facebook twitter rss
v





العودة  

جديد مواضيع منتديات بيت العرب الجزائري


ركن أخلاق المسلم


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-07-30, 02:24 PM   #1
hakimdima
مشرف الأقسام التعليمية


العضوية رقم : 10954
التسجيل : Jul 2016
العمر : 39
الإقامة : الجزائر
المشاركات : 6,072
بمعدل : 1.99 يوميا
الوظيفة : متعاقد
نقاط التقييم : 10
hakimdima is on a distinguished road
hakimdima غير متواجد حالياً
معلومات الإتصال :
افتراضي الجود والكرم و السخاء والبذل

الجود والكرم و السخاء والبذل
معنى الجُود، والكَرَم، والسَّخاء، والبَذل، لغةً واصطلاحًا
معنى الجُود لغةً:
الجُود: المطر الغزير، وجاد الرَّجل بماله يجُود جُودًا بالضَّم، فهو جَوَادٌ
[942] ((الصحاح في اللغة)) للجوهري (2/461)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1489)، ((المعجم الوسيط)) (2/784). . وقيل: الجَوَاد: هو الذي يعطي بلا مسألة؛ صيانة للآخذ مِن ذلِّ السُّؤال
[943] ((تاج العروس)) للزبيدي (7/527). . ويُفَسَّر الجُود أيضًا بالسَّخاء
[944] ((تاج العروس)) للزبيدي (7/531). .
معنى الجُود اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (الجُود: صفة، هي مبدأ إفادة ما ينبغي لا بعوض)
[945] ((التعريفات)) (ص 79). .
(وقال الكِرْماني: الجُود: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي)
[946] ((تاج العروس)) للزبيدي (7/527). .
وقيل هو: (صفةٌ تحمل صاحبها على بذل ما ينبغي مِن الخير لغير عوض)
[947] ((المعجم الوسيط)) (ص 146). .
معنى الكَرَم لغةً:
الكَرَم: ضدُّ اللُّؤْم، كرُم كرامة وكَرَمًا وكَرَمة، فهو كريم وكريمة، وكرماء وكرام وكرائم، وكرم فلان: أعطى بسهولة وجاد، وكرم الشيء عزَّ ونفس
[948] ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/798). .
معنى الكَرَم اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (الكَرَم: هو الإعطاء بسهولة)
[949] ((التعريفات)) (ص 184). .
وقال المناويُّ: (الكرم: إفادة ما ينبغي لا لغرض)
[950] ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص 281). .
وقال القاضي عياض: (وأما الجود والكرم والسخاء والسماحة، ومعانيها متقاربة، وقد فرق بعضهم بينها بفروق، فجعلوا الكرم: الإنفاق بطيب نفس فيما يعظم خطره ونفعه، وسموه أيضا جرأة، وهو ضد النذالة)
[951] ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (1/230). .
معنى السَّخاء لغةً:
السَّخاوة والسَّخاء: الجُود، والكرم. والسَّخي: الجَوَاد، وفي الفعل ثلاث لغات سخا من باب علا، وسخي من باب تعب، وسَخُو من باب قرُب
[952] ((لسان العرب)) لابن منظور (14/373)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/270). .
معنى السَّخاء اصطلاحًا:
قال المناويُّ: (السَّخاء: الجُود، أو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، أو بذل التَّأمُّل قبل إلحاف السَّائل)
[953] ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص 192). .
وقال الرَّاغب: (السَّخاء: هيئة للإنسان داعية إلى بذل المقتنيات، حصل معه البَذْل أو لم يحصل، وذلك خُلُق)
[954] ((الذَّريعة إلى مكارم الشَّريعة)) (ص 286). .
وقال القاضي عياض: (السَّخاء: سهولة الإنفاق، وتجنُّب اكتساب ما لا يُحْمَد)
[955] ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (1/230). .
معنى البَذْل لغةً:
بَذَلَ الشَّيء: أعطاه وجاد به. والبَذْل نقيض المنع، وكلُّ مَن طابت نفسه لشيءٍ فهو باذلٌ. ورجلٌ بذَّال، وبَذُول: إذا كَثُر بذله للمال. يقال: بَذَلَ له شيئًا، أي: أعطاه إيَّاه
[956] ((العين)) للخليل أحمد (8/187)، ((تهذيب اللغة)) للهروي (14/312)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص 31)، ((معجم ديوان الأدب)) للفارابي (2/138). .
معنى البَذْل اصطلاحًا:
قال المناويُّ: (البَذْل: الإعطاء عن طيب نفس)
[957] ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص 73). .

– الفرق بين الجُود والسَّخاء:
قال الرَّاغب: (السَّخاء: اسم للهيئة التي عليها الإنسان.
والجُود: اسم للفعل الصَّادر عنها.
وإن كان قد يسمَّى كلُّ واحد باسم الآخر مِن فضله)
[958] ((الذَّريعة إلى مكارم الشَّريعة)) (ص 97). .
وقال أبو هلال العسكري: (الفرق بين السَّخاء والجُود: أنَّ السَّخاء هو أن يلين الإنسان عند السُّؤال، ويسهل مهره للطَّالب، مِن قولهم: سَخَوت النَّار أسخوها سخوًا: إذا ألينتها، وسَخَوت الأديم: ليَّنته، وأرضٌ سَخاوِيَّةٌ: ليِّنة…
والجُود كثرة العطاء مِن غير سؤال، مِن قولك: جادت السَّماء، إذا جادت بمطر غزير، والفرس: الجَوَاد الكثير الإعطاء للجري، والله تعالى جَوَاد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة.
ويظهر مِن كلام بعضهم: التَّرادف.
وفرَّق بعضهم بينهما: بأنَّ مَن أعطى البعض وأبقى لنفسه البعض فهو صاحب سخاء.
ومَن بَذَلَ الأكثر وأبقى لنفسه شيئًا، فهو صاحب جود)
[959] ((معجم الفروق اللغوية)) (ص 353). .
– الفرق بين الجُود والكَرَم:
قال الكفوي: (الجُود: هو صفة ذاتيَّة للجَوَاد، ولا يستحقُّ بالاستحقاق ولا بالسُّؤال.
والكَرَم: مسبوقٌ باستحقاق السَّائل والسُّؤال منه)
[960] ((الكليات)) (ص 353). .
وقال أبو هلال العسكري في الفرق بينهما: (أنَّ الجَوَاد هو الذي يعطي مع السُّؤال.
والكريم: الذي يعطي مِن غير سؤال.
وقيل بالعكس.
وقيل: الجُود: إفادة ما ينبغي لا لغرض.
والكَرَم: إيثار الغير بالخير)
[961] ((معجم الفروق اللغوية)) (171-172) بتصرُّف. .
– الفرق بين الجُود والإفضال:
قال الكفوي: (والإفضال أعمُّ من الإنعام والجُود، وقيل: هو أخصُّ منهما؛ لأنَّ الإفضال إعطاءٌ بعوض، وهما عبارة عن مطلق الإعطاء.
والكَرَم: إن كان بمال فهو: جود. وإن كان بكفِّ ضررٍ مع القُدْرة فهو: عفو. وإن كان ببذل النَّفس فهو: شجاعة)
[962] ((الكليات)) (ص 53). .
الترغيب في الجُود والكَرَم والسَّخاء والبذل
أولًا: في القرآن الكريم
– هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذَّاريات: 24-26].
قال الطَّبري: (عن مجاهدٍ، قوله: ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ قال: أكرمهم إبراهيم، وأمر أهله لهم بالعجل حينئذٍ)
[963] ((جامع البيان في تفسير القرآن)) (21/525). .
قال الزجَّاج: (جاء في التَّفسير أنَّه لما أتته الملائكة أكرمهم بالعجل. وقيل: أكرمهم بأنَّه خدمهم، صلوات الله عليه وعليهم)
[964] ((مفردات القرآن وإعرابه)) (5/54). .
– وقال تعالى: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 261].
