ضمن المهارات الشخصية للطالب، ولا يتوقف على مدى اهتمام الأسرة بالحالة الدراسية للطالب ولا وضعه التحصيلي، ويضيف أن هناك قائمة طويلة من العوامل التي ساهمت في تفوقه الدراسي أهمها المدرسة وطريقة تقديم المناهج الدراسية إلى الطلاب بشكل يشجع على البحث العلمي والدراسة، ويشير إلى أن أسلوب التلقين أو التحفيظ أسلوب عفا عليه الزمن ولم يعد يصلح للاستخدام في الوقت الحالي نظراً لتطور طرق التعليم في العالم كله بما يخدم مصلحة الطالب المستقبلية.
يضيف العلوي أن طرق التعامل مع المناهج من جانب المدرسة أو المدرس بالمعنى الأصح هي التي تحدد إمكانية تحقيق الطلاب للتفوق من عدمه، ويقول إن الطالب إذا تحقق عنده نفور من مادة محددة نتيجة عدم تقديم المدرس لها بطريقة واضحة يؤدي إلى تكوين عقدة لدى هذا الطالب من هذه المادة إلى الأبد، ولن تفلح أية طريقة فيما بعد لإصلاح ما أفسده هذا المدرس، وقد يتسبب ذلك الأمر في تغيير مسار هذا الطالب في المستقبل من كلية نظرية إلى كلية عملية أو العكس نتيجة الرغبة الدفينة في الهروب من هذه المادة والمواد التي ترتبط بها، وهكذا.
ويشير العلوي إلى وجود مجموعة أخرى من العوامل التي تتدخل في دفع الطالب إلى التفوق أو إلى أبواب التخلف الدراسي أهمها تشجيع الأهل له من دون التدخل في محتوى مناهج الدراسة أو بالأحرى دعمه معنوياً فقط بلا محاولة لمساعدته دراسياً لأن من النادر أن نجد أحد أفراد الأسرة على دراية كافية بالمنهج الدراسي، إلا إذا تصادف وجود أحد أبناء الأسرة المتفوقين مر بنفس العام الدراسي في الموسم السابق فيمكنه تقديم المساعدة قدر استطاعته.
وفيما عدا ذلك يمكن للأم مثلاً تقديم الدعم المعنوي في صورة عبارات التشجيع أو حتى في التواجد مع الابن في نفس قاعة الاستذكار لتلبية الاحتياجات الآنية أو لتقديم المبادرات الحانية مثل وجبة سريعة أو سندوتش خفيف أو كوب من أي مشروب دافئ أو غير ذلك من المبادرات التي يراها أفراد الأسرة تشكل نوعاً من أنواع المساندة أو التشجيع على التحصيل الدراسي.
لا علاقة للوراثة
وينفي زايد السعدي «موظف» أن يكون التفوق الدراسي رهن قانون الوراثة أو التاريخ العائلي، ويضيف أن كل حالة من حالات التفوق الدراسي أو العكس لها سبب ليس له علاقة بالوراثة لأن المثابرة في التحصيل والاجتهاد فيه ليس وقفاً على أنماط بشرية معينة.
ولا على جينات وراثية توجد في عائلة من دون الأخرى، التفوق الدراسي من وجهة نظره هو حصيلة المجهود الذي يبذله الطالب في الاستذكار والقراءة التي تدعم الموضوع الذي يستذكره، كذلك الحكمة تقول أن «لكل مجتهد نصيب»، ومن المهم أن نمد الأبناء بهذه الحكمة حتى بعرف كل منهم أنه بقدر ما يبذل من مجهود سوف يحصل على نتيجة.
ويضيف السعدي أن بعض الأسر تضغط على الابن لتحقيق علامات أكثر وللوصول إلى مستوى دراسي مرتفع، وهذا الأمر قد يؤتي بنتائج عكسية، لأن لكل طالب أو طالبة قدرات محددة، وهذه القدرات يمكن تنميتها في حدود محددة أيضاً.
ولكن لا يمكن أن نحقق التفوق من العدم، ومن المستحيل الوصول إلى المركز الأول أو العلامات الكاملة إذا كانت الإمكانات التحصيلية للطالب محدودة، ويؤكد على وجود ارتباط وثيق بين المجهود الذي يبذله الطالب في الاستذكار وبين النتيجة النهائية، مع وضع بعض العناصر الفرعية في الاعتبار، مثل اجتهاد المدرسين في المدرسة في شرح الدروس أو رفاق الدراسة الذين يستذكرون دروسهم معه أو غير ذلك من العوامل الفرعية.
