المنهج "Method " لفظة مشتقة من كلمة يونانية، بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة، ويرجع أصلها الاشتقاقي إلى معنى الطريق المؤدي إلى الغرض المطلوب. ويعتبر "منهج البحث العلمي" علمًا قائما بذاته يسمى "علم مناهج البحث" "Methodology" أو علم المناهج اختصارا، ويمثل أهم جوانب العلم والمعرفة العـلمية(2).
وقد استقر معنى كلمة منهج منذ عصر النهضة الأوربية بمعنى طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة من العلم، ومعنى المنهج هو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة(3).
أقسام المنهج العلمي:
قد تختلف مناهج البحث في كل علم من العلوم عن بعضها الآخر، فهناك فرق مثلا بين علم الفلك وعلم الطبيعة وعلم الكيمياء والجيولوجيا والرياضيات. ولكن مع هذه الفروق في مناهج كل علم، فإن هناك أساسيات تجمع بينها جميعا، وهذه الأساسيات هي التي يهتم بها علم المناهج العام، فالعلم الباحث في الطرق المستخدمة في العلوم للوصول إلى الحقيقة يسمى علم المناهج، وهو العلم الذي يدرس الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم النظرية، وتبعا لاختلاف هذه العلوم تختلف المناهج، ولكنها يمكن أن ترد إلى منهجين هما: الاستدلال والتجريب، يضاف إليهما منهج ثالث خاص بالعلوم الأخلاقية أو التاريخية وهو منهج الاسترداد، ويمكن حصرها في نهاية الأمر فيما يلي(3):
1 - المنهج الاستدلالي أو الرياضي: وهو الذي نسير فيه من مبدأ إلى قضايا تنتج عنه بالضرورة دون التجاء إلى التجربة، وهو منهج العلوم الرياضية.
--------------------------------------------------------------------------------
المنهج التجريبي هو العلم الذي نحتاج إليه لدراسة وتقييم الأبحاث الطبية المتضمنة لأحاديث من الهدي النبوي
--------------------------------------------------------------------------------
2 - المنهج التجريبي: ويشمل الملاحظة والتجربة معا الذي نبدأ فيه من جزئيات أو مبادئ غير يقينية تماما ونسير منها معممين حتى نصل إلى قضايا عامة، لاجئين في كل خطوة إلى التجربة كي تضمن لنا صحة الاستنتاج وهو منهج العلوم الطبيعية.
3 - المنهج الاستردادي أو المنهج التاريخي وهو الذي نقوم فيه باسترداد الماضي تبعا لما تركه من آثار، أيا كان نوع هذه الآثار، وهو المنهج المستخدم في العلوم التاريخية والأخلاقية.
إلى جانب هذه المناهج يمكن أن نضيف المنهج الجدلي الذي يحدد منهج التناظر والتحاور في الجماعات العلمية أو في المناقشات العلمية على اختلافها، ولا يمكن لهذا المنهج أن يأتي بثمار حقيقية إلا إذا ساندته المناهج الثلاثة السابقة.
والمنهج التجريبي هو العلم الذي نحتاج إليه لدراسة وتقييم الأبحاث الطبية المتضمنة لأحاديث من الهدي النبوي، لذا يهمنا أن نتعرف بصورة أدق على المنهج التجريبي الذي يستخدم أساليب الملاحظة العلمية وفرض الفروض وإجراء التجارب لحل مشكلة ما والوصول إلى نتيجة معينة.
والمنهج العلمي هو منهج الاستقراء، لمعرفة كيفيات المادة، أي تتبع جزئيات حسية، وتتبعها بالملاحظة، أو بإجراء التجارب عليها، وهو المنهج الذي قامت عليه الحضارة الحديثة، وعلى أساسه أيضا ستتطور هذه الحضارة، وترقى وتتسع -كما وكيفا- إلى ما شاء الله.
إن علماء الإسلام الأوائل قدموا خدمات جليلة للمعرفة الإنسانية، فقد دفعت توجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة المسلمين دفعا إلى مختلف مجالات المعرفة، فانطلقت النهضة العلمية التي دوت في أنحاء العالم، والتي قامت على منهج التجريب والاستقراء، كثمرة طيبة لتوجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية، بينما يتراجع مؤشر الوعي والالتزام بالمنهج العلمي في زمن الأحفاد بسبب التعاطي المغلوط والمنقوص مع إشارات الهدي النبوي، فالعقل والمنطق في فهم السنة النبوية يؤدي إلى نفع البشرية واستحقاق الريادة والمجد، بينما يؤدي التعاطي العاطفي والمتسرع إلى تضليل وتشويه مفاهيم العامة وازدراء العقلاء والمختصين.
خصائص المنهج العلمي:
1 - الملاحظة العلمية وإجراء التجارب وفرض الفروض لتفسير المشكلات.
2 - استخدام أسلوب التحليل للوصول إلى عناصر أبسط للظواهر والمشكلات التي يدرسها.
3 - الاعتماد على أساليب القياس الدقيق والمعالجة الإحصائية للبيانات والمعلومات.
4 - التقسيم الدقيق والصحيح للحقائق وتصنيفها وملاحظة الارتباط والتتابع فيما بينها.
5 - استخدام الخيال الخلاق المبدع في التوصل إلى الفروض العلمية أو القوانين العلمية.
6 - النقد الذاتي وعدم التسليم بالوقائع إلا بعد تمحيصها.
الأخطاء المنهجية في بحوث الطب النبوي
وحيث إن التشخيص يسبق العلاج ولا بد، فإننا نرصد الأخطاء المنهجية في البحوث التي تناولت الهدي النبوي في الطب كالآتي:
1الافتقار إلى التخطيط السليم لاختيار مجالات البحث:
البحث العلمي عملية أساسها التخطيط والمعلومات ودراسة الظروف الخارجية والتكلفة والجهد والوقت، كذلك البحث العلمي في نصوص الأحاديث النبوية الشريفة يحتاج في المقام الأول إلى جمع المعلومات وإعداد البيانات الكثيرة حول تلك الأحاديث وموقف المختصين منها، وما هو مطلوب إنجازه، ومن ثم التخطيط بعمق لكيفية وضع المسألة التي يتناولها الحديث تحت مجهر الملاحظة والدراسة، بغية الوصول إلى نتائج حقيقية وموضوعية قابلة للتنفيذ العملي كأي دراسة علمية.