أسرة آل العظم في سوريا:
اشتهرت أسرة آل العظم في تضاعيف القرن الثامن عشر في سوريا، وقد كتب عنها كثيرٌ من المؤرخين، مثل ثريا بك في السجل العثماني، وجودت باشا في تاريخه المطول، ونعيما في تاريخه العثماني، وابن البرزنجي في كتابه "كشف الحجب والستور عمَّا وقع لأهل المدينة مع أمير مكة سرور" سنة ١١٩٤هـ / ١٧٨٠م، والبديري الحلاق الدمشقي في تاريخه "نخبة الفضلاء"، والمرادي في سلك الدرر، وكلها تذكر الأسرة وتترجم مشاهيرها الوزراء وأعمالهم، وبعضهم يذكرها باسم "عزيم أوغلي" مما يدل على أنهم كانوا من قبيلة بني عزيم في البلقاء، التي اشتهر منها شيخها إبراهيم في زمن السلطان سليم العثماني فاتح سوريا ومصر سنة ٩٢٣هـ/ ١٥١٧م، فاتخذه السلطان محافظًا لچول (برية) سورية ولقَّبَه آغا، ثم أخذ معه أولاده السبعة إلى الأناضول رهائن خشية أن يثور عليه مَن كان منهم وزراء، مثل عبد الرحمن باشا وحسن باشا دفين النمسا وفارس باشا ويوسف باشا وخليل باشا وإسماعيل باشا والآخر مات مجهولًا.
وصرَّح بعربيتهم الشيخ عبد الرحمن الفاسي المغربي في تاريخه المخطوط في مصر بعد سنة 1100هـ، فذكر وفاة أحدهم، وقال: "إن هذا اللقب من الدولة، وإنما أصلهم عربان من بادية الشام" ومما يرجح عروبتهم أنه لا أثر لهم في قونية وبين عشائر الترك، حتى إنهم لا يعرفونهم، وقيل: إنهم أتراك من الأناضول، ولله أعلم.
وقد نشأ منهم في قونية أخوَانِ باسِلَانِ، وهما قاسم بك العظم الملقَّب بأبي كتف الذي لم يعقب، وشقيقه إبراهيم بك جد الأسرة العظمية الحاضرة في دمشق وحماة ومعرَّة النعمان، وكان إبراهيم فلاحا وجنديا عثمانيا، وقد امتلك عددا كبيرا من الأراضي في المعرة وريف حماة، إلا أنه قُتِل في هجوم للبدو التركمان على إحدى أراضيه في معرة النعمان، وخلفه ولداه إسماعيل وسليمان، وكان لآل العظم وكيل يرعى مصالحهم في إسطنبول يدعى خليل أفندي فتوسط لهم عند الصدر الأعظم والسلطان، فصدر أمر بجعل إسماعيل بن إبراهيم بن العظم أميرا على حماة والمعرة، ثم بوساطة من والي حلب عارفي أحمد باشا، أعطي إسماعيل طوغين ورقي إلى رتبة البكلربكية وأصبح واليا على طرابلس، وكسبت الأسرة بذلك نفوذا كبيرا لدى العثمانيين وحظيت باحترام السلطان نفسه.
وحدثت في دمشق سنة 1725م ثورة عارمة تزعمها الأهالي ضد مظالم الوالي عثمان باشا أبي طوق، ووجد الثائرون الحماية في خليل أفندي البكري نقيب الأشراف، ووقف السلطان أحمد الثالث (1115 - 1143هـ/ 1703 – 1730م ) في صف الأهالي فخلع عثمان باشا وعوضه بإسماعيل باشا بن العظم، ليبدأ بذلك عهد آل العظم في دمشق. وقد أكسبته السنوات الخمس التي حكمها (1725 – 1730م) سمعة منقطعة النظير لدى الباب العالي، فمنحت المناصب تباعا لأفراد عائلته وأولهم أخوه سليمان باشا الذي منح ولاية طرابلس ثم الرقة ثم صيدا، ثم إبراهيم باشا بن إسماعيل باشا على طرابلس، وأسعد بن إسماعيل باشا الذي عين متسلما على "مالكانات" العائلة في حماة وحمص ومعرة النعمان، كما عين ياسين بك بن إبراهيم بن إسماعيل متسلما على اللاذقية، وامتد بذلك نفوذ آل العظم على الرقعة المنحصرة بين العريش وحلب بشكل كامل.
