همسات للاستمتاع برمضان 3
أم عبد الرحمن بنت مصطفى بخيت
@AmatulRahmaan
شهر رمضان
هو شهر لتجديد الروح
هو شهر لزيادة الإيمان
هو شهر التعلق بالقرآن
هو شهر لبداية عهد جديد مع الله عز وجل، عهد يستمر لما بعد رمضان
وهذا العهد لن يتحقق بكثرة الختمات ولا كثرة الركعات
بل سيكون بالعيش مع تلك الآيات واستشعار معانيها والتحليق معها في عالم آخر
ولم أجد أروع من هذه القصة والتي توصف بدقة كيف ينبغي أن يكون حالنا عامة مع القرآن سواء كان برمضان أو غير رمضان
فإليكن القصة
.
قالت أستاذتي: "هل رأيت نفسك وأنت تقرئين القرآن؟"
تمر السنوات ويبقى سؤال إحدى أستاذاتنا لنا عالقًا في ذهني
(هل رأيتِ نفسك وأنت تقرئين القرآن؟!)
لم أفهم مقصد السؤال حينها بالرغم من محاولة شرح إحدى رفيقاتي لي، لأنني حقيقة لم أدرك ماذا كانت تريد الأستاذة منا بالضبط !
.
لتأتي الإجابة من غير موعد ،
في حصة "التلاوة" في إحدى مدارس ثانويات التحفيظ،
كنت ضيفة في درس "معلمة قرآن متدربة"،
كنت مشغولة
بسير الدرس،
بإنتظامه،
بتكامل عناصره،
بتلاوة المعلمة وتلاوة بعض الطالبات
كنت أستمع إليهن وأنا مشغولة بأمور مادية بحتة
"كيف تصحح؟"
"هل حددت الخطأ"
"كيف كانت قراءة الطالبة؟ أنقصت زمن الغنة، زمن المد؟!"
.
حتى قرأت تلك الفتاة "إحدى الطالبات"
كنت مطرقة برأسي أتابع النظر بأوراق بيدي،
أحسست أن تلك التلاوة تلامس شغاف القلب،
أحسست أن الآيات تتسلل بهدوء وجلال في أعماق روحي،
لم يكن الصوت على قدر كبير من الجمال،
لكن كان إحساس صاحبته عاليا ساميا، حلق بنا جميعًا،
رفعت رأسي لأنظر إلى صاحبتنا الفتية،
لأرى منظرًا مهيبًا خاشعًا،
كانت مغمضة عينيها
وتقرأ بخشوع من حفظها على الرغم من أن المصحف مفتوح بين يديها وبالرغم من أنها حصة تلاوة،
لم تكن الآيات عن نعيم الجنة ولا عن عذاب النار ولا عن هلاك الأمم بل كانت عن تعظيم الرب جل جلاله وهذا الذي زاد تأثيرنا،
كانت تقرأ وهي مستشعرة عظمة الله وعظمة مخلوقاته،
ظهر جليًا على محياها استشعار ذلك وأساس عبادة الله تعظيمه ومحبته،
فمن أحب الله عظمه؛
.
انتهت من تلاوتها وشيء في داخلي لم ينته،
أهذا ما كانت تقصده أستاذتنا حينما سألتنا (هل رأيتِ نفسك وأنت تقرئين القرآن؟!)
هل نقرأ القرآن على أنه رسالة السماء إلى الأرض؟
على أنه حديث الرب لنا،
على أنه منهج حياة ونجاة
هل تستشعريه؟
هل تفهميه؟
هل تحسيه يخرج من قلبك وعقلك وفهمِك؟
أم نقرؤه "كأمر روتيني"، كعبادة اعتدنا عليها؟! ،
.
أحسست وأنا أرى ذلك المشهد أن هناك من يسير إلى الله عازمًا محبًا،
من يسبقنا إلى الله بخشوعه وتدبره وفهمه لكلامه سبحانه،
أدركت حقيقة "سير القلوب إلى الله"،
.
فتاة في زهرة العمر وفي هذا الزمن الذي يعج بالملهيات والفتن تدرك ذلك المعنى؛
بحق هل يا ترى سألنا أنفسنا كيف نقرأ القرآن
أو كما سألتنا أستاذتنا يومًا
((هل رأيتِ نفسك وأنت تقرئين القرآن؟!))..
.
هنا انتهت القصة لكني متأكدة أن أثرها لم ينتهي من قلوبكن
وسيتردد دوما في أذهانكن
"هل رأيت نفسك وأنت تقرئين القرآن؟؟"
.
أم عبد الرحمن بنت مصطفى بخيت
رمضان 1437