ويشير زايد السعدي إلى أن التفوق الدراسي يعتمد أيضاً على الجو العام في الأسرة وهل هو خال من المشكلات العائلية أو الخلافات ما بين الأب والأم أو غير ذلك مما من شأنه تشتيت التركيز لدى الطالب وصرفه عن الاهتمام بالتحصيل، وهي تعتبر من العوامل الفرعية وليست الأساسية لأنها في النهاية تؤثر بدرجة أقل من العوامل الأصلية التي تحتل درجة أعلى من الأهمية.
مضيفاً أن هناك من الطلاب من يتصور أن الاستذكار الجماعي من شأنه أن يحقق التفوق للطالب وهو أمر غير صحيح بالمرة إذ أن تجمع أكثر من طالبين معاً للاستذكار من شأنه إضاعة الوقت بصورة تلقائية غير ملحوظة دون تحقيق إنجاز مهم، ويتصور أن الاستذكار الفردي أفضل للحفاظ على الوقت والتركيز، إلا أن الأمر قد يتطلب استشارة زميل أو مدرس في نقطة صعبة ويجب أن يكون ذلك في أقل وقت ممكن وباختصار قدر الإمكان حرصاً على وقت الطرفين.
استعداد شخصي
أما الطالب فيصل غارب فيقول أنه يعتقد أن التفوق الدراسي يعتمد بصورة أكثر على استعداد الطالب وحبه للمواد الدراسية ودوره الذي يقتنع به في ضرورة استذكار هذه الدروس للوصول إلى التفوق الذي يريده، أما إذا لم تكن لديه هذه القناعة فلن يستطيع الوصول إلى هذا التفوق مهما بذل من مجهود أو امتدت ساعات استذكاره.
ويضيف غارب أن هناك طرقاً تساعد على التفوق منها مثلاً تقسيم الوقت المتاح إلى أزمنة صغيرة وتحديد الجزء المطلوب استذكاره خلال هذه الفترات الزمنية وفي نهاية اليوم يتم تقييم التجربة لمعرفة ما تم تحقيقه من المطلوب وما لم يتم، أو بصورة أوضح يتم الوقوف على مدى الالتزام بالجدول الزمني.
ويشير غارب إلى أن تقسيم المواد الدراسية إلى أجزاء صغيرة يساعد أيضاً على التفوق لأن الشكل الضخم من المنهج الدراسي قد لا يشجع على البدء في الدراسة، بينما تجربته الشخصية أكدت أنه يستطيع تخصيص وقت لكل جزء من فصل أو باب في الكتاب المدرسي لتحقيق الاستذكار السليم وبالتالي الوصول إلى التفوق المنشود، كما أنه يقوم باختيار المواد ذات الطبيعة الأسهل بالنسبة له ليبدأ بها الاستذكار .
ويتصور أن هذه الطريقة من شأنها أن تساعد الطالب على الثقة بنفسه لأنه يرى أنه حقق بالفعل إنجاز حتى ولو كان بسيطاً يدفعه إلى المواصلة والتعامل مع باقي المواد الدراسية على أنها تحمل نفس الخصائص من حيث سهولة التحصيل، مما يشجعه على الإقبال على استذكارها بجد.
النظام يحقق التفوق
ويشاركه الرأي زميله صالح بو عريب ويضيف أن الاستذكار الصحيح هو الطريق إلى تحقيق التفوق، فهو يرى أن كل موضوع من الموضوعات الدراسية يحتاج إلى أن يتم التعامل معه على حدة ومن دون خلطه مع الموضوعات الأخرى، كما يستحق كل موضوع أن يتم تخصيص وقت خاص له لاستذكاره فيه، ولا يجوز أن يطغى في الوقت موضوع على آخر، كما يمكن الاستعانة بالقراءة الخارجية التي تدور حول نفس الموضوع للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المعلومات حول نفس الموضوع.
ويشير بو عريب إلى أن الرجوع إلى مدرس المادة للاستفسار منه عما يصعب علينا فهمه هو أنسب الطرق للوصول إلى الاستذكار المثالي، كما أنه يتعامل مع كل موضوع دراسي على أنه مشكلة تحتاج إلى حل، وعليه البحث والتقصي وبذل المجهود للوصول إلى ذلك الحل، وفي الأغلب يستطيع الوصول إذا تعامل مع الموضوع بجدية.