لكن ثورة الانكشارية في إسطنبول سنة 1730م والتي أعقبها خلع السلطان أحمد الثالث أحدثت تغييرا شاملا في العاصمة، وانعكس هذا التغيير على مصير آل العظم، ففقد وكيلهم خليل أفندي نفوذه بعد قتل الصدر الأعظم ووصول موظفين جدد إلى السلطة، مما أفقد العائلة مكانتها وصدرت الأوامر فورا بعزل جميع الحكام من بني العظم ومصادرة أموالهم ، وبالفعل نفذت الأوامر وسجن إسماعيل باشا وجميع أبنائه وأحفاده وأخوه سليمان باشا، لكن لم تمض سوى سنة واحدة حتى أطلق سراحهم جميعا، وأرسل إسماعيل مع أولاده إلى جزيرة كريت التي عين واليا عليها حيث توفي مباشرة إثر نزوله فيها.
وقد اشتهر من أبناء إسماعيل كل من: أسعد وسعد الدين ومصطفى وإبراهيم.
وقد تسلسل من آل العظم وزراء مهمُّون أربوا على بضعة عشر، تولَّوا شئون سورية وضواحيها وبر الأناضول، ولكثير منهم أعمال خطيرة، مثل: بناء المدارس، وتأسيس المكتبات، وحفظ الأوقاف، وتشييد الأبنية، وتقريب الشعراء والعلماء الذين مدحوهم وألفوا لهم بعض الكتب وكتبوا لهم.
وقد أخلص بنو العظم للدولة العثمانية كل الإخلاص حتى أمنتهم ووسدت إليهم الأحكام في الشام وتركتهم يعملون ما يشاءون، وجاء دور وهم حكامها من أقصاها إلى أقصاها، ويبدو أن الأسرة قد وصلت في عهد أسعد باشا إلى ذروة نفوذها، قال الأمير حيدر الشهابي في حوادث سنة 1147هـ: "انتقل أسعد باشا العظم من صيدا إلى إيالة دمشق وكان واليًا عليهما منذ سنة 1143هـ، وتولى إيالة صيدا أخوه سعد الدين باشا والي طرابلس، وتولى طرابلس سليمان باشا العظم، وقويت شوكة بني العظم في بلاد العرب وعظمت دولتهم". وبذلك صارت معظم أراضي بلاد الشام في يد آل العظم. قال فولنيه الرحالة الفرنسي: "إن بني العظم كانوا من أحسن من جاء دمشق من الولاة".
النشأة في دمشق:
هو الوزير أسعد باشا بن إسماعيل باشا بن الأمير إبراهيم بك العظم، من كبار ولاة الدولة العثمانية عهد الخليفة العثماني محمود الأول (1143 – 1168هـ/ 1730 – 1754م)، وُلِد في دمشق سنة ١١١٣هـ / ١٧٠١م، وكان والده إسماعيل أول من دخل الشام من أسرة آل العظم، جاء من قونية لدمشق واستوطنها إلى أن توفي فيها تاركًا ثلاثة أولاد: سعد الدين، وأسعد، ومن سلالتهما آل العظم في دمشق وحماة، وإبراهيم وسلالته في معرَّة النعمان.
وكان أسعد أكثر ذكاء وألمعية من أخويه حتى صار وكيلًا لأبيه في حال غيبته، وكان إسماعيل باشا والد أسعد مكلَّفًا ببعض أمور الدولة العثمانية المالية، فاتُّهِمَ وابنه وأوقفا، ثم أُفرج عنهما بعد ظهور براءتهما.
أشهر ولاة الدولة العثمانية:
وحينما أنعمت الدولة العثمانية على عمه سليمان باشا بمالكانة حماة وتوابعها؛ ذهب أسعد مع عمه سليمان باشا وأظهر نشاطًا عمرانيًا، فعمّر كثيرًا من الدور والخانات والحمامات، فأنعمت عليه الدولة لقاء ذلك برتبة "رومللي" وصار جرداويًا لأمير الحج علي باشا الوزير سنة 1153هـ، ثم نال باشوية صيدا، ولم يستطع الإقامة بها فاستقال، فنقل إلى حماة سنة 1154هـ، ثم نال رتبة الوزارة سنة ١١٥٦هـ / ١٧٤٣م، وعُيِّنَ في نفس سنة 1156هـ واليًا على دمشق بعد وفاة عمه سليمان باشا، وكان أمير الحج أيضًا. ودخل دمشق من مسجد الأقصاب بموكب عظيم من الإنكشارية وأكابر دمشق وأعيانها.
