تملأ المصاحف جنبات البيت، مصاحف بنسختها الورقية وأخرى مودوعة في صدور أهله وأبنائه، تسكن آياتُه صدورهم كما يسكنون بيتهم راحة وانشراحًا وطمأنينة، فغدا لهم ترنيمة الصباح والمساء ترتيلًا وحفظًا وتربية، يغرسه الآباء في الأبناء حتى ينبت زرعًا بهيجًا.
عائلة الهمص في حي الجنينة شرقي محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، يحفظ 16 فردًا منها القرآن الكريم كاملًا بين أولادها وبناتها، يجلسون وسط بيتهم يسمّع لبعضهم بعضًا، يتبادلون الاستفادة في الحفظ والتلاوة والمعنى.
16 حافظًا
يجلس وائل أحمد الهمص أحد أبنائها الحافظين لكتاب الله والحاصل على درجة الدكتوراه بين إخوانه وأخواته وسط المنزل.
وقال في حديثه لمراسل "فلسطين الآن": "الحمد لله تشرفت بحفظ كتاب الله عز وجل أنا وعائلتي والبالغ عددهم 16 شخصًا بين إخوة وأخوات وزوجات، وجميعهم موجودون في قطاع غزة، لكن هناك أخت مقيمة في السعودية أيضا تحفظ كتاب الله".
ويحفظ 12 ابنًا من أبناء المواطن أحمد الهمص القرآن في مدينة رفح، منهم سبع أخوات وخمسة إخوة، إضافة إلى زوجته وزوجتي وأبنائه، وإحدى حفيداته، وابنته المقيمة في السعودية، ليكون مجمل الحفظة 16 حافظًا للقرآن.
وأشار الهمص أكبر أبناء العائلة، أن بداية مشواره مع القرآن كانت منذ الصغر في المرحلة الابتدائية، ممتنًا لدور والدته التي كان لها الفضل بعد الله عز وجل في تشجيعه وحثه وترغيبه في حفظ كتاب الله، كما عبّر.
وأوضح أن والدته الحافظة للقرآن دفعته إلى مراكز التحفيظ في المملكة العربية السعودية حيث كانوا يقيمون، وألحقته بمدارس تحفيظ القرآن، مبينًا أن هذه المدارس كانت مخصصة لحفظ كتاب الله عزّ وجل تميّزت بها السعودية بالتركيز على القرآن الكريم عدا عن المواد الدراسية الأخرى.
وقال: "كانت بداية حفظي للقرآن في الصف الأول الابتدائي وبفضل الله أنهيت الحفظ في الصف الخامس الابتدائي".
وفيما يخص حفظ باقي أفراد العائلة، نوّه الهمص أنه أمر غير مخطط له، وتابع بقوله: "وبحكم أني الأخ الأكبر فالأخوة يقتدون بأخيهم الأكبر، وهذا ميدان للتنافس فيه خير".
وبيّن أن بعض الأخوة حفظ في بعض مراكز التحفيظ في السعودية والبعض الآخر حفظ في قطاع غزة خاصة الأخوات وشاركن في مخيمات القرآن التي تقام في العطلة الصيفية، "وكان أخرهن حفظًا ابنتي وأصغر أخواتي حيث أنهين الحفظ خلال الصيف الماضي".
واعتبر أن "القرآن لابد أن يوثر في الإنسان، فإن كان الله ذكر أنه يؤثر في الجبال الرواسي فلا شك أنه يؤثر في قلب المؤمن، وبالتالي المؤمن لا بد أن يؤثر فيه القرآن سواء كان حافظًا للقرآن أو غير حافظ للقرآن، ولكن الحافظ للقرآن من باب أولى، يؤثر في سلوكه وتصرفاته وأخلاقه وتعاملاته مع الناس ومع نفسه ومع ربه عز وجل، هذا يكون له أثر وانعكاس على تعاملاته وهذا لا شكّ فيه".
وأكدّ أن القرآن الكريم أفضل وسيلة للأمان من الفتن الكثيرة في هذا الزمن، حاثًا الآباء والأمهات على توجيه أبنائهم نحو حفظ كتاب الله والالتحاق بمراكز التحفيظ وتشجيعهم على ذلك.
خيرُ عاصم
وتفتخر الوالدة فاطمة الهمص بأبنائها بأن أكرمهم الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم، وقالت: "عندي 12 ابنًا، كلهم حفظ القرآن منهم المجيد والمتقن ومنهم الذي يثبت في حفظه، وعندي ابنة ابني وائل حفظت القرآن، وإن شاء الله البقية".
ومثلت الوالدة البداية في تخريج هذا البيت الحافظ لكتاب الله، وسردت خلال حديثها: "بدأت رحلتي قبل الزواج الحمد لله، في الثمانينات رأيت القليل ممن يحفظ القرآن، ومن كان يحفظ جزءًا من القرآن يكون شيئًا كبيرًا جدًا ونادرًا، وكان منتشر حفظ الغناء وتقليد أم كلثوم وعبد الحليم والمغنيين، فقلت لماذا لا نحفظ القرآن الكريم كلام الله وهو خير الكلام وخير الهدى؟".
وأضاقت: "نحن في زمن فتن، وأنا لا أجد صعوبة في تربية أبنائي وبناتي وتوجيههم إلى الأخلاق، ولا أبذل مجهودًا كبير في توصيتهم، ولا أحمل هم خروجهم من البيت، ولا أحمل هم مشاكل الشباب التي يعانون منها، فالقرآن في داخل الصدر وهو خير عاصم".
منقول