قال ابن كثير: (هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لتضعيف الثَّواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأنَّ الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ)
[965] ((تفسير القرآن العظيم)) (1/691). .
– وقال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274].
قال ابن كثير: (هذا مدحٌ منه تعالى للمنفقين في سبيله، وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات مِن ليلٍ أو نهارٍ، والأحوال مِن سرٍّ وجهار، حتى إنَّ النَّفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضًا)
[966] ((تفسير القرآن العظيم)) (1/707). .
وقال السَّمرقندي: (هذا حثٌّ لجميع النَّاس على الصَّدقة، يتصدَّقون في الأحوال كلِّها، وفي الأوقات كلِّها، فلهم أجرهم عند ربِّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)
[967] ((بحر العلوم)) للسَّمرقندي (1/181).
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دينارٌ أنفقته في سبيل الله ودينارٌ أنفقته في رقبةٍ، ودينارٌ تصدَّقت به على مسكينٍ، ودينارٌ أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك))
[968] رواه مسلم (995). .
قال النَّوويُّ: (في هذا الحديث فوائد، منها: الابتداء في النَّفقة بالمذكور على هذا التَّرتيب. ومنها: أنَّ الحقوق والفضائل إذا تزاحمت، قُدِّم الأوكد فالأوكد. ومنها: أنَّ الأفضل في صدقة التَّطوع أن ينوِّعها في جهات الخير ووجوه البرِّ بحسب المصلحة، ولا ينحصر في جهةٍ بعينها)
[969] ((شرح النووي على مسلم)) (7/81). .
– وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة، فلمَّا رآني قال: ((هم الأخسرون وربِّ الكعبة. قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقارَّ
[970] لم أتقار: لم ألبث. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (4/38). أن قمت، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي، مَن هم؟ قال: هم الأكثرون أموالًا، إلَّا مَن قال هكذا وهكذا وهكذا -مِن بين يديه ومِن خلفه وعن يمينه وعن شماله- وقليلٌ ما هم، ما مِن صاحب إبلٍ، ولا بقرٍ، ولا غنمٍ لا يؤدِّي زكاتها إلَّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلَّما نفدت أخراها، عادت عليه أولاها، حتى يُقْضَى بين النَّاس))
[971] رواه البخاري (6638)، و مسلم (990). .
قال النَّوويُّ: (فيه الحثُّ على الصَّدقة في وجوه الخير)
[972] ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجَّاج)) (7/73). .
وقال المباركفوريُّ: (فقوله: ((قال هكذا)) الخ، كناية عن التَّصدُّق العام في جميع جهات الخير)
[973] ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (2/92). .
– وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفرٍ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلةٍ له، قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان معه فضل ظهرٍ، فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان له فضلٌ مِن زاد، فليعد به على مَن لا زاد له))
[974] رواه مسلم (1728). .
قال النَّوويُّ: (في هذا الحديث: الحثُّ على الصَّدقة والجُود والمواساة والإحسان إلى الرُّفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالح الأصحاب، وأمرُ كبير القوم أصحابه بمواساة المحتاج، وأنَّه يُكتفى في حاجة المحتاج بتعرُّضه للعطاء وتعريضه مِن غير سؤال)
[975] ((شرح النووي على مسلم)) (12/33). .
أقوال السَّلف والعلماء في الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
– قال أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء)
[976] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/357). .
– وعنه رضي الله عنه: (الجُود حارس الأعراض)
[977] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/357). .
– وقال عليٌّ رضي الله عنه: (السَّخاء ما كان ابتداءً، فأمَّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمُّم)
[978] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/380). .
– ورُوِي عنه مرفوعًا: ((الكَرَم أعطف مِن الرَّحم))
[979] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/357). .
– (وقيل لحكيم: أيُّ فعلٍ للبَشَر أشبه بفعل الباري تعالى، فقال: الجُود)
[980] ((الذَّريعة إلى مكارم الشَّريعة)) للرَّاغب الأصفهاني (ص 287). .
– وقال يحيى البرمكي: (أعط مِن الدُّنْيا وهي مقبلة؛ فإنَّ ذلك لا ينقصك منها شيئًا. فكان الحسن بن سهل يتعجَّب مِن ذلك ويقول: لله درُّه! ما أطبعه على الكَرَم وأعلمه بالدُّنْيا)
[981] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/368). .
– و(قال محمَّد بن يزيد الواسطي: حدَّثني صديق لي: (أنَّ أعرابيًّا انتهى إلى قوم فقال: يا قوم، أرى وجوهًا وضيئة، وأخلاقًا رضيَّةً، فإن تكن الأسماء على إثر ذلك فقد سعدت بكم أمُّكم… قال أحدهم: أنا عطيَّة، وقال الآخر: أنا كرامة، وقال الآخر: أنا عبد الواسع، وقال الآخر: أنا فضيلة، فأنشأ يقول:
كرمٌ وبذلٌ واسعٌ وعطيَّةٌ
لا أين أذهب أنتم أعين الكَرَم
مَن كان بين فضيلة وكرامة
لا ريب يفقؤ أعين العدم
قال: فكسوه وأحسنوا إليه وانصرف شاكرًا)
[982] ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص 200). .
– و(كان يُقَال: مَن جاد بماله جاد بنفسه، وذلك أنَّه جاد بما لا قوام لنفسه إلَّا به)
[983] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/365). .
– وقال الماورديُّ رحمه الله تعالى: (اعلم أنَّ الكريم يجتزي بالكرامة واللُّطف، واللَّئيم يجتزي بالمهانة والعنف، فلا يجود إلَّا خوفًا، ولا يجيب إلَّا عنفًا، كما قال الشَّاعر:
رأيتك مثل الجوز يمنع لبَّه
[984] لب الجوز واللوز، ونحوهما: ما في جوفه. ((لسان العرب)) لابن منظور (1/729).
صحيحًا ويعطي خيره حين يُكْسَر
فاحذر أن تكون المهانة طريقًا إلى اجتدائك
[985] الاجتداء: السؤال انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (14/134 – 135). ، والخوف سبيلًا إلى عطائك، فيجري عليك سفه الطَّغام
[986] الطغام: أوغاد الناس. ((القاموس المحيط)) للفيروآبادي (ص 1133). ، وامتهان اللِّئام، وليكن جودك كرمًا ورغبة، لا لؤمًا ورهبة)
[987] ((أدب الدُّنْيا والدِّين)) للماوردي (ص 200). .
– و(عن حسن بن صالحٍ، قال: سُئِل الحسن عن حُسْن الخُلُق، فقال: الكَرَم، والبَذْلة، والاحتمال)
[988] ((الكِرَام والجود وسخاء النُّفوس)) للبرجلاني (ص 55). .
– (وقال جعفر بن محمَّد الصَّادق: إنَّ لله وجوهًا مِن خلقه، خلقهم لقضاء حوائج عباده، يرون الجُود مجدًا، والإفضال مغنمًا، والله يحبُّ مكارم الأخلاق)
[989] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/357). .
– وقال بكر بن محمَّد العابد: (ينبغي أن يكون المؤمن مِن السَّخاء هكذا، وحثا بيديه)
[990] ((مكارم الأخلاق ومعاليها)) للخرائطي (ص 179). .
– وقال بعض الحكماء: (أصل المحاسن كلِّها الكَرَمُ، وأصل الكَرَم نزاهةُ النَّفس عن الحرام، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير مِن فروعه)
[991] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص 168). .
– وقال ابن المبارك: (سخاء النَّفس عمَّا في أيدي النَّاس أعظم مِن سخاء النَّفس بالبَذْل)
[992] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/357). .
– وقال بعض العلماء: (الكَرَم: هو اسم واقع على كلِّ نوع مِن أنواع الفضل، ولفظٌ جامعٌ لمعاني السَّمَاحة والبَذْل)
[993] ((عين الأدب والسياسة)) لأبي الحسن بن هذيل (ص 105). .