وبقي في دمشق خمس عشرة سنة، ثم عزل عنها، ثم عُيّن واليًا على حلب، ثم صدر فرمان (مرسوم) للذهاب إلى مصر واليًا، فتمسك به أهل حلب، وطلبوا ذلك من الدولة العثمانية فبقي بحلب إلى أوائل سنة 1171هـ / 1757م، ثم عزل وعُيِّن واليًا على "سيواس" فالتحق بها مكرهًا في أواخر ربيع الأول.
وقال الشهابي: "إن أسعد باشا العظم بنى أبنية عظيمة في دمشق وجمع مالاً لا يحصى وسار بالحج مرات، فأنعمت عليه الدولة العلية برتبة علامة الرضى وأمرت أن لا يشهر عليه سلاح ولا يقتل، ثم أرسلت إليه فقتلته في الحمام طمعاً بكثرة أمواله وضبطت ماله وأملاكه".
عبقرية أسعد باشا العظم:
كان أسعد باشا عبقرية شامية من الطراز الأول، ودرس العلوم واللغات على عادة عصره، فحذق التركية والفارسية والعربية وألمَّ ببعض العلوم والآداب، وولع بجياد الخيل والأبنية فأكثر منهما، قال الشهابي: "كان جليلاً عاقلاً حسن التدبير، مولعاً بالخيل الجياد حتى قيل: إنه كان عنده خمسمائة فرس من جياد الخيل لأجل ركوبه". وقال ابن ميرو في ترجمته لأسعد باشا العظم: "كان محمودًا في ولايته وأهل الشام في زمانه في راحة وأمن وطمأنينة"، وكان شجاعًا بطاشًا، حازمًا، فاستتب الأمن في عهده، وقضى على الفوضى والتجاوزات التي كانت قبل ولايته، وقضى بعد ذلك على الزُّعَّار الباقين في المدينة، وساعده على ذلك مشايخ الحارات والأئمة تحت طائلة العقوبة.
وقد ازدهرت الشام في عهد أسعد باشا لنمو المبادلات التجارية بين التجار الفرنسيين في ساحل بلاد الشام الجنوبية والتجار الدمشقيين، ونشطت تجارة المنسوجات الدمشقية التي ازداد طلبها، كما أن توفير أسعد باشا سلامة الحجيج طوال عهده شجع الحجاج على الذهاب إلى الحجاز بأعداد كبيرة، وازداد عدد التجار المرافقين لقافلة الحج، فأفادت دمشق من ازدهار التجارة في أثناء التجهيز لموسم الحج.
الحاج أسعد باشا:
كانت إمارة الحج الشامي قد منحت لولاة دمشق منذ 1671م، بعد أن كانت سابقا تمنح لأمراء عجلون والكرك. ولم يحج وال ولا وزير طوال التاريخ العثماني كما كان حال أسعد باشا العظم، فبوصفه "أمير القافلة الشامية" فقد خرج في كل سنة من سنوات حكمه الأربعة عشر على رأس القافلة، ليحج إلى البيت الحرام، وليس هناك من دليل على مدى قوة هذا الوالي من كون القبائل العربية الممتدة على طول طريق الحجاز، لم تتجرأ نهائيا على مهاجمة القافلة في عهده، وذلك طوال السنوات التي حكمها، بينما كانت قوافل الحجيج تهاجم قبل عهد آل العظم تقريبا في كل سنة، ويقع ما يقع فيها من السلب والنهب، بل إن الحجام بمجرد عزل أسعد باشا سنة 1757م، تعرضوا لكارثة عظمى في عهد الوالي حسين باشا بن مكي، سجلها البديري في يومياته.
