تشكل قضية بني يلمان بالمسيلة جرحاً غائراً للثورة وسكان المنطقة معاً، حينما قرر بعض قادة الجبهة إبادة كل رجالها وشبانها الذين تجاوزوا الخامسة عشر من أعمارهم بذريعة لم يثبتها أي دليل مادي.
وتؤكد جريدة "الشروق" مرّة أخرى، أن هدفها من فتح هذا الموضوع لم يكن أبدا تحريك الجرح، بل البحث عن الحقيقة التاريخية، كما جرت وبشكل موضوعي، ولذلك فتح المجال لأحد الناجين من المجزرة من أبناء بني يلمان وهو لخضر رزيق لتقديم شهادته، ونشرنا شهادات ناجين من السكان، وكذا نداء سكان بني يلمان الذي يطالبون بردّ الاعتبار لهم.
ومع ذلك تعتذر جريدة الشروق عن أي إساءة غير مقصودة قد تفهم أو فهمت من الشهادات المنشورة حول الموضوع، وتفتح الجريدة صفحاتها لإنصاف الضحايا ورد الاعتبار لهم على الصعيد الرسمي والتاريخي.
وقد جاءت شهادة المجاهِد المعروف لخضر بورقعة في ذات السياق حيث أكد دون لبس أن تلك المجزرة مصنفة في خانة "الأخطاء الجسيمة" للثورة.
375 رجلاً قتلوا في ساعات، هو رقمٌ غير يسير ولا يتعلق بـ"خطأ" بحقِّ فرد أو بضعة أفراد. لقد كان بالإمكان تفادي تلك المجزرة لو غلّب فاعلوها صوت العقل والحكمة، وحاولوا معالجة المسألة بكيفية أخرى غير المبادرة إلى العقاب الجماعي دون استثناء، فلا أحد الآن يتحسّر على بلونيس وجيشه وكوبيس والباشاغا بوعلام والشريف بن سعيدي وكتائبهم التي حاربوا بها الثورة، لأنها كانت معارك بين المسلحين من الطرفين بعيدة عن المدنيين في أغلبها، أما قضية بني يلمان فالوضعُ على النقيض لأنها طالت 375 مدنياً معزولا، ولو أخطأت الثورة في العفو لكان أفضل لها ولسكان المنطقة وأبنائهم وأحفادهم الآن.
السكان يدافعون عن تضحياتهم خلال الثورة
7 شهداء من بني يلمان مدفونون في "ساحة الشهداء" بالمسيلة
يتحدث سكان بني يلمان عن معركة وقعت بدوارهم دفعوا خلالها شهداء للوطن، والذين دُفن بعضهم بالمكان المسمى ساحة الشهداء بوسط بلدية المسيلة، وتفاصيلها كما يذكرونها:
في يوم الاثنين 22 ماي 1956 شاهد مسبَّل على قمة جبل سيدي جاد قرب قرية القصبة، غبارا كثيفا قادما من مدينة المسيلة، فأخبر بذلك الجنود المرابطين هناك، واستنفر الجنود أنفسهم، وكانوا في حدود 150 جندي، في انتظار وصول اتجاه القافلة عند مفترق الطريق، توجهت القافلة غربا في اتجاه بني يلمان، وواصلت طريقها، في الوقت الذي ترك السكان بيوتهم وهرعوا إلى الاختفاء بين صخور الجبال تفاديا للقصف الوحشي المعهود للمستعمِر الفرنسي. القافلة تواصل طريقها قرب الحدود بين أولاد مسلم وبني يلمان، وبقي الحراس المدنيون يتتبعون تحركاتها ويبلِّغون بها مجاهدي الجبهة الذين نصبوا لها كمينا عند المكان المسمى سهل بوخدي. وبدأت المعركة في حدود منتصف النهار، ودخل الطيران الحربي الفرنسي على الخط بـ04 طائرات شرعت في قَنبلة المكان الذي وقع فيه الاشتباك، وأمطرته بالرشاشات، لتعزز وجودها بعد ذلك بطائرتي هيلكوبتر بدا واضحا أنهما تحلقان لمسح المكان. في هذه الأثناء انبرى شبان من دوار بني يلمان من مسبلين ومدنيين لإسناد المجاهدين بجلب الماء لهم، وإسعاف جرحاهم المشاركين في المعركة. تواصل الاشتباك إلى أن حل الظلام الذي حاولت الطائرات الكشافة أن تبدِّده، وبدأت تقصف مشتة القصبة البعيدة بـ04 كلم عن مكان المعركة لاشتباه انسحاب المجاهدين إليها.