– وقالوا: (السَّخيُّ مَن كان مسرورًا ببذله، متبـرِّعًا بعطائه، لا يلتمس عرض دنياه فيحْبَطُ عملُه، ولا طلب مكافأة فيسقط شكرُه، ولا يكون مَثَلُه فيما أعطى مَثَلُ الصَّائد الذي يلقي الحَبَّ للطَّائر، ولا يريد نفعها ولكن نَفْعَ نفسه)
[994] ((صلاح الأمَّة في علوِّ الهمَّة)) لسيِّد العفَّاني (2/616-617). .
فوائد الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
[995] انظر: ((نضرة النَّعيم)) (8/3235). و((الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها)) لعبد الرَّحمن الميداني (2/363-365) بتصرُّف واختصار.
1- الكَرَم والجُود والعطاء مِن كمال الإيمان وحُسْن الإسلام.
2- دليل حُسْن الظَّن بالله تعالى.
3- الكرامة في الدُّنْيا، ورفع الذِّكر في الآخرة.
4- الكريم محبوبٌ مِن الخالق الكريم، وقريبٌ مِن الخَلْق أجمعين.
5- الكريم قليل الأعداء والخصوم؛ لأنَّ خيره منشورٌ على العموم.
6- الكريم نفعه متعدٍّ غير مقصور.
7- تثمر حُسْن ثناء النَّاس عليه.
8- تبعث على التَّكافل الاجتماعي والتَّواد بين النَّاس.
9- الكَرَم يزيد البركة في الرِّزق والعمر.
10- يولِّد في الفرد شعورًا بأنَّه جزء مِن الجماعة، وليس فردًا منعزلًا عنهم إلَّا في حدود مصالحه ومسؤولياته الشَّخصيَّة.
11- تزكِّي الأنفس وتطهرها مِن رذائل الأنانيَّة المقيتة، والشُّح الذَّميم.
12- حلُّ مشكلة حاجات ذوي الحاجات مِن أفراد المجتمع الواحد.
13- إقامة سدٍّ واقٍ يمنع الأنفس من سيطرة حبِّ التَّملُّك والأثرة.
صور الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
المجالات التي يشملها الكَرَم والجُود والعطاء متنوِّعة وكثيرة، فمنها:
1- العطاء مِن المال، ومِن كلِّ ما يمتلك الإنسان مِن أشياء ينتفع بها، كالذَّهب والفضَّة، والخيل، والأنعام، والحرث، وكلِّ مأكول، أو مشروب، أو ملبوس، أو مركوب، أو مسكون، أو يؤوي إليه، وكلِّ آلة أو سبب أو وسيلة ينتفع بها، وكلِّ ما يُتَدَاوى به أو يقي ضرًّا أو يدفع بأسًا، إلى غير ذلك مِن أشياء يصعب إحصاؤها.
2- ومنها العطاء مِن العلم والمعرفة، وفي هذا المجال مَن يحبُّون العطاء، وفيه بخلاء ممسكون ضنينون، والمعطاء في هذا المجال هو الذي لا يدَّخر عنده علمًا ولا معرفة عمَّن يُحْسِن الانتفاع بذلك، والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه وعلومه لنفسه، فلا ينفق منها لمستحقِّيها، ضنًّا بها ورغبةً بالاستئثار.
3- ومنها عطاء النَّصيحة، فالإنسان الجَوَاد، كريم النَّفس، لا يبخل على أخيه الإنسان بأيِّ نصيحةٍ تنفعه في دينه أو دنياه، بل يعطيه نُصْحَه الذي ينفعه مبتغيًا به وجه الله تعالى.
4- ومنها: العطاء مِن النَّفس، فالجواد يعطي مِن جاهه، ويعطي مِن عَطْفِه وحنانه، ويعطي مِن حلو كلامه وابتسامته وطلاقة وجهه، ويعطي مِن وقته وراحته، ويعطي مِن سمعه وإصغائه، ويعطي مِن حبِّه ورحمته، ويعطي مِن دعائه وشفاعته، وهكذا إلى سائر صور العطاء مِن النَّفس.
5- ومنها: العطاء مِن طاقات الجسد وقواه، فالجواد يعطي مِن معونته، ويعطي مِن خدماته، ويعطي مِن جهده، فيعين الرَّجل في دابَّته فيحمله عليها أو يحمل له عليها، ويميط الأذى عن طريق النَّاس وعن المرافق العامَّة، ويأخذ بيد العاجز حتى يجتاز به إلى مكان سلامته، ويمشي في مصالح النَّاس، ويتعب في مساعدتهم، ويسهر مِن أجل معونتهم، ومِن أجل خدمتهم، وهكذا إلى سائر صور العطاء مِن الجسد.
6- ويرتقي العطاء حتى يصل إلى مستوى التَّضحية بالحياة كلِّها، كالمجاهد المقاتل في سبيل الله، يجود بحياته؛ لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ابتغاء مرضاة ربِّه
[996] ((الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها)) لعبد الرَّحمن الميداني (2/361-363) بتصرُّف واختصار. .
الأسباب المعينة على الكَرَم والجُود والسَّخاء والبذل
دوافع البَذْل والعطاء عند الإنسان كثيرة؛ منها
[997] ((التصوير النَّبوي للقيم الخلقية)) لعلي علي صبح (ص 181) بتصرُّف. :
1- توفيق الله له بالبَذْل والنَّفقة.
2- نفسه الطيِّبة.
3- حبُّ عمل الخير.
4- حثُّ أهل الخير له على النَّفقة والعطاء والكَرَم.
5- مقتضيات المجتمع الإسلامي وحاجاته الملِحَّة إلى التَّعاون؛ والتَّكامل لبناء الاقتصاد الإسلامي بناءً قويًّا وعزيزًا.
نماذج مِن كرم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام
إبراهيم الخليل عليه السَّلام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان أوَّل مَن أضاف الضَّيف إبراهيم))
[998] رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (6/395) (8641). مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال البيهقي: الصَّحيح موقوف، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4451). .
قال المناويُّ: (كان يسمَّى أبا الضِّيفان، كان يمشي الميل والميلين في طلب مَن يتغدَّى معه… وفي ((الكشَّاف)): كان لا يتغدَّى إلَّا مع ضيف)
[999] ((فيض القدير)) (4/543). .
قال تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [الذَّاريات: 24].
قال مجاهد: سمَّاهم (مُكْرَمين) لخدمة إبراهيم إيَّاهم بنفسه
[1000] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (17/45). .
وقال الرَّازي: (أُكْرِموا إذ دخلوا، وهذا مِن شأن الكريم أن يُكْرِم ضيفه وقت الدُّخول، فإن قيل: بماذا أُكْرِموا؟ قلنا: ببشاشة الوجه أولًا، وبالإجلاس في أحسن المواضع وألطفها ثانيًا، وتعجيل القِرَى ثالثًا، وبعد التَّكليف للضَّيف بالأكل والجلوس)
[1001] ((مفاتيح الغيب)) (28/174). .
نماذج مِن كرم العرب وجودهم في العصر الجاهلي
لقد كان الكَرَم مِن أبرز الصِّفات في العصر الجاهلي، بل كانوا يتباهون بالكَرَم والجُود والسَّخاء، ورفعوا مِن مكانة الكَرَم، وكانوا يصفون بالكَرَم عظماء القوم، واشتهر بعض العرب بهذه الصِّفة الحميدة حتى صار مضربًا للمثل، ونذكر بعض النَّماذج مِن هؤلاء الذين اشتهروا بفيض كرمهم وسخاء نفوسهم، ومِن أولئك:
حاتم الطَّائي:
كان حاتم الطَّائي مِن أشهر مَن عُرِف عند العرب بالجُود والكَرَم حتى صار مضرب المثل في ذلك.