تربويون: 3 عوامل في العملية التعليمية
تؤكد عالية حسين المستشارة التربوية والخبيرة بوزارة التربية والتعليم سابقاً أن المفهوم السائد بين الناس عن التفوق الدراسي يفتقر إلى الفهم الدقيق، فالتفوق في التحصيل هو جزء من العملية التعليمية وليس كل، إذ تضم هذه العملية إلى جانب الدراسة أنشطة تربوية وميدانية، منها مثلاً التربية البدنية والفنية وغيرها، وهذه الأنشطة أيضاً يتفوق فيها بعض الطلاب بصورة واضحة.
دافع ذاتي
تضيف عالية أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تتدخل في تحقيق التفوق الدراسي للطالب أهمها وجود دافع ذاتي يدفعه إلى تحقيق ذلك التفوق، أو محاولة ذلك على الأقل، وهناك طالب يرى في والده مثلاً أو أحد أقاربه أو أحد الشخصيات العامة مثلاً أعلى يريد أن يصل إلى ما وصل إليه هذا الشخص فيبذل مجهوداً مضاعفاً في الاستذكار ليحقق ذلك التفوق.
بيئة مشجعة
العامل الثاني هو وجود دوافع مشجعة من البيئة المحيطة بالطالب وتختلف هذه البيئة إذ ربما تكون الأسرة الحقيقية أو الأسرة البديلة «كأن يعيش الطالب في بيت جده أو عمه أو أحد أقاربه» أو ربما يعيش بعض الطلاب في مؤسسات تربوية، وإذا شجعت هذه البيئة الطالب على التفوق يمكنه أن يصل للمركز الذي يريده، وإذا أهملت دورها التشجيعي ربما ينجح الطالب ولكن لن يتفوق ولن يحقق التميز.
تشجيع المدرسة
تضيف عالية العامل الثالث وهو توافر التشجيع من المدرسة والمدرسين، فلابد من قيام كل مدرس بتشجيع الطلاب المتفوقين في مادته تشجيعاً مادياً وأدبياً حتى يحفزهم ذلك على مواصلة التميز، أما إذا شعر هؤلاء أنهم متساوون مع أقرانهم في الفصل فلن يسعوا لتحقيق التميز .
ولن يطوروا مستوياتهم الدراسية، والتشجيع المعنوي هو الإشادة بمجهودهم أمام الغير خاصة إذا زار الفصل أحد موجهي المادة، والتشجيع المادي هو إهدائه جائزة تتناسب مع عمره ومع المادة التي تفوق فيها، فمن المنطقي أن أهدي الطالب المتفوق في الرسم علبة ألوان، كما أن من الطبيعي أن يقوم معلم التربية الدينية بإهداء كتاب تفسير القرآن للطالب المتفوق في حفظ كتاب الله وهكذا.
التفوق يرتكز على التحكم بالوقت والعمل
تشير الدراسات النفسية الحديثة إلى أن التفوق الدراسي يعتبر أحد صور تحقيق الأهداف ويعتمد على طبيعة الشخصية ومدى التحكم في عاملي الوقت والفعل، فمثلاً على الطالب الذي ينشد التفوق أن يبني لذاته صورة داخل عقله يراها باستمرار، هذه الصورة له شخصياً وهو ناجح ومقبول في المجتمع كفرد منتج أو كطالب متفوق، ويجب أن تكون هذه الصورة مفعمة بالتفاؤل والاستبشار.
كما يجب أن يبني حائط صد ضد عوامل الإحباط والفشل، ويردد بينه وبين ذاته من آن لآخر أنه أكبر من الفشل وأقوى من المواد الدراسية الصعبة، وأن الوصول إلى الغاية يسير ولكن فقط يحتاج إلى الصبر والعمل.
وتضيف الدراسات أن من أهم عوامل التفوق إغلاق كل أبواب الاتصال مع العالم الخارجي وقت الاستذكار واختيار ركن من الغرفة يخصص فقط لهذا الغرض، حيث لا جدوى من المذاكرة في الفراش ولا أمام التليفزيون، وتخصيص وقت ثابت لمراجعة الدروس، مع تنظيم الغرفة بما لا يدع مجالاً للفوضى، والاعتذار عن تلبية أية دعوات من أي أصدقاء للخروج من المنزل أو تبادل الزيارات أو مشاهدة المباريات.
منقول