أطفال غير أبرياء
**********
يتجاوز باب المنزل بعد أن يفتحه بصعوبة، يغطي الجزء العلوي من جسده فقط بتبان مهترئ
والجزء السفلي عار تماما حتى يجنب أمه متاعب الغسل والتنظيف، ويجنب والده الفقير مصروفا من أجل الحفاظات،
أثار المخاط اليابس ترسم تشققات على شفته العليا وعلى خده الأيمن حيث يمسحه بكمه..
شعر أجعد ونظرات آملة إلى الطريق الذي يشق الحقل إلى نصفين تنتظر رؤية الجد الذي خرج إلى السوق الأسبوعي..
- سيحضر لي حلوى من المدينة..
هي ملخصات الأحلام والأفكار التي كانت تدور في رأس أنور الصغير..
الحلوى اسم على مسمى، حلوة المذاق وتجعل الصغير يشعر بالنشوة، لكن الأحلى منها هو أن يصل
إلى الجد أولا، قبل الأحفاد الآخرين، ويختار لنفسه حلوى مميزة..
ما أجمل ابتسامته الماكرة وهو يطل برأسه على أبناء عمومته وإخوته ويلعق حبة الحلوى المميزة ويهزها
في يده يمنة ويسرة يحاول إغاظتهم...
***********************
صارت تصرفاته غريبة في الأشهر الأخيرة، يقبل على جسده أمه الضخم يقبله
يضع إصبع في إحدى عينيها، يقوم بصفعها، يطلب أن تضعه في حضنها ثم يتبول بكل ما أوتي من قوة
لم يفهم الأب كيف تحول هذا الصبي البريء إلى وحش مفترس مدلل
تمر الأيام وينتفخ بطن الأم، وتظهر سمنتها غير المبررة..
ينظر إليها الطفل بغرابة، يدور في فكره بالون العيد، البقرة.. وأشياء أخرى..
تزداد عدوانيته، بالنسبة إليه هو مجرد فضول فقط، ماذا يوجد بداخل هذه الكرة المنتفخة..
يغضب الأب ويتضايق من الولد الذي صارت أفعاله لا تطاق.. فتهدئه الأم.. إنها آثار الغيرة..
يبدأ الحديث عن وافد جديد سيحتل المهد الصغير وسيحظى بالاهتمام الكبير
يفكر الطفل في نفسه دون أن يحسن توظيف الكلمات لاستكمال فكرته
- الكل يتآمر، الكل يكره، باعوه بثمن بخس...
يلتفت إلى والديه سبا وشتما ووعيدا...
******************
كان صوتها يضرب في أعماقه، يمر إلى قلبه مباشرة دون أي حاجز
شعور غريب يجتاحه كلما اقترب منها، هي فتاة مميزة حقا، إنها ابنة الأقارب
من المدينة التي حلت ضيفة بالريف، هي مختلفة عن بنات عمه وعن أخواته
هي لا تمسك الخبز بيد وتنهشه وتمسح مخاطها في نفس الوقت، تسريحة شعرها غريبة
لا شك أنها لا تعاني من القمل الذي اكتسح رؤوس الصبيان في هذا الريف المعزول
يراقب تحركاتها من بعيد، يشعر بفضول لمعرفة أشياء عنها لم يستطع تحديدها
ينظر إليها وهو يقترب منها، يتمعن بشرة وجهها التي لازالت تنبعث منها رائحة الصابون
يمد يده نحوها ويلمسها بلطف ثم يولي هاربا بأقصى سرعته
قبل أن تصيح الفتاة المدنية بالشكوى والبكاء:
- واعععع واههههه، لقد ضربني.. ضربني ذلك الطفل..
يسمع الجميع صرخاتها، تفكر أم الصبي وتنعت الفتاة بينها وبين نفسها بالمدللة..
وتفكر أم الصبي وتنعت الطفل بينها وبين نفسها.. ناقص تربية، متشرد..
أما الجد والأب والأعمام، فيشعرون بالإحراج، ويحسون بأن تصرف الطفل هذا قد انتقص
من كرم الضيافة وأساء إلى سمعتهم..
تدور أفكار غريبة، من جلد ظهره، إلى نفيه، إلى عضه... إلى حرمانه من الطعام..
أما هو فقد اختبأ في الإسطبل تحت كومة من التبن، مسندا وجهه إلى كفيه ويفكر أفكارا غير مكتملة..
- سأعطيها حبة حلوى وأقبلها..
يعزم على ذلك فيخرج ويفعلها أمام الجميع دون تردد..
تتناول الفتاة حبة الحلوى.. يشرق وجهها وهي تبتسم، يضحك الجميع ويتناسون أفكارهم السابقة حياله..