(قالت النوار امرأته: أصابتنا سنة اقشعرَّت لها الأرض، واغبرَّ أفق السَّماء، وراحت الإبل حدبًا حدابير
[1002] الحدب: جمع حدباء، وهى التي بدت حراقفها وعظم ظهرها. الحَدَابِير: جمع حِدْبَار وحِدْبير، بكسر الحاء فيهما، وهي: العجفاء الضَّامرة التي قد يبس لحمها مِن الهزال. ، وضنَّت المراضع عن أولادها فما تَبِضُّ بقطرة
[1003] ما يقطر منها لبن. يقال بض الماء إذا قطر وسال. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (1/132). ، وجَلَّفَت السَّنَة المال
[1004] جَلَّفَت: أصل الجَلَف: القَشْر، فكأنَّ السَّنَة قَشَرت المال، والجالفة: السَّنة التي تذهب بأموال النَّاس. ، وأيقنَّا أنَّه الهلاك. فو الله إنِّي لفي ليلة صَنْبر
[1005] الصَّنْبر: الباردة، وليل الشِّتاء طويل، ويزيده الجوع طولًا. بعيدة ما بين الطَّرفين، إذ تضاغى
[1006] تضاغى الصبية: بكوا وصاحوا انظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (3/92). أصيبيتنا
[1007] نصَّ في ((اللِّسان)) على أنَّه (قد جاء في الشِّعر أصيبية، كأنَّه تصغير أصبية). مِن الجوع، عبد الله وعدي وسَفَّانة، فقام حاتم إلى الصبيَّين، وقمت إلى الصبيَّة، فو الله ما سكنوا إلَّا بعد هدأة مِن اللَّيل
[1008] طائفة منه انظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (5/249). ، ثمَّ ناموا ونمت أنا معه، وأقبل يعلِّلني بالحديث، فعرفت ما يريد، فتناومت، فلمَّا تهوَّرت النُّجوم
[1009] تهوَّرت النُّجوم: ذهب أكثرها. إذا شيء قد رفع كِسْر البيت
[1010] كِسْر البيت: أسفل الشِّقَّة التى تلي الأرض مِن الخباء مِن حيث يُكْسَر جانباه مِن عن يمينٍ ويسار. ، فقال: مَن هذا؟ فولَّى ثمَّ عاد، فقال: مَن هذا؟ فولَّى ثمَّ عاد في آخر اللَّيل، فقال: مَن هذا؟ فقالت: جارتك فلانة، أتيتك مِن عند أصيبية يتعاوون عواء الذِّئاب مِن الجوع، فما وجدت معوَّلًا إلَّا عليك أبا عدي، فقال: والله لأشبعنَّهم، فقلت: مِن أين؟ قال: لا عليك، فقال: أعجليهم فقد أشبعك الله وإيَّاهم، فأقبلت المرأة تحمل ابنين ويمشي جانبيها أربعة، كأنَّها نعامة حولها رئالها
[1011] جمع رئال: وهو ولد النعام. ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص 1002). ، فقام إلى فرسه فوجأ
[1012] وجأ: ضرب. ((لسان العرب)) لابن منظور (1/190). لبته
[1013] اللبة: موضع المنحر من كل شيء. ((لسان العرب)) لابن منظور (1/733) بمديته، فخر، ثمَّ كشطه، ودفع المدية إلى المرأة، فقال: شأنك (الآن)، فاجتمعنا على اللَّحم، فقال: سوأة! أتأكلون دون الصِّرم؟!
[1014] الصِّرم، بالكسر: الأبيات المجتمعة المنقطعة مِن النَّاس. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/338). ، ثمَّ جعل يأتيهم بيتًا بيتًا ويقول؛ هبُّوا أيُّها القوم، عليكم بالنَّار، فاجتمعوا، والْتَفَع
[1015] التفع: التحف بالثوب. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (8/320). بثوبه ناحيةً ينظر إلينا، لا والله ما ذاق منه مُزْعَة
[1016] المزْعَة: القطعة مِن اللَّحم ونحوه. ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1/763). ، وإنَّه لأحوج إليه منَّا، فأصبحنا وما على الأرض مِن الفرس، إلَّا عظم أو حافر، (فعذلته
[1017] عذلته: لمته. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (11/437). على ذلك)، فأنشأ حاتم يقول:
مهلًا نوار أقلِّي اللَّوم والعذلا
[1018] العذل: اللوم. ((لسان العرب)) لابن منظور (11/437).
ولا تقولي لشيء فات: ما فعلا
ولا تقولي لمال كنت مهلكه
مهلًا، وإن كنت أعطي الجنَّ والخَبَلا
[1019] الخَبَل، بفتحتين: الجِنُّ، أو ضربٌ مِن الجِنِّ، يقال لهم: الخابل. ((لسان العرب)) لابن منظور (11/197).
يرى البخيل سبيل المال واحدة
إنَّ الجَوَاد يرى في ماله سبلا
لا تعذليني في مال وصلت به
رحمًا، وخير سبيل المال ما وصلا
[1020] ((الشِّعر والشُّعراء)) للدينوري (1/238)، والرِّحْم، بكسر الرَّاء وسكون الحاء، والرَّحِم، بفتح فكسر: القرابة. ((لسان العرب)) لابن منظور (12/232)..
و(قيل سأل رجل حاتمًا الطَّائي فقال: يا حاتم هل غلبك أحدٌ في الكَرَم؟ قال: نعم، غلام يتيم مِن طيئ، نزلت بفنائه وكان له عشرة أرؤس مِن الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه. وأصلح مِن لحمه، وقدَّم إليَّ، وكان فيما قدَّم إليَّ الدِّماغ، فتناولت منه فاستطبته، فقلت: طيِّبٌ والله. فخرج مِن بين يدي، وجعل يذبح رأسًا رأسًا، ويقدِّم إليَّ الدِّماغ وأنا لا أعلم. فلمَّا خرجت لأرحل نظرت حول بيته دمًا عظيمًا، وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره. فقلت له: لم فعلت ذلك؟ فقال: يا سبحان الله! تستطيب شيئًا أملكه فأبخل عليك به، إنَّ ذلك لسُبَّة على العرب قبيحة. قيل يا حاتم: فما الذي عوَّضته؟ قال: ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس مِن الغنم، فقيل أنت إذًا أَكْرَم منه، فقال: بل هو أكرم، لأنَّه جاد بكلِّ ما يملكه، وإنَّما جُدت بقليل مِن كثير)
[1021] ((المستجاد مِن فعلات الأجواد)) للتنوخي (ص 111). .
عبد الله بن جُدْعَانَ:
مِن الكُرَماء المشهورين في العصر الجاهلي: عبد الله بن جُدْعَان، فقد اشتهر بكرمه وجوده، وسخائه وعطائه.
و(كان عبد الله بن جُدْعَانَ مِن مُطْعِمي قريش، كهاشم بن عبد مناف، وهو أوَّل مَن عمل الفالوذ للضَّيف، وقال فيه أميَّة بن أبي الصَّلت.
له داع بمكَّة مُشْمَعِلٌّ
[1022] اشمعل القوم في الطلب اشمعلالا إذا بادروا فيه وتفرقوا. ((لسان العرب)) لابن منظور (11/372).
وآخر فوق دارته
[1023] الدارة: الدار. ((لسان العرب)) لابن منظور (4/299). ينادي
إلى درج من الشِّيزَى
[1024] الشيزى: الجفان التي تسوى من شجرة الشيزى. ((لسان العرب)) لابن منظور (5/363). ملاء
[1025] ملاء: مملوءة. ((لسان العرب)) لابن منظور (1/158).
لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ
[1026] يلبك: يخلط. ((لسان العرب)) لابن منظور (10/482). بالشِّهادِ
[1027] الشهاد: العسل ما دام لم يعصر من شمعه. ((لسان العرب)) لابن منظور (3/243).
وكانت له جِفَان يأكل منها القائم والرَّاكب)
[1028] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (3/239). .
