مسجد قوة الإسلام في دلهي، أكبر مسجد في عموم الهند، وهو شاهد على عظمة الحضارة الإسلامية، يعرف بالمسجد الجامع فى دهلي، ثم أطلق عليه مسجد قوة الإسلام، وحاليا يعرف بمسجد قطب منار نسبة لمئذنته الفريدة.
بناء مسجد قوة الإسلام:
أنشئ مسجد قوة الإسلام أو المسجد الجامع الضخم في عهد أول سلاطين مماليك الهند قطب الدين أيبك، ولذلك تنسب إليه منارته الفريدة (قطب منار).
حيث أصبح الأمير قطب الدين أيبك التركي الأصل، ممن ساهموا في نشر الإسلام في شمال الهند، وهو أول حاكم من سلسلة المماليك الأتراك الذين أسسوا سلطنة دلهي، أاراد أن يخلد عهده، فقام ببدء أعمال قطب منار عام 589هـ / 1193م، ولم تسعفه الظروف آنذاك لإكمال البناء التاريخي حيث انتهى عند الطوابق الأولى للمنارة، فقام خليفته ألتتمش بإضافة ثلاثة طوابق أخرى، ثم قام فيروز شاه تغلق عام 769هـ / 1368م بإضافة المستوى الخامس وهو آخرها.
و في تشييد مسجد قوة الإسلام استعملت الحجارة التي تم اقتلاعها من المعابد الجانبية الهندوسية الـ 27 التي كانت قائمة بالقرب من المكان. والمسجد يجمع بين أسلوبي العمارة الإسلامي والهندوسي، ولم يتبق من المسجد الأصلي إلا بعض الآثار. على أنه يمكن معاينة بعض الأجزاء التي تزينها النقوش من الزهور والآيات القرآنية طيلة الزمن.
وصف مسجد قوة الإسلام:
في سنة 597 هـ/ 1200م بني الجزء الأول من المسجد، وكان عبارة عن مساحة مسورة مستطيلة، يتجه جدار القبلة فيها إلى الكعبة. وهذا الجدار مع الجدر الثلاث الأخرى يشكل مجموعة جدران عالية ضخمة، تقويها من الداخل مجنبات يتكون كل منها من رواقين في الجانبين، وثلاثة أروقة في الخلف. أما بيت الصلاة الأمامي فيتميز عن ذلك كله بعمقه، وبقيامه على أعمدة ضخمة.
يتبع مسجد قوة الإسلام طراز الصحن والأربع ظلات وهو من أكثر الطرز شيوعا فى الهند، وهو يقع في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة دلهى.
يتكون مسجد قوة الإسلام من مساحة مستطيلة مكونة من صحن أوسط كشف سماوي، يحيط به أربع ظلات: ظلة القبلة تطل على الصحن عن طريق بائكة سباعية العقود، أوسطها أوسعها، كما يوجد زخارف نباتية وكتابات قرانية بخط النسخ, ظلة القبلة مقسمة إلى ثلاث بلاطات عرضية وخمسة طولية ويوجد بها 5 قباب، كما يرجح وجود 5 محاريب بواقع محراب أمام كل مربعة. وقد بنيت أروقة ظلة القبلة بأعمدة هندوسية أخذها قطب الدين من المعابد الهندوسية التى هدمها.
الظلة المقابلة: مكونة من بلاطتين متوازيتين، ومبنية أيضا بأعمدة هندوسية ذات تيجان صليبية وتحتوي على 3 قباب.
الظلتين الجانبيتين: كل واحدة مكونة من بلاطة واحدة، وبها أعمدة هندوسية تحمل السقف مباشرة بدون عقود.
أما الصحن فمساحته مستطيلة، وبالجهة الغربية به يوجد عمود أشوكة الذى جلب من المعابد الهندوسية، وهو أشبه بالمسلات الفرعونية.
منارة قطب منار:
في عهد قطب الدين أيبك بنيت المئذنة الشهيرة المعروفة بـ(قطب منار)، والتي هي أهم رموز هذا المسجد الكبير، وهي معلم حضاري هندي إسلامي، تقع بالقرب من مدينة دلهي القديمة، وتعتبر هذه المنارة الأطول من نوعها في جميع الهند، وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي بعد منارة الجيرالدا في إشبيلية بالأندلس.
وهي مئذنة هائلة الارتفاع، خاصة في ذلك الزمان -إذ يصل ارتفاعها إلى نحو 72.5 مترا، وقطر قاعدتها يزيد على (15) مترا. ومئذنة قطب منار منفصلة عن الجامع حيث تقع فى الجهة الجنوبية الشرقية على بعد 25م , مسقطها مستدير وقطرها متسع من أسفل ويضيق كلما اتجهنا إلى أعلى. وهى مكونة من 5 طوابق تاخذ شكل حزمة البوص، حيت تضيق كلما اتجهنا إلى أعلى. وتحتوى على زخارف نباتية وكتابية، وبنهاية كل طابق يوجد شرفة مستديرة.
