حصل في الفترة بين ديسمبر 2014 وجوان 2016، تغير جذري في معطيات جبهة مكافحة الإرهاب في الجزائر. ففي غضون فترة لم تتعد 19 شهرا، قضت قوات الجيش على ما يمكن أن يسمى “نخبة” الجماعات الإرهابية في التنظيمين الرئيسيين “جند الخلافة” و«القاعدة” في بلاد المغرب، وتمكنت من تدمير مئات المخابئ والأنفاق السرية في الجبال.
تشير القراءة الأولية للعمليات التي حققتها المؤسسة الأمنية العسكرية في جبهة مكافحة الإرهاب، إلى أن التغيير الذي أحدثه بوتفليقة في رأس الجهاز الأمني الأهم في الجزائر “مديرية الاستعلام والأمن” سابقا، أدى إلى تحقيق إحداث “ديكليك” في عمليات مكافحة الإرهاب، إلا أن الواقع، حسب خبراء أجانب ومحليين تحدثت إليهم “الخبر”، مختلف بعض الشيء.
فالتغير الذي وقع لا صلة له بالقيادة أو بنقل مسؤولية المصلحة المركزية للمعلومات ومكافحة الإرهاب “سكورات” من مديرية الاستعلام والأمن إلى أركان الجيش، بل له صلة بمنظومة اتخاذ القرار في جهاز الأمن العسكري ككل، فالاستراتيجية الجديدة المنتهجة في مكافحة الإٍرهاب، أدت إلى قلب الموازين الميدانية، وسمحت بتحقيق نتائج مهمة على صعيد مواجهة الجماعات الإٍرهابية. وتتلخص الاستراتيجية الجديدة في نقل صلاحية تسيير العمليات الأمنية في مجال تعقب الجماعات الإرهابية إلى القيادات الميدانية، أي بتعبير أصح، تغليب “العسكري” على “الأمني” في مجال مكافحة الإرهاب.
وقال مصدر أمني إن أحد أهم أسباب الانهيار الكبير للجماعات الإرهابية في المواجهة مع الجيش وأذرعه الأمنية، هو التغيير الذي طرأ على مخططات المواجهة والتعقب في مجال مكافحة الإرهاب. المخططات الجديدة يمكن تلخيصها في تغليب العسكري على الأمني، حيث كانت التكتيكات القديمة في مكافحة الإرهاب تعتمد على التحقيقات وعمليات المتابعة والتعقب التي يقوم بها عناصر وإطارات مديرية المعلومات ومكافحة الإرهاب “سكورات”، وفي بعض الأحيان يتواصل التحقيق وعملية التعقب عدة أشهر، قبل أن يتخذ قرار بتنفيذ عملية أمنية لتصفية جماعة إرهابية. ويقول هنا المصدر الأمني: “لقد عملت مديرية الاستعلام والأمن في عملية لتصفية أمير “الجيا”، عنتر زوابري، سنة ونصف تقريبا، وهي تتعقبه ولم تبادر لتصفيته، إلا بعد الحصول على كم كبير من المعلومات حول نشاطه وجماعته، وكانت قادرة مرتين على الأقل على تصفيته”.
ويلخص المصدر التغير في الأسلوب بالقول: “في الماضي كانت عمليات مكافحة الإرهاب تركز أكثر على المعلومات، أما اليوم، يتم التركيز بشكل أكبر على النتائج الميدانية”. ويقول المتحدث: “هذا أمر طبيعي، فالتسيير العسكري لعمليات مكافحة الإرهاب يختلف بشكل كلي عن التسيير الأمني”.
وقال المصدر الأمني إن أحد أهم أسباب ارتفاع حصيلة القتلى وسط أعضاء التنظيمات الإرهابية، هو نقل صلاحية الإشراف على العمليات الأمنية لمكافحة الإرهاب من قيادة الوحدات الأمنية التي تدير التحقيقات إلى القيادة العسكرية (قائد القطاع العملياتي العسكري أو نائب قائد الناحية العسكرية أو رئيس أركانها، وفي حالات قليلة قادة النواحي العسكرية). وهذا الإجراء بدأ العمل به مباشرة بعد نقل مصلحة المعلومات ومكافحة الإرهاب من مديرية الاستعلام والأمن سابقا إلى مديرية أمن الجيش، حيث باتت المصلحة تحت الإشراف المباشر لأركان الجيش الوطني الشعبي ولقادة النواحي العسكرية، ما أدى إلى انقلاب في طريقة العمل في مجال تعقب الجماعات الإرهابية. إلا أن هذه الطريقة، بالرغم من أنها فعالة حاليا، فإن عدم التركيز بشكل كبير على المعلومات يعني تراجعا في نتائج عمليات مكافحة الإرهاب على المدى البعيد والمتوسط، حيث ستتكيف الجماعات الإرهابية مع المتغيرات الجديدة في الساحة الأمنية.
وتشير مصادر أخرى إلى أن أحد أهم الأسباب في ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف الجماعات الإرهابية، هو التغير في طريقة تعقب الجماعات الإرهابية، حيث تستغل القيادة حاليا وسائل تقنية متطورة في المراقبة والتنصت، مع الاعتماد على معلومات يقدمها مخبرون سريون، وعند توفر المعلومة الأمنية الدقيقة تبادر القيادة المحلية للتدخل مباشرة. وفي السابق كانت عمليات مكافحة الإرهاب، كما يقول مصدر أمني، تعاني من بيروقراطية عسكرية، فالتحقيقات تتم على مستوى مصلحة المعلومات التي تطلب تدخل قوى عسكرية لتنفيذ العمليات من القيادة الميدانية، وهو ما يؤدي أحيانا إلى تأخير العمليات.
منقول