أعمال أسعد باشا العمرانية:
كانت لأسعد باشا العظم أوقاف عظيمة وخيرات كثيرة، قال ابن ميرو: "إنه لما وسدت إليه الدولة مالكانة حماة سار فيها سيرة حسنة وعمَّر بها خانات وحمامات وبساتين ودوراً ليس لذلك كله في البلاد الشامية نظير". فمن أوقافه "خان أسعد باشا" في دمشق وهو قرب داره في البزورية، وبناء مقام السيدة زينب بظاهر دمشق، وجسرالكسوة. ومن أبنيته الخان الشهير في معرَّة النعمان لأبناء السبيل، والخان والحمَّام والبِرْكة العظيمة لأبناء السبيل أيضًا في خان شيخون قرب المعرَّة، والخان لأبناء السبيل ودار الحكومة في حماة، وفيها قاعة فخمة حجمها نحو ربع القاعة الكبرى في قصره بدمشق، ولكنها أجمل نقشًا قد حُفِظت بغاية النظافة والدقة حتى كأنها خارجة الآن من تحت أيدي الدهَّانين والمزوِّقين، وفيها حوشة حماة في ذلك العهد. والبِرَك العظيمة والقِلَاع المتينة التي بناها في طريق الحج منها في المعظم والأخضروالفحلتين، وقلعة المداين التي أرَّخَها شاعره الشيخ سليمان بن أحمد المحاسني الدمشقي بقوله، من أبيات سنة ١١٦٨هـ / 1755م:
حـادي الإشـارة قد أتانا معلنًـا *** فـي بيـت تاريخ يصوغ شـذاه
حصن المدائن قــد بنـاه أسعد *** في أمــــــر محمود أطيل بقاه
عدا ما أجرى من الخيرات والمبرَّات في مكة والمدينة وبقية المدن التي تولَّى شئونها، وأهمها داره في دمشق وخانه قُرْبَها. وقد ازدادت ثروة أسعد باشا على مرور الزمن، ويدل بناؤه خانه المشهور في البزورية في 1166هـ /1752 - 1753م، على الحالة الاقتصادية النشطة في دمشق.
خان أسعد باشا العظم:
ومن الآثار التي خلَّدت اسمه على الأيام وتشهد برقي الزخرفة والهندسة الشامية في القرن الثاني عشر القيساريةُ المعروفة بخان أسعد باشا في سوق البزورية التي قال عنها الشاعر الفرنسي لامارتين "إنها من أجمل قيسارات الشرق، وأن قبابها ذكَّرته بقباب كنيسة القديس بطرس في روما".
قصر العظم:
رمم أسعد باشا العظم كثيرًا من الجوامع والمدارس والمزارات وأصلحها، وبنى خانات عدة في حماة والمعرة وخان شيخون، ونسب إليه بناء دار كبيرة في حماة.
وفي عام 1163هـ/ 1749 - 1750م بدأ أسعد باشا بإنشاء قصره المشهور في البزورية وانتهى من بنائه في العام التالي، وقد كان آية في الروعة وفن العمارة، وأنفق أسعد باشا على بنائه كثيرًا من المال والجهد، وجَنّدَ إمكانات فنية وموارد اقتصادية كبيرة لذلك.
ولم يكن قصر أسعد باشا العظم بدمشق محضٍ بناءٍ عادي، إذ لم تشهد بلاد الشام في العهد العثماني قصرًا لوالٍ حكمها بمثل هذه الفخامة. ويدل بناؤه على مقدار النفوذ الذي بلغه أسعد باشا وأسرته في الشام.
والجدير بالملاحظة أن الأبيات الشعرية الموجودة اليوم على جدران قصر العظم وسقوفه لا تذكر اسم السلطان العثماني، وتكتفي بتمجيد أسعد باشا وذكر نعم الله عليه.
ويجد رواد القصر اليوم نقوشًا ماثلة على الجدران، منها:
حمدًا لمن منح الإحسان والجودا *** وشكره خلّـد النعماء تخليـــــــدا
ووفق البطل الكـــــرّار أسعد من ***أولاده مولى الورى نصرًا وتأييدا
ونجد أيضًا على بعض الجدران:
يــا أسعــد الحــظ ويا من لـه *** فــي ذروة المجــد مقــام كـــــبير
ساعدك الرحمن رب السمــــا *** ودمـــت محروس الجناب الخطير
عمـرت بالتقـوى ديـار الهنا *** ومأمــن اللاجِـئ ومـن يستجـيـر
إلى أن ذكر:
بيت أتى تاريخه للمنـى *** شيده أسعد باشا الوزير
حمام الأسعدية:
بُنيَ عام 1144هـ /1731م حيث بناه أسعد باشا العظم والي حماة آنذاك, يقع الحمام في وسط سوق المنصورية أو سوق الطويل. يمتد بناؤه بشكل طولاني ( شرق غرب) متعامداً مع محور السوق،
وهو من أكبر حمامات الشام، التي بنيت في العهد الإسلامي.