و(حدَّث إبراهيم بن أحمد قال: قَدِمَ أميَّة بن أبي الصَّلت مكَّة، على عبد الله بن جُدْعَان، فلمَّا دخل عليه قال له عبد الله: أمرٌ ما، جاء بك. فقال أميَّة: كلاب غرمائي قد نبحتني ونهشتني
[1029] النهش: تناول الشيء بفمه ليعضه فيؤثر فيه ولا يجرحه. ((لسان العرب)) لابن منظور (6/360). . فقال له عبد الله: قدمت عليَّ وأنا عليل مِن ديون لزمتني، فأنظرني قليلًا يجمُّ ما في يدي، وقد ضمنت قضاء دينك ولا أسأل عن مبلغه، فأقام أميَّة أيامًا وأتاه فقال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
حياؤك إنَّ شيمتك الحَيَاء؟
وعلمك بالأمور وأنت قَـــرْم
لك الحسب المهذَّب والثَّناء
كريم لا يغيِّره صباح
عن الخُلُق الجميل ولا مساء
تباري الرِّيح مكرمة وجودًا
إذا ما الكلب أجحره الشِّتاء
إذا أثنى عليك المرء يومًا
كفاه من تعرُّضه الثَّناء
إذا خلفت عبد الله فاعلم
بأنَّ القوم ليس لهم جزاء
فأرضك كلُّ مكرمة بناها
بنو تميم وأنت لها سماء
فأبرز فضله حقًّا عليهم
كما برزت لناظرها السَّماء
وهل تخفى السَّماء على بصير
وهل للشَّمس طالعة خفاء
فلمَّا أنشده أميَّة هذه الأبيات كانت عنده قينتان، فقال لأميَّة: خذ أيتهما شئت، فأخذ إحداهما وانصرف. فمرَّ بمجلس مِن مجالس قريش، فلاموه على أخذها، وقالوا: لقد أجحفت به في انتزاعها منه، فلو رددتها عليه، فإنَّ الشَّيخ يحتاج إلى خدمتهما، لكان ذلك أقرب لك عنده وأَكْرَم مِن كلِّ حقٍّ ضمنته لك. فوقع الكلام مِن أميَّة موقعًا وندم، فرجع إليه ليردَّها عليه، فلمَّا أتاه بها قال له ابن جُدْعَان: لعلَّك إنَّما رددتها لأنَّ قريشًا لاموك على أخذها، وقالوا لك كذا وكذا، ووصف لأميَّة ما قال له القوم، فقال أميَّة: والله ما أخطأت يا أبا زهير ممَّا قالوا شيئًا. قال عبد الله: فما الذي قلت في ذلك؟ فقال أميَّة:
عطاؤك زَيْنٌ لامرئ إن حبوته
[1030] حبوته: أعطيته. ((لسان العرب)) لابن منظور (14/162).
ببذل وما كلُّ العطاء يزين
وليس بشين لامرئٍ بذل وجهه
إليك كما بعض السُّؤال يشين
فقال له عبد الله: خذ الأخرى، فأخذهما جميعًا وخرج، فلمَّا صار إلى القوم بهما أنشأ يقول:
ذكر ابن جُدْعَان بخيـ
ـرٍ كلَّما ذُكِر الكِرَام
مَن لا يجور ولا يعقُّ
ولا يُبخلُه اللِّئام
يهب النَّجيبة والنَّجيب
له الرِّجال والزمام)
[1031] ((المستجاد من فعلات الأجواد)) للتنوخي.
و(كان عبد الله بن جُدْعَان التيميُّ حين كَبر أخذ بنو تيم عليه، ومنعوه أن يعطي شيئًا مِن ماله، فكان الرَّجل إذا أتاه يطلب منه قال: ادن منِّي، فإذا دنا منه لطمه، ثمَّ قال: اذهب فاطلب بلطمتك أو ترضى، فترضيه بنو تيم مِن ماله.
وفيه يقول ابن قيس:
والذي إن أشار نحوك لطمًا
تبع اللَّطم نائل وعطاء
وابن جُدْعَان هو القائل:
إنِّي وإن لم ينل مالي مدى خُلُقِي
وهاب ما ملكت كفِّي مِن المال
لا أحبس المال إلَّا ريث أتلفه
ولا تغيِّرني حال عن الحال)
[1032] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة الدينوري (1/458).
نماذج مِن كرم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجوده
لقد مثَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة في الجُود والكَرَم، فكان أجود النَّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فكان أجود بالخير مِن الرِّيح المرسلة.
(وقد بلغ صلوات الله عليه مرتبة الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء، إذ كان يعطي عطاء مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه، ثقة بعظيم فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم)
[1033] ((الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها)) لعبد الرَّحمن الميداني (2/377). .
– عن موسى بن أنسٍ، عن أبيه، قال: ((ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلَّا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإنَّ محمَّدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة))
[1034] رواه مسلم (2312). .
– وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أحدٍ ذهبًا ما يسرُّني أن لا يمرَّ عليَّ ثلاثٌ، وعندي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أرصدُهُ لدينٍ))
[1035] رواه البخاري (2389). .
(إنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، يقدِّم بهذا النَّموذج المثالي للقدوة الحسنة، لاسيَّما حينما نلاحظ أنَّه كان في عطاءاته الفعليَّة، مطـبِّــقًا لهذه الصُّورة القوليَّة التي قالها، فقد كانت سعادته ومسرَّته عظيمتين حينما كان يبذل كلَّ ما عنده مِن مال.
ثمَّ إنَّه يربِّي المسلمين بقوله وعمله على خُلُق حبِّ العطاء، إذ يريهم مِن نفسه أجمل صورة للعطاء وأكملها)
[1036] ((الأخلاق الإسلاميَّة وأسسها)) لعبد الرَّحمن الميداني (2/378). .
– وعن جبير بن مطعمٍ، أنَّه بينا هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه النَّاس، مقبلًا مِن حنينٍ، عَلِقَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سَمُرَةٍ، فَخطِفَتْ رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العِضَاهِ نَعَمًا، لقسمته بينكم، ثمَّ لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا))
[1037] رواه البخاري (3148). .
– وأهدت امرأة إلى النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام شملةً منسوجة، فقالت: ((يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام محتاجًا إليها، فلبسها، فرآها عليه رجل مِن الصَّحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه! فاكْسُنِيها، فقال: نعم، فلمَّا قام النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام لامه أصحابه، فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها، ثمَّ سألته إيَّاها، وقد عرفت أنَّه لا يُسْأَل شيئًا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعلِّي أكفَّن فيها))
[1038] رواه البخاري (6036). .
– وكان صلى الله عليه وسلم يُؤْثِـر على نفسه، فيعطي العطاء ويمضي عليه الشَّهر والشَّهران لا يُوقَد في بيته نارٌ
[1039] ((مكارم الأخلاق)) لابن عثيمين (ص 56). .
– (وكان كرمه صلى الله عليه وسلم كرمًا في محلِّه، ينفق المال لله وبالله، إمَّا لفقير، أو محتاج، أو في سبيل الله، أو تأليفًا على الإسلام، أو تشريعًا للأمَّة، وغير ذلك
[1040] ((مكارم الأخلاق)) لابن عثيمين (ص55 ). .
فما أعظم كرمه وجوده وسخاء نفسه، صلى الله عليه وسلم، وما هذه الصِّفة الحميدة إلَّا جزءٌ مِن مجموع الصِّفات التي اتصف بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم، فلا أبلغ ممَّا وصفه القرآن الكريم بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].
نماذج مِن كرم الصَّحابة وجودهم
– عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا))
[1041] رواه أبو داود (1678)، والتِّرمذي (3675)، والدارمي (1/480) (1660)، والبزار (1/394) (270)، والحاكم (1/574)، والبيهقي (4/180) (8026). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال التِّرمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه، وقال البزَّار: [فيه] هشام بن سعد، حدَّث عنه جماعة كثيرة مِن أهل العلم، ولم نر أحدًا توقَّف عن حديثه ولا اعتلَّ عليه بعلَّة توجب التَّوقُّف عن حديثه. وصحَّحه النَّوويُّ في ((المجموع)) (6/236)، وابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (1/337) كما اشترط على نفسه في المقدِّمة، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))، والوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (996). .
– وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنَّه سمع أنس بن مالك، يقول: كان أبو طَلْحَة أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا، وكان أحبَّ أمواله إليه بيرحى
[1042] اسم مال وموضع بالمدينة. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (1/114). ، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب مِن ماءٍ فيها طيِّبٍ، قال أنسٌ: فلمَّا نزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] قام أبو طَلْحَة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله يقول في كتابه: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بيرحى، وإنَّها صدقةٌ لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ
[1043] كلمة تقال لتعظيم الأمر وتفخيمه. ))شرح النووي على مسلم)) (7/85). ، ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، قد سمعتُ ما قلتَ فيها، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين))، فقسمها أبو طَلْحَة في أقاربه وبني عمِّه
[1044] رواه مسلم (998). .
– (وقيل: مَرِض قيس بن سعد بن عبادة، فاستبطأ إخوانه، فقيل له: إنَّهم يستحيون ممَّا لك عليهم مِن الدَّيْن، فقال: أخزى الله مالًا يمنع الإخوان مِن الزِّيارة، ثمَّ أمر مناديًا فنادى: مَن كان عليه لقيس بن سعد حقٌّ فهو منه بريء، قال فانكسرت درجته بالعشي لكثرة مَن زاره وعاده)
[1045] ((إحياء علوم الدِّين)) للغزَّالي (3/247). .
– وقال عطاء: (ما رأيت مجلسًا قطُّ أَكْرَم مِن مجلس ابن عبَّاس، أكثر فقهًا، وأعظم جَفْنَةً، إنَّ أصحاب القرآن عنده، وأصحاب النَّحو عنده، وأصحاب الشِّعر، وأصحاب الفقه، يسألونه كلُّهم، يصدرهم في وادٍ واسعٍ)
[1046] رواه ابن المبارك في ((الزُّهد)) (1175)، وأبو الشَّيخ في ((الكرم والجود وسخاء النُّفوس)) (60)، والفاكهي في ((أخبار مكَّة)) (2/340) (1628)، وأبو نعيم في ((معرفة الصَّحابة)) (3805). .
– (وعن أبان بن عثمان قال: أراد رجل أن يضار عبيد الله بن عبَّاس، فأتى وجوه قريش فقال: يقول لكم عبيد الله: تغدوا عندي اليوم، فأتوه حتى ملئوا عليه الدَّار، فقال: ما هذا؟ فأُخْبِر الخبر، فأمر عبيد الله بشراء فاكهة، وأمر قومًا فطبخوا وخبزوا، وقدِّمت الفاكهة إليهم، فلم يفرغوا منها حتى وُضِعَت الموائد، فأكلوا حتى صدروا، فقال عبيد الله لوُكَلَائه: أَوَ موجود لنا هذا كلَّ يومٍ؟ قالوا: نعم، قال فليتغدَّ عندنا هؤلاء في كلِّ يوم)
[1047] ((إحياء علوم الدِّين)) للغزَّالي (3/247). .
– وقال المدائني: (أوَّل مَن سنَّ القِرَى إبراهيم الخليل عليه السَّلام. وأوَّل مَن هشم الثَّريد هاشمٌ. وأوَّل مَن فطَّر جيرانه على طعامه في الإسلام عبيد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما، وهو أوَّل مَن وضع موائده على الطَّريق، وكان إذا خرج مِن بيته طعامٌ لا يعاود منه شيءٌ، فإن لم يجد مَن يأكله تركه على الطَّريق)
[1048] ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) للسفاريني (2/150). .
– و(ذُكر أنَّ عبيد الله بن العبَّاس أتاه سائل وهو لا يعرفه، فقال له: تصدَّق عليَّ بشيءٍ، فإنِّي نُبِّـئت أنَّ عبيد الله بن العبَّاس أعطى سائلًا ألف درهم واعتذر إليه، فقال: وأين أنا مِن عبيد الله فقال: أين أنت منه في الحسب أم في الكَرَم؟ قال: فيهما جميعًا، قال: أمَّا الحسب في الرَّجل فمروءته وفعله، وإذا شئت فعلتَ، وإذا فعلت كنت حسيبًا. فأعطاه ألفي درهم واعتذر إليه مِن ضيق نفقته. فقال له السَّائل: إن لم تكن عبيد الله بن العبَّاس فأنت خير منه، وإن كنت إيَّاه فأنت اليوم خير منك أمس، فأعطاه ألفًا أخرى، فقال له السَّائل: هذه هزَّة كريم حسيب)
[1049] ((المستجاد مِن فعلات الأجواد)) للتنوخي. .
– وقال الأصمعيُّ: (حدَّثنا ابن عمران قاضي المدينة، أنَّ طَلْحَة كان يقال له: طَلْحَة الخير، وطَلْحَة الفيَّاض، وطَلْحَة الطَّلَحَات، وأنَّه فدى عشرة مِن أسارى بدر وجاء يمشي بينهم، وأنَّه سُئل برحم، فقال: ما سُئِلت بهذه الرَّحم قبل اليوم، وقد بعت حائطًا لي بتسعمائة ألف درهم وأنا فيه بالخيار، فإن شئت ارتجعته وأعطيتكه، وإن شئت أعطيتك ثمنه)
[1050] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة الدينوري (1/454). .
– وقال المدائني: (إنَّما سمِّي طَلْحَة بن عبيد الله الخزاعي: طَلْحَة الطَّلَحَات، لأنَّه اشترى مائة غلام وأعتقهم وزوَّجهم، فكلُّ مولود له سمَّاه طلحة)
[1051] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة الدينوري (1/466). .
نماذج مِن السَّلف في الكَرَم والجُود
– قال محمَّد بن صبيحٍ: (لما قدم أبو الزِّناد الكوفة على الصَّدقات، كلَّم رجلٌ حمَّاد بن أبي سليمان في رجلٍ يكلِّم له أبا الزِّناد، يستعين في بعض أعماله، فقال حمَّاد: كم يؤمِّل صاحبك مِن أبي الزِّناد أن يصيب معه؟ قال: ألف درهمٍ، قال: فقد أمرت له بخمسة آلاف درهمٍ، ولا يبذل وجهي إليه، قال: جزاك الله خيرًا، فهذا أكثر ممَّا أمَّل ورجا. قال عثمان: وقال ابن السَّمَّاك: فكلَّمه آخر في ابنه أن يحوِّله مِن كتابٍ إلى كتاب، فقال للذي يكلِّمه: إنَّما نعطي المعلِّم ثلاثين كلَّ شهرٍ، وقد أجريناها لصاحبك مائة، دع الغلام مكانه)
[1052] ((الكرم والجود وسخاء النُّفوس)) للبرجلاني (ص 57). .
– (وكان أبو مرثد أحد الكُرَماء، فمدحه بعض الشُّعراء، فقال للشَّاعر: والله ما عندي ما أعطيك، ولكن قدِّمني إلى القاضي وادَّع عليَّ بعشرة آلاف درهم حتى أقرَّ لك بها، ثمَّ احبسني، فإنَّ أهلي لا يتركوني محبوسًا. ففعل ذلك، فلم يُمْس حتى دفع إليه عشرة آلاف درهم، وأُخْرج أبو مرثد مِن الحبس)
[1053] ((إحياء علوم الدِّين)) للغزَّالي (3/248). .
– وقال حمَّاد بن أبي حنيفة: (لم يكن بالكوفة أسخى على طعامٍ ومالٍ مِن حماَّد بن أبي سليمان، ومِن بعده خلف بن حوشبٍ)
[1054] ((الكرم والجود وسخاء النُّفوس)) للبرجلاني (ص 55). .
– و(كان مورقٌ يتَّجر، فيصيب المال، فلا يأتي عليه جمعةٌ وعنده منه شيءٌ، وكان يأتي الأخ، فيعطيه الأربع مائةٍ والخمس مائةٍ، ويقول: ضعها لنا عندك. ثمَّ يلقاه بعد، فيقول: شأنك بها، لا حاجة لي فيها)
[1055] ((سير أعلام النُّبلاء)) للذَّهبي (4/351). .
