السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كنت اتجول اليوم بين رفوف احدى مكتبات الانترنت فوجدت هذه القصة القصيرة و المؤثرة
اعجبتني فأحببت نقلها لكمـ ... أتمنى لكم قراءة ممتعة ~ .
1- ريَّاحُ الشتاءِ مُولولةً عَاتيةً، والأمطارخيُوطاً مُتشابكةً تربطُ الأرضَ بالسَّماءِ، كانت مدرسةُ {نشاشدة}الرِّيفيَّة تتربعُ على هضبَة جميلةِ خضراء تُصافحُ الطريق المحاذي لسد العذرات الذِي يربط سيدي نعمان بمدينة العُماريَّة من ولاية المديَّة، خرج الأطفال هذا المساء الحالك السواد من المدرسة يركضُون، مُتدثرين بملابسهم الصوفية، مُتوجهين إلى بيُوتهم عبر مسالك ضيّقة وعرَة يُشكل الطين فيهاعجينة، تتراكم على الأرجل كتلا، تغورُالأرض تبتلع الأحذيَّة، تُعيق سيرهم المُتعثر..تربكهم، تزيدهم همًا إلى همومهم، يخلعُون ماتبقى من نعال ويفرون.
2- يقطعون مَجاري المياه بنبض أحلامٍ راعشة مُندفعين مُتعثرين مذعُورين، يتوغلون في الوادي ولا أحدَ يرشدهم، الأمواجُ تُحاصرهم من كل جانب، ترعبهم بهديرها الزاحف، تجْرفُهم نحو أشجار العوسج والياراع، يتشبثون بأشجار الدِّيس وأغصان الأشجارت يتصايحون .. النَّجدة..النجدة، بحَّت الأصوات وبلغت القلوب الحناجر، وأصابهم الهلع، شعَر المعلم بوخزة الضمير ولاَنَ قلبُه، استعجله الفزع وهذا النِّداء، لم يتمالك نفسه فانجذب مَفجوعًا يجر أنفاسًا مُتقطعة، ليرمي بجسمه النحيل وسط صخب الأمواج الغاضبةِ المُزمجرةِ المتلاحقةِ، فينتشلهم فُرادى مُبللين من الرأس إلى أخمص القدمين مُشوّهين بالوحل مرعُوبين، يكسو وجوههم الزَّبد، ياللطالع النكد..! لمَّاهَمّ بالخروج زلت قدماه فانزلقت التربة من تحته وغمرته المياه، راحَ يترنحُ، يبحثُ عن ثقرة لينجو من هول الهول، رباه أين المفر؟..كان يُقاوم إلى أن خارت قواه واستنزف ماعنده من طاقة وجُهد.
3- صلصل الرَّعد وهاجت الوديان واشتدَّ هديرها، جرفت الشَّجرَ والحجرَ، تراجعَ ليقف مهزوماً أمام هول الأمواج العاتيّة المُتلاحقة، يهتز وسط السيل العرم يسترجع أنفاسه، يغمره السيل.. يستغيث مناديا..إنه يختنق..يستسلم للموت ولا منقذ، يهرع الآباء وعُيونهم جاحظةٌ، يمسكون أبناءهم من أيديهم مستعجلين، يلتفتون نحوه متأسفين، في دواخلهم حزنٌ، كان بإمكانهم فعلَ شيئ ولو بإلقاء حبلٍ إليه، لكنهم لم يفعلوا، وفاقد الشيئ لايُعطيه، خذلوه واكتفْوا بالتأسف، تركوه يُصارع الموت،رباه.. هَاهُو ذَا يستعجل الرَّحيل وصخب الأصوات وبكاء الأطفال والنائحون في فرجة المأتم والباكون المودعون، والمساءات ورجْفة القلوب، قرص الشمس يميل إلى شفق المغيب يا خيبتاه..! اللحظات تلتهم ماتبقى من دموع، النفوس يسكنها الوجع والحنين، والعيون تبقى مبحلقة تريده أن يصمد، يرسل آخرصيحاته الحزينة متلطفًا..ياويلاتاه..إنها مرارة الموت، خارت قواه وفقد الأمل في النجاة وانهزم، ياللهول..هو ذا يمتطى الرحيل وسفينته دنفت ظلامَ الليل وتاهت وسط صخور الرعب، لتغوص في منعرجات الموت وتحتجب، ياحسرتاه..! الموج يبتلعه، واح***ه..! ينصرف من كان هنا الى سبيله ليروي الحكاية.. يرحل مربي الأجيال حزينًا..ولم ترحل الرأفة والرَّحمة من القلوب، لم تمت الانسانية وهذا الايثار، ينفردُ به السيل ليسكت أنفاسه الطاهرة بعيدًا.. وعلى ضفاف الوادي وجدُوه مُتخشبًا يرفل في الوحل والطين، يتوسّد وصَبَ الدَّمْع والمحفظة وكراسات مَبللة نهشها السيل وشيئٌ من غُبار الطبشور، تكثر التساؤلات، لِمَ استعْجل المعلم الرَّحيل..؟من حق الأطفال أن يسألوا وتبكي الأمهات؟وهذا الضجر يملأ أجواء الطريق، غدًا تتبرعم أزهار أنتشلها، وبنبضه الراعش سقاها..طويت صفحات العمر في ذروة العطاء، ودخل المعلم الغريق سديم الذكريات..القصة المأساة يرويها الأطفال..مات المعلم كما يموت العظماء والأبطال..!
دمتم في أمان الله