خزانة مدرسة الخياطين:
وخزانة مدرسة الخياطين، وقفها أسعد باشا العظم بعد سنة 1165هـ / 1752م، وكان مقرها بمدرسة والده إسماعيل باشا العظم.
اغتيال أسعد باشا العظم:
أصيب نفوذ آل العظم بضربة موجعة حين توفي السلطان محمود الأول سنة 1168هـ / 1754م وخلفه السلطان عثمان الثالث، حيث جرى تغيير كبير في موظفي الدولة، ووصل راغب باشا إلى مرتبة الصدارة العظمى، وأصبح أحمد آغا أبو قوف في منصب الكزلار آغا، وكان الرجلان عدوين شخصيين لأسعد باشا وكلاهما يكره آل العظم، وحين حلت سنة 1171هـ / 1757م عُزل أسعد عن دمشق، ونقل إلى حلب، وعُزل أخواه سعد الدين ومصطفى عن طرابلس وصيدا، وبمجرد وصول أسعد باشا إلى حلب جاءه فرمان بعزله عنها وتوليته على مصر، لكن الأهالي في حلب رفضوا خروج أسعد باشا وأبقوه بالقوة، ويدل هذا على النفوذ الذي بلغه آل العظم حتى في حلب التي كانت خارج نطاق حكمهم، ولتهدئة الوضع قامت الدولة بتعيين أخويه سعد الدين ومصطفى على ولايتي مرعش والموصل، قبل أن ترسل فرمانا جديدا بعزل أسعد وتوليته على سيواس، وقد أطاع الباشا أوامر الدولة رغم نصائح مستشاريه الذين طالبوه بالعصيان والتمرد ، فانتقل إلى سيواس وما إن حل بها حتى أصدرت الدولة أمرا باعتقاله، وبينما هو في الطريق إلى أنقرة أرسلوا إليه من اغتاله في الحمام بمدينة روسنجق في 5 شعبان 1171هـ / 14 أبريل 1757م، وصودرت أمواله. وأعقب ابنةً تزوَّجها ابن عمها محمود باشا. وأثنى عليه المرادي وغيره من مترجميه.
وقد كان سبب تغير الدولة على أسعد باشا فتنة نُسبت إليه زورا، قام بها العرب على ركب الحج في عهد خلفه حسين باشا مكي، فقد قتل البدو عددا كبيرا من الحجاج في يوم 10 صفر 1171هـ/ 24 أكتوبر 1757م، ونهبوهم بطريقة غاية في البشاعة. وقد أثار الحادث الأليم استياء الدولة العثمانية والرأي العام الإسلامي بأكمله، أما حسين باشا فقد هرب ولم يسمع له ذكر بعد ذلك، وقد وجد العثمانيون الفرصة مناسبة للتخلص من أسعد باشا فاتهموه بإغراء بني صخر بالهجوم على المحمل انتقاما لعزله عن ولاية الشام، ولذلك أرسلوا من اغتاله في التاريخ المذكور سابقا.
لكن الدولة عادت بعد ذلك وبرأت أسعد باشا العظم من التهمة حين ألقي القبض على الكزلار آغا أحمد أبي قوف وقطع رأسه، فاعترف الباب العالي بكون اغتيال أسعد باشا واتهامه بالتحريض على الحجاج كانت مجرد دسيسة من الكزلار آغا.
وهكذا برأت الدولة العثمانية رجلها المخلص أسعد باشا العظم من هذه التهمة الخطيرة، وأبقت بذلك صفحته بيضاء ناصعة في ذاكرة التاريخ، ورغم أنها لم تنصفه في حياته بعد أربعة عشر سنة من الولاية حفظ فيها الأمن والأمان وحمى قافلة الحج من أي اعتداء، إلا أنها أنصفته بعد مماته.
وعلى الرغم مما وصل إليه أسعد باشا العظم من مكانة تدل على عبقريته في الحكم والسياسة لأمور الشام في القرن الثاني عشر، أهمله المؤرخون، ولم يتوسعوا في منجزاته وسيرته، وكان جلّ اعتماد المؤرخين المعاصرين على ما أورده الحلاق البديري في يومياته الشامية.
منقول