– وقال عبد الله بن الوسيم الجمَّال: (أتينا عمران بن موسى بن طَلْحَة ابن عبيد الله نسأله في دينٍ على رجلٍ مِن أصحابنا، فأمر بالموائد فنُصِبَت، ثمَّ قال: لا، حتى تصيبوا مِن طعامنا، فيجب علينا حقُّكم وذمامكم، قال: فأصبنا مِن طعامه، فأمر لنا بعشرة آلاف درهمٍ في قضاء دينه، وخمسة آلاف درهمٍ نفقةً لعياله)
[1056] ((الكرم والجود وسخاء النُّفوس)) للبرجلاني (ص 55). .
– و(كان هشام بن حسَّان إذا ذكر يزيد بن المهلَّب يقول: إن كادت السُّفن لتجري في جوده)
[1057] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/364). .
– و(كان ناسٌ مِن أهل المدينة يعيشون لا يدرون مِن أين كان معاشهم، فلمَّا مات علي بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يُؤْتَون باللَّيل)
[1058] ((سير أعلام النُّبلاء)) للذَّهبي (4/393). .
– وقال أبو السَّوَّار العدويُّ: (كان رجالٌ مِن بني عدي يصلُّون في هذا المسجد، ما أفطر أحدٌ منهم على طعامٍ قطُّ وحده، إن وجد مَن يأكل معه أكل، وإلَّا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع النَّاس، وأكل النَّاس معه)
[1059] ((الكرم والجود وسخاء النُّفوس)) للبرجلاني (ص 53). .
– و(كان يقال للفضل بن يحيى: حاتم الإسلام… وكان يقال: حدِّث عن البحر ولا حرج، وعن الفضل ولا حرج)
[1060] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/365). .
نماذج مِن العلماء المعاصرين في الكَرَم والجُود
كرم الشَّيخ عبد العزيز بن باز
[1061] ((جوانب مِن سيرة الإمام عبد العزيز بن باز)) محمد بن إبراهيم الحمد (181-190) بتصرُّف واختصار. :
لا يكاد يُعلم في زمان سماحة الشَّيخ أحدٌ أسخى ولا أجود ولا أَكْرَم مِن سماحة الشَّيخ عبد العزيز بن باز، وذلك في وجوه السَّخاء، وصوره المتعدِّدة، ومِن هذه الصُّور:
1- كان مجبولًا على حبِّ الضُّيوف، والرَّغبة في استضافتهم منذ صغره.
2- كان يوصي بشراء أحسن ما في السُّوق مِن الفاكهة، والتَّمر، والخضار، وسائر الأطعمة التي تقدَّم لضيوفه.
3- وكان يلحُّ إلحاحًا شديدًا إذا قَدِم عليه أحدٌ أو سلَّم عليه، فكان يلحُّ عليهم بأن يحِلُّوا ضيوفًا عنده على الغداء، والعشاء، والمبيت، ولو طالت مدَّة إقامتهم.
4- وكان يرغِّب القادمين إليه بأن يتواصلوا معه في الزِّيارة، فيذكِّرهم بفضل الزِّيارة، والمحبَّة في الله، ويسوق لهم الآثار الواردة في ذلك؛ ممَّا يبعثهم إلى مزيد مِن الزِّيارة؛ لأنَّ بعضهم لا يرغب في الإثقال على سماحة الشَّيخ وإضاعة وقته؛ فإذا سمع منه ذلك انبعث إلى مزيد مِن الزِّيارات.
5- وكان لا يقوم مِن المائدة حتى يسأل عن ضيوفه: هل قاموا؟ فإذا قيل له: قاموا. قام؛ كيلا يعجلهم بقيامه قبلهم، وإذا قام قال: كلٌّ براحته، لا تستعجلوا.
6- وإذا قَدِم الضُّيوف مِن بعيد، ثمَّ استضافهم وأكرمهم، وأرادوا توديعه ألحَّ عليهم بأن يمكثوا، وأن يتناولوا وجبة أخرى، وأن يبيتوا عنده؛ فلا ينصرفون منه إلَّا بعد أن يتأكَّد بأنَّهم مسافرون أو مرتبطون. بل إذا قالوا: إنَّهم مرتبطون، قال: ألا يمكن أن تتخلَّصوا مِن ارتباطكم؟ ألَا تهاتفون صاحب الارتباط، وتعتذروا منه؟
7- وكان يفرح بالقادم إليه ولو لم يعرفه مِن قبل، خصوصًا إذا قدم مِن بعيد، أو لمصلحة عامَّة.
8- ومِن لطائف كرمه أنَّه إذا قدم عليه قادم وهو في السَّيَّارة أخذ يتحفَّز، ويتحرَّك ويدعو القادم للركوب معه، ولو كان المكان ضيِّقــًا، لكن سماحته يريه أنَّه محبٌّ لصحبته، أو أن يأمر أحد السَّائقين التَّابعين للرِّئاسة ليوصله، أو أن يأخذ سيارة للأجرة؛ لتنقل مَن يأتون إليه إذا كانوا كثيرين.
9- كان منزل أسرة سماحة الشَّيخ في الرِّياض، لا يتَّسع لكثرة الضُّيوف القادمين إليه، وكثيرًا ما يأتيه أناس بأُسَرِهم إمَّا مِن المدينة أو غيرها؛ إمَّا طلبًا لشفاعة أو مساعدة، أو نحو ذلك، فكانوا يسكنون عند سماحة الشَّيخ في المنزل.
حكمٌ وأمثالٌ في الكَرَم والجُود
– أَقْــرَى مِن زاد الركب:
زعم ابن الأعرابي أنَّ هذا المثل مِن أمثال قريش، ضربوه لثلاثة مِن أجودهم: مسافر بن أبي عمرو بن أميَّة، وأبي أميَّة بن المغيرة، والأسود بن عبد المطَّلب ابن أسد بن عبد العُزَّى، سُمُّوا زاد الركب؛ لأنَّهم كانوا إذا سافروا مع قومٍ لم يتزوَّدوا معهم
[1062] ((مجمع الأمثال)) للميداني (2/127). .
– أَقْــرَى مِن حَاسِي الذَّهب:
هذا أيضًا مِن قريش، وهو عبد الله بن جُدْعَان التَّيمي الذي قال فيه أبو الصَّلت الثَّقفيُّ:
له داع بمكَّة مُشْمَعِلٌّ
وآخر فوق دارته ينادي
إلى درج من الشِّيزَى ملاء
لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهادِ
وسُمِّي (حاسي الذَّهب) لأنَّه كان يشرب في إناء مِن الذَّهب
[1063] ((مجمع الأمثال)) للميداني (2/127). .
– أَقْرَى مِن مطاعيم الرِّيح:
زعم ابن الأعرابي أنَّهم أربعة أحدهم: عمُّ محجن الثَّقفي، ولم يُسَم الباقين.
قال أبو النَّدى: هم كِنَانة بن عبد ياليل الثَّقفي عمُّ أبي محجن، ولبيد بن ربيعة، وأبوه، كانوا إذا هبَّت الصَّبا أطعموا النَّاس، وخصوا الصَّبا لأنَّها لا تهب إلَّا في جدب
[1064] ((مجمع الأمثال)) للميداني (2/127). .
– (أَكْرَم مِن الأسد:
لأنَّه إذا شبع تجافى عمَّا يمرُّ به ولم يتعرَّض له.
– أَكْرَم مِن العُذَيْق المرجَّب:
تصغير عِذْق، وهو: النَّخلة، والمرجَّب: المدعوم، وإنَّما يُدْعَم لكثرة حِمْلِه وذاك كرمه، وأكثر العرب تنكِّره فتقول: مِن عُذَيْق مُرَجَّب)
[1065] ((المستقصى في أمثال العرب)) للزمخشري (1/294). .