المعركة انتهت لينسحب بعدها بعض المجاهدين إلى بني يلمان، واستقبلهم اليلمانيون بالترحاب ومنحوهم الطعام، وأخذت النسوة يزغردن على رؤوس المشاركين في المعركة، ودفن الناس الشهداء في أماكن وشعاب متفرقة هناك، بينما نقلت فرنسا جثامين 07 شهداء إلى مدينة المسيلة، ووضعتها في ساحة ترابية، وجمعت مواطني المسيلة كي يروا مصير من تصفهم بـ"الفلاقة" أو "الخارجين عن القانون"، وكان من الحاضرين شرذمة من اليهود تشفوا في الشهداء وهو ما جعل السكان يتربصون لهم ويهاجمونهم، ومنهم من وُجد مقتولا عند محلاتهم، وهو ما عجل بجلائهم من المكان حتى لا يصفى آخرون منهم، بينما قضى سكان المسيلة ليلة سوداء ح***ً على من سقطوا في ميدان الشرف، ساحة سُميت لاحقا ساحة الشهداء، شهداء قدّمهم دوار بني يلمان.
سكان بني يلمان يجددون طلبهم برد الاعتبار لهم:
"أكلنا النخالة لكي نترك الدقيق لجنود جيش التحرير"
جدد سكان بلدية بني يلمان بولاية المسيلة، مطلبهم القديم الجديد إلى رئيس الجمهورية والمتمثل في "رد الاعتبار" لضحايا هذه المجزرة المشهورة بـ "ملوزة"، التي وقعت إبان الثورة التحريرية، وانتهت بتصفية أكثر من 300 رجل، في قضية أسالت ولا تزال الكثير من الحبر لكثرة الروايات التي تعددت بشأن ظروفها ودوافعها، وشدد سكان بني يلمان على أنهم واظبوا على دفع الاشتراكات لمجاهدي جيش التحرير الوطني أسوة بكل نواحي الوطن خلال الثورة التحريرية، ووصل الأمر بهم إلى حد أكل "النخالة" قصد توفير القمح لجنود جيش التحرير الوطني، الذين كانوا ينتظرون قدومهم بشغف، وباعوا حتى الدجاج والأواني لتوفير المال للثورة.
وطالب اليلمانيون رئاسة الجمهورية بالاعتراف بآبائهم وأجدادهم ممن قضوا خلال تلك التصفية كـ"شهداء للثورة التحريرية". وهو المطلب الذي انبروا لتحقيقه منذ الاستقلال وطالبوا كل الجهات وراسلوها، وشددوا على صحة مطلبهم، الذي يريدون تجسيده من خلال استخراج جماجم ضحاياهم من المكان الذي شهد عملية التصفية وإعادة دفنها بمقبرة خاصة بهم وفق العادات المعمول بها، سواء العادات الدينية أم الوطنية.
كما شدد سكان بني يلمان على أنهم لا يريدون أي تعويضات مادية من الدولة، ولا يريدون تحميل المسؤولية لأي جهة كانت، ولا تخوين أي إنسان، وأن عوضهم على الله كما يقولون.
وذكر السكان أنهم عانوا الأمرِّين جراء الابتزازات المتواصلة لجيش بلونيس الذي نكَّل بهم وحرمهم قوت أيامهم، وسلبهم كل ما يملكون.
منقول