حرية التعبير في فرنسا تدافع عن خرافات اليهود وتهين مقدسات المسلمين
يزعم الفرنسيون الذين بنوا أسس نظامهم على مبدأي الدولة اليعقوبية والعلمانية أن
حرية التعبير مبدأ مطلق حملته الثورة الفرنسية بثالوث الإخاء والحرية والمساواة، لكن
الواقع يكذب تلك الحرية التي يتشدق بها الغرب فهي ليست للجميع ولا تباع بالجملة، بل
بالتقسيط حسب الأهواء والأذواق والميول التي تقول أن الحضارة الغربية على العموم
ذات مبادئ إغريقية رومانية فلسفيا ومسيحية يهودية دينيا وبالتالي فهي ليست للجميع.
تلك القاعدة العامة لحرية التعبير تفسخت منذ تم الاعتداء على الأستاذ فوريسون
وكسرت رباعيته كما كسرت رباعية محمد صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات،
بمجرد أن قام رفقة مجموعة من الأساتذة المختصين في التاريخ بتأسيس مجموعة
مراجعي التاريخ الذين قاموا بمناقشة التضخيم الذي طال محارق اليهود وأكدوا
بالمناقشة العلمية أن محارق اليهود وإن كانت واقعا تاريخيا، غير أن هذا الواقع خضع
لتهويل كبير، حيث لا يمكن لأفران صغيرة الحجم أن تفحم 6 ملايين يهودي في ظرف
وجيز، ومع أن البحث كان علميا تاريخيا، إلا أنه سرعان ما سقطت لعنة محاربة هؤلاء
المؤرخين بحجة معاداة السامية.
روجي غارودي، الفيلسوف الفرنسي الشهير كان أيضا محل استهداف وتغريم عندما
اقترب من دائرة مناقشة بعض هذه الأفكار التي رسخت عقدة ذنب لدى دول الغرب
وبررت تعويض بني اسرائيل بدولة في أرض فلسطين، شارك رئيس وزرائها بنيامين
نتنياهو في مسيرة الجمهورية في قلب باريس ويداه الملطختان لم تجفا بعد من دماء
500 طفل سقطوا في حرب غزة الأخيرة منذ نصف العام.
ثمة انفصام خطير في عقلية النخب الأوروبية، فمن جهة تعتبر الإساءة والسخرية
والاستهزاء برسول يتبعه 1.5 مليار مسلم بينهم قسم كبير من مواطنيهم بلا احترام
لأتباعه من بني البشر على الأقل، حرية للتعبير المطلقة هكذا يقول سياسيوهم ومثقفوهم
وإعلاميوهم حتى كاد العالم يصدق ذلك بيد أن حبل الكذب قصير في فرنسا بالذات منذ
إصدار قانون جايسو الشهير عام 1990 والذي أكد أن كل إنسان ليس إنسانا كما كان
يبشر جان بول سارتر وسيمون دوبوفوار في منتصف القرن الماضي.
وقانون جايسو يحظر مطلقا التشكيك في محارق اليهود ويعتبرها عملا عدائيا ضد
اليهود ومعاديا للسامية تقتضي التغريم والحبس لكل كاتب أو صحفي في شكل يوحي أن
صيانة مشاعر جزء من البشرية أفضل من نبي، بل أفضل من الحفاظ على مشاعر 1.5
مليار شخص صار من البلاهة اعتبارهم جزءا من هاته البشرية التي تطبق حرية التعبير
بالتقسيط وتروجه خطابا بالجملة!
السؤال الخطير: هل استطاعت شارلي إيبدو في يوم ما أن تمارس حرية التعبير المطلق
فيما يخص مراجعة التاريخ والمساس بمشاعر أبناء سام مثلما تستطيع التجرؤ على
ممارسة الإسفاف بمشاعر خمس سكان العالم من أبناء محمد؟ حتما هم يفرقون بين سام
ومحمد، وبين بني البشر، فكيف لا يفرقون إذن بين حرية تعبير لم تعد ملكا لجميع بني
البشر.
السؤال الأخطر: هل يعتبر هؤلاء أولئك الأتباع وفيهم جزء من مواطنيهم مولدا وعرقا
ونشأة جزءا من نسيجهم الثقافي والاجتماعي؟ طبعا لا، فمثلما تم التعامل مع هؤلاء دون
معرفة عاداتهم الاجتماعية والأسرية وتم إسكانهم في "عمارات الأشلام" الشهيرة دون
حسبان فضائهم التقليدي وبأسرهم كثيرة العدد وما نتج عنه من عزلة وتهميش وإقصاء
وعنصرية وضيق أفق وعنف، يتجه هؤلاء اليوم لتكريس صدام ثقافي خطير وتكسير
"مقدس الإسلام" بشكل سيؤدي لنهاية حرية الحياة بين الطرفين وليس فقط لنهاية
حرية التعبير؟
echoroukonline