ومئذنة قطب منار أشبه ما تكون بنصب تذكاري رائع، وكلما ارتفعت فيها ضاق قطرها حتى يصل إلى ثلاثة أمتار فقط. والمئذنة هذه مضلعة تبدو أضلاعها وكأنها أعمدة متلاصقة.وللمنارة ثلاثة شرفات للأذان، تقوم كل شرفة منها على مقرنصات بالغ المهندسون في إتقانها وتنميقها. وتعتبر من أضخم المآذن في المساجد القديمة.
تجديدات وإضافات مسجد قوة الإسلام:
وقد وسعت مساحة مسجد قوة الإسلام وجُدد مرات عدة، فما بين عامي (607هـ - 616هـ/ 1210م - 1220م)، زيد في مساحة الجامع زيادة ضخمة ضاعفت مساحة أكثر من ثلاث مرات، مع زيادة العناية به وتجميله ثم من عام 694هـ / 1295م وحتى عام 713هـ / 1313م زيدت مساحة الجامع مرة ثانية، فانتهى طوله إلى 225 مترا وعرضه إلى 150 مترا، لتصبح مساحته نحو (34) ألف متر مربع، أي ما يتسع لنحو سبعين ألف مصل دفعة واحدة.
زيادة السلطان ألتمش:
قام السلطان شمس الدين ألتمش خليفة قطب الدين أيبك بزيادات على مسجد قوة الإسلام بعدما ضاق بالمصلين. وقد تمثلت هذه الزيادة فى إضافة فنائين مستطليلين من الجهتين الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية، كل منهما مكونة من بلاطتين. وتم إضافة ظلة من الناحية الشمالية الشرقية, وقد زود كل فناء من الفنائين بحوض للوضوء, كما قد خلت هذه الزيادة من القباب والأعمدة الهندوسية، وأضيف إليها 3 مداخل.
زيادة علاء الدين الخلجي:
وتعد هذه الزيادة من أكبر الزيادات التى طرأت على المسجد، وقد جاءت فى الجهتين الشمالية والشرقية, من الناحية الشمالية تم إضافة ظلة وأيضا من الناحية الشرقية وتم مد الظلة الجنوبية, كما تم مد ظلة القبلة وإضافة 9 قباب لها.
وقد اختار السلطان الهندي المسلم علاء الدين الخلجي -الذي يُعَدُّ من أقوى السلاطين الخلجيين- لنفسه قبراً (وتسمى عند التفاؤل بها روضة) بجواره، وبنى عام 634 هـ / 1236م لأجل ذلك بناء جميلاً أنيقاً خاصاً به، تربض فوقه قبة مسدسة الأضلاع، تقوم على رقبة فيها أربع قمريات. وأما المنبر في ذلك المسجد فقد كان كله من الحجر الجيري والرخام.
ثم استمرت التجديدات في مسجد قوة الإسلام خاصة عام 705 هـ / 1305م، عندما فتحت في جدار سور المسجد أبواب، جعل كل منها في صورة مصلى صغير، تقوم فوقه قبة. وعدد تلك المصليات المنسوبة إلى السلطان علاء الدين أربع: اثنتان في الجدار الخلفي المقابل لجدار القبلة، وواحدة في شرق الجدار الأيمن، ورابعة في الأيسر...وقد اعتنى السلطان علاء الدين بزخرفة تلك الأبواب أو البوابات ومصلياتها. وتعرف اليوم باسم ألاي علائي دروازة.
كذلك قام علاء الدين الخلجى بإضافة مئذنة فى الزيادة فى منتصف الزيادة الشمالية في عام 709 هـ / 1310م، يبدو أنه أراد منافسة منار قطب. وهى تعد من أضخم مآذن العالم الإسلامى، ولكن لم يتبقى منها سوى الطابق الأول الذى يبلغ طوله 45م، لذلك يرجح أن ارتفاعها كان يتعدى 100م. بعد هذه الزيادة أصبح للجامع 4 صحون، وهم الصحن الأصلى وصحنى الزيادة الثانية وصحن الزيادة الثالثة وهو على شكل حرف t.
المراجع:
- منى الشاذلي: مسجد قوة الإسلام، منتدي عشاق الحضارة و الأثار، civilizationlovers.
- عبد الله نجيب سالم: كتاب تاريخ المساجد الشهيرة.
منقول