مملكة ماري
تُعرف مملكة ماري بأنّها من الممالك السورية القديمة، وقد ازدهرت هذه المملكة في الألفيّة الثالثة لما قبل الميلاد، وأثارت الحضارة التي قامت عليها دهشة وإعجاب العالم القديم، حيث بُهر بالقوانين التي تحكمها، وتطوّر المملكة وازدهارها وتجارتها.
تأسيس المملكة
تمّ تأسيس هذه المملكة عن طريق سُلطةٍ ملكيّةٍ، اجتماعيّة وسياسيّة معاً، إذ كان لتلك السلطة حضورها القوي ومكانتها المدعومة في المنطقة الواقعة على ضفاف نهر الفرات في سوريا، حيث تمّ قيام حضارةٍ تُعدّ غاية في العراقة، متأصّلة الجذور، ذاع صيتها بين الحضارات، فتفوّقت عليهم، وكان لهذه المدينة دور هامّ في الطريق التجاري داخل سوريا، والذي يتبع مسلك نهر الفرات. كانت مدينة ماري عبارة عن ميناء على نهر الفرات، ترتبط معه بقناة تمّ تجهيزها للملاحة النهرية، ولاستقبال السفن والمراكب التجارية، وبسبب موقعها، قامت فيها حضارة تُعدّ من أهم حضارات العالم قديماً.
الوثائق والمخطوطات المكتشفة
تم العثور في مدينة ماري على العديد من المخطوطات والوثائق، والتي تُشير إلى كمّ التطور الهائل والرقيّ الذي ساد المملكة في ذاك الوقت، ومن هذه الوثائق رسالة موجهة من حاكم المملكةِ إلى ابنه، حيث ورد في هذه الرسالة مثلاً شعبياّ مايزال دارجاً حتى يومنا هذا رغم أنّ عمر الوثيقة يتجاوز الأربعة آلاف عام، ويقول هذا المثل : (الكلبةُ من عجلتها ولدت جراءً عمياناً). كانت بيوت المملكةِ مصنوعةً من اللَّبن، وتشبه إلى حدٍّ كبير البيت الدمشقيّ القديم، وكانت المملكة تحوي جمعيات ونقابات منظّمة، كما كان في المدينةِ عددٌ من الفرق الموسيقيّة. عُثر أيضاً على وثائق تقدم معلومات عن المساكين والفقراء في المدينة، وأطلق على هذه الوثائق اسم (الموشكينوم) أي المساكين، وهذا يدل على الجانب الإنساني الذي كان يتحلّى به شعب المملكة. في مجال الصناعات والحرف التي اشتهرت بها المملكة، فقد أظهرت تلك الوثائق بأنّ المملكة عملت على ابتكار وإنتاج أحد عشر نوعاً من الزيوت، وعدة أنواعٍ من العطور بلغ عددها عشرة أنواع، حيث أشار المؤرخ الفرنسي (جان بوتيرو) إلى أنّ الوثائق التي تم العثور عليها تبين بأنّ ورشات مملكة ماري كانت تنتج أكثر من ستمئة ليتر من العطور شهرياً، حيث يتمّ تصدير هذه العطور إلى كافّة البلدان، بالإضافة إلى أنّها تحتوي على مستودعاتٍ للثلج. أيضاً تشير الوثائق التي تم العثور عليها، على وجود ستة وعشرين نوعاً من المجوهرات والحلي، وواحدٍ وثلاثين نوعاً من أواني الشراب، وواحدٍ وعشرين نوعاً من الألبسة الداخلية، كما كانت تستخدم فيها الستائر والبطانيات وأغطية للأسرة.
نهاية المملكة
أدت وفاة الملك (شمشي آدد) ملك آشور، إلى تبلور الفاعلية العمورية عبر حمورابي في بابل، حيث ضمّت لها آشور، ومن ثمّ بلاد بعل يموت في بلاد الشام، وأدّى هذا الأمر إلى ضعف مملكة ماري وأفول نجمها وذلك في العام ألفٍ وسبعمئةٍ وستين لما قبل الميلاد، فخبت حضارة المملكة بعد أن بقيت لأكثر من ألف عام منارةً للحضارة الاقتصادية والاجتماعية والروحية والمادية.