أجواد أهل الإسلام
قال ابن عبد ربِّه: (وأمَّا أجواد أهل الإسلام فأحد عشر رجلًا في عصر واحد، لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم:
فأجواد الحجاز ثلاثة في عصر واحد: عبيد الله بن العبَّاس، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاص.
وأجواد البصرة خمسة في عصر واحد وهم: عبد الله بن عامر بن كريز، وعبيد الله ابن أبي بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم بن زياد، وعبيد الله بن معمر القرشي ثمَّ التَّيمي، وطَلْحَة الطَّلَحَات، وهو طَلْحَة بن عبد الله بن خلف الخزاعي.
وأجواد أهل الكوفة ثلاثة في عصر واحد، وهم: عتَّاب بن ورقاء الرِّياحي، وأسماء بن خارجة الفَزَارِي، وعكرمة بن رِبْعِي الفيَّاض)
[1066] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربِّه (1/245-246). .
الطَّلَحَات المشهورون بالكَرَم
قال الأصمعي: الطَّلَحَات المعروفون بالكَرَم:
طَلْحَة بن عبيد الله التَّيمي، وهو الفيَّاض.
وطَلْحَة بن عمر بن عبيد الله بن معمر، وهو طَلْحَة الجواد.
وطَلْحَة بن عبد الله بن عوف الزُّهري، وهو طَلْحَة النَّدَى.
وطَلْحَة بن الحسن بن علي، وهو طَلْحَة الخير.
وطَلْحَة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، وهو طَلْحَة الطَّلَحَات. سُمِّي بذلك لأنَّه كان أجودهم)
[1067] ((تهذيب التَّهذيب)) لابن حجر العسقلاني (5/17). .
الكَرَم والجُود في واحة الشِّعر
قال كلثوم بن عمرو التَّغلبي -مِن شعراء الدَّولة العبَّاسية-:
إنَّ الكريمَ ليُخفي عنك عسرتَه
حتى تراه غنيًّا وهو مجهودُ
وللبخيلِ على أموالِه عللٌ
زرقُ العيونِ عليها أوجهٌ سودُ
إذا تكرَّمتَ عن بذلِ القليلِ ولم
تقدرْ على سعةٍ لم يظهرِ الجُودُ
بُثَّ النَّوَال ولا تمنعْك قلَّتُه
فكلُّ ما سدَّ فقرًا فهو محمودُ
[1068] ((الحماسة البصرية)) لأبي الحسن البصري (2/63).
وقال المنتصر بن بلال الأنصاري:
الجُودُ مكرمةٌ والبخلُ مبغضةٌ
لا يستوي البخلُ عندَ اللهِ والجُودُ
والفقرُ فيه شخوصٌ والغِنى دعةٌ
والنَّاسُ في المالِ مرزوقٌ ومحدودُ
[1069] ((روضة العقلاء)) لابن حبَّان البستي (ص 235).
وقال أحمد بن محمَّد بن عبد الله اليماني:
سأبذلُ مالي كلَّما جاء طالبٌ
وأجعلُه وقفًا على القرضِ والفرضِ
فإمَّا كريمًا صنتُ بالجُودِ عرضَه
وإما لئيمًا صنتُ عن لؤمِه عرضي
[1070] ((روضة العقلاء)) لابن حبَّان البستي (ص 238).
وقال حجبة بن المضَرَّب:
أناسٌ إذا ما الدَّهرُ أظلم وجهُه
فأيديهم بيضٌ وأوجهُهم زهرُ
يصونون أحسابًا ومجدًا مؤثَّلًا
ببذلِ أكفٍّ دونها المزْن
[1071] المزن هو الغيم والسحاب ((لسان العرب)) لابن منظور (13/406). والبحرُ
سَمَوا فِي المعالي رتبةً فوق رتبةٍ
أحلَّتهم حيث النَّعائم والنَّسرُ
أضاءتْ لهم أحسابهم فتضاءلتْ
لنورِهم الشَّمس المنيرة والبدرُ
فلو لامس الصَّخرُ الأصمُّ أكفَّهم
أفاض ينابيعَ النَّدى ذلك الصَّخرُ
ولو كان في الأرضِ البسيطةِ منهمُ
لمخْتَبِط عاف لما عرف الفقرُ
شكرتُ لكم آلاءَكم وبلاءَكم
وما ضاع معروفٌ يكافئُه شكرُ
[1072] ((الأمالي)) للقالي (1/54).
وقال آخر:
ويُظهرُ عيبَ المرءِ في النَّاسِ بخلُه
ويسترُه عنهم جميعًا سخاؤُه
تغطَّ بأثوابِ السَّخاءِ فإنَّني
أرى كلَّ عيبٍ والسَّخاءُ غطاؤه
[1073] ((روضة العقلاء)) لابن حبَّان البستي (ص 227).
وقال آخر:
حرٌّ إذا جئتَه يومًا لتسألَه
أعطاك ما ملكتْ كفَّاه واعتذرا
يُخفي صنائعَه واللهُ يظهرُها
إنَّ الجميلَ إذا أخفيته ظهرا
[1074] ((المحاسن والأضَّداد)) للجاحظ (1/92).
وقال الراضي العبَّاسي:
لا تعذلوا كرمي على الإسرافِ
ربحُ المحامدِ متجرُ الأشرافِ
إنِّي مِن القومِ الذين أكفُّهم
معتادةُ الإتلافِ والإخلافِ
[1075] ((الأوراق قسم أخبار الشُّعراء)) للصولي (2/54).
وقال حاتم الطَّائي:
أماوِيَّ إنَّ المال غادٍ ورائحٌ
ويبقى مِن المال الأحاديثُ والذِّكرُ
أماوِيَّ إنِّي لا أقولُ لسائلٍ
إذا جاء يومًا: حلَّ في ما لنا نذرُ
أماويَّ إمَّا مانعٌ فمبينٌ
وإمَّا عطاءٌ لا يُنهْنِهُه الزَّجرُ
أماوِيَّ ما يُغني الثَّراءُ عن الفتى
إذا حشرجتْ يومًا وضاق بها الصَّدرُ
أماوِيَّ إن يصبحْ صداي بقفرةٍ
مِن الأرضِ لا ماءٌ لديَّ ولا خمرُ
ترى أنَّ ما أنفقتُ لم يكُ ضرَّني
وأنَّ يديَّ ممَّا بخلت به صفرُ
وقد علم الأقوامُ لو أنَّ حاتمًا
أراد ثراءَ المالِ كان له وفرُ
[1076] ((الشِّعر والشُّعراء)) للدينوري (1/239).
وقال آخر:
لا تبخلنَّ بدُنْيَا وهي مقبلةٌ
فليس ينقصها التَّبذير والسَّرفُ
فإن تولَّت فأحرى أن تجودَ بها
فالشُّكرُ منها إذا ما أدبرت خلفُ
[1077] ((روضة العقلاء)) لابن حبَّان البستي (ص 262).
وقال أحمد بن إبراهيم العبرتاني:
لا تكثري في الجُودِ لائمتي
وإذا بخلتُ فأكثري لومي
كُفِّي فلست بحاملٍ أبدًا
ما عشتُ همَّ غدٍ على يومي
[1078] ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزَّمخشري (4/369).

منقول


hakimdima غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الجوي, الصيام, والبذل, والكرم

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الجود والكرم و السخاء والبذل
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بحث جاهز حول تلوث الغلاف الجوي سيف الدين قسم البحوث 0 2014-10-18 04:42 PM
حكم الصيام الوميض قسم الخيمة الرمضانية 1 2014-06-21 10:47 AM
بحث جاهز حول تلوث الغلاف الجوي للسنة الثالثة متوسط سيف الدين قسم البحوث 0 2013-11-28 01:31 PM
فضل الصيام مسك الختام قسم الخيمة الرمضانية 2 2013-06-22 03:23 PM
الخوخ اشعة الشمس قسم ثقف نفسك 2 2013-03-27 12:12 PM


الساعة الآن 07:05 PM


Designed & Developed by : kakashi_senpai
Preview on Feedage: %D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML