هل نستمر في علاقة زوجية فاترة وباردة ومملة؟
الكاتب: د. جاسم المطوع
"فتور، برود، ملل، روتين" بهذه العبارات استفتح الرجل الحوار وهو يشرح طبيعة
علاقته الزوجية بعد عشرة دامت عشر سنوات، وهو يفكر الآن بالانفصال، فقلت له:
وهل كنت تظن أن مشاعرك وقت الخطبة وأول أيام الزواج ستكون مستمرة إلى نهاية
حياتكم؟! إن حياتك الزوجية ليست مسلسلا تلفزيونيا، وإنما تعتريها تقلبات في كل
الجوانب الصحية والتعليمية والتربوية، بل وحتى العواطف والمشاعر فهذه هي سنة
الحياة، فدوام الحال من المحال، وتقلب أيام الزواج كتقلب مزاج الإنسان، وأعرف أكثر
من حالة عاش الزوجان بفتور لزمن محدود ثم عادت المياه لمجاريها واستقر الحال،
فالزواج يحتاج إلى صبر وتضحية وأمل في التغيير.
والزوجان أمام فتور العلاقة الزوجية وروتين الحياة لهم موقفان: الأول من يستسلم
للفتور ويعتقد أن هذا الحال سيستمر مدى الحياة فيفكر بالانفصال كحالتك الآن، والثاني
من يبذل الأسباب بصيانة العلاقة الزوجية، والحفاظ على أبسط مستويات المودة بينهما،
مع بذل الأسباب لتنشيط العلاقة والسعي لعودتها كما كانت.
وهناك أفكار كثيرة لعلاج الفتور في العلاقة الزوجية منها وأهمها "تغيير أسلوب الحوار
بين الزوجين"، فبدلا من أن يتحاور الزوجان بقولهم "كيف حالك؟ وكيف برنامجك؟
وكيف عملك؟ وأين الأولاد؟ وماذا فعلوا؟"، فهذه الأسئلة عندما نكررها كل يوم بنفس
الصيغة فإن الحياة تصبح مملة ونشعر بالروتين والفتور، والبديل الذي يعالج مشاعر
الفتور أن نخصص أول ثلاث دقائق من اللقاء بالحديث عن أنفسنا ومشاعرنا، بدلا من
الكلام عن الآخرين أو الأبناء، فنقول مثلا "أنا مشتاقة لك، أو كنت أفكر بك كثيرا اليوم،
أو الحمد لله على سلامتك"، فتكون المقدمة عبارة عن حوار حميمي للتعبير عما في
النفس من مشاعر، قبل السؤال عن المشاكل والهموم والأنشطة اليومية، فيكون ذهنهما
إيجابيا لأي موضوع يفتح بعد ذلك، ومن الحلول كذلك تغيير الجدول اليومي بإدخال نشاط
جديد في الحياة مثل الرياضة أو السباحة أو السياحة أو زيارة مريض أو صلة رحم،
وأعرف حالة كانت تعيش فتورا زوجيا فاقترحت عليهما أن يصليا قيام الليل، وبعد مدة
تغيرت علاقتهما للأفضل، فالأفكار كثيرة.
قال: أنا لم أفكر بهذه الطريقة ولكني سأبدأ بتغيير الحوار من اليوم، وسأصرف نظري
عن فكرة الانفصال، ولكن عندي سؤال محير وهو ما الذي يجعل الزوجين على الرغم
من فتور علاقتهما يرغبان بالاستمرار في العلاقة إلى آخر حياتهما؟ قلت: هناك أسباب
كثيرة للاستمرار منها: الدين، فالدين يأمرنا بحسن العشرة والاستمرار فيها لتحقيق
أهداف أخرى تربوية ونفسية وجنسية وأخروية يحققها الزواج، والسبب الثاني: الأولاد،
وهم رابط قوي يشجع الزوجين على الاستمرار، والثالث: الأمل في التغيير، وهو سبب
رئيسي في الاستمرار، فالإنسان يتأثر بظروفه وبمن حوله، فلربما يتغير مع الوقت،
والرابع: سمعة الناس، فكثير من الأزواج يريد أن يبتعد عن شبح الطلاق وخاصة أمام
الناس، ويريد أن يحافظ على مكانته الاجتماعية، والخامس: ضغط الأهل، ففي كثير من
الحالات المهددة بالانفصال يكون الأهل سببا رئيسيا في تماسكها والحفاظ عليها،
والسادس: وجود مشاعر صادقة، فرؤية صدق مشاعر الطرف الآخر وأنه غير مخادع
يساعد في الصبر والتحمل والتضحية من أجله، والثامن: احترام التاريخ، وهذا يكون بعد
عشرة طويلة بين الزوجين وصبرهما على المر والحلو، والتاسع: إرضاء للوالدين،
ففي كثير من الحالات يصبر الزوج على زوجته بسبب محبة أهله لها أو العكس،
والعاشر: التعود، فالألفة والاعتياد على العلاقة الزوجية تكون سببا لاستمرار الحياة
حتى لو فقدوا الأنس بينهما، والحادي عشر: الغربة، كأن يعيش الزوجان في غربة عن
بلدهما فيضطران لاستمرار الحياة الزوجية، والثاني عشر: الخوف من المجهول، فما
الذي سيحدث لهما بعد الانفصال؟ فهذا السؤال يجعل الكثيرين يترددون في الانفصال،
وأخيرا: لا يوجد بديل، وكما قيل إن "الجود من الموجود"، أو "أمسك مجنونك لا يأتيك
أكثر جنونا منه"، فابتسم الرجل وقال: شكرا لك، ومن اليوم سألغي فكرة الانفصال
وسأبدأ بتجديد العلاقة وصونها بإذن الله.
صحيفة الكويتية
|