كما ضمنها النبي وأصحابه
هذه حقوق النصارى في الإسلام
لم يسع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبدًا إلى إقصاء غير المسلمين أو تقتيلهم أو إرهابهم أو التضييق عليهم بل كان حتى مع أعدائه من مشركي قريش رحيمًا كريمًا وتجلى ذلك في مواقف كثيرة ذكرتها السيرة النبوية المطهرة لتكون نموذجًا عمليًا للمسلمين ممن كانوا يرجون الله واليوم الآخر.
وفي عام الوفود قدم وفد من نصارى نجران يلبسون جبب وأردية فدخوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلون فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: دعوهم فصلوا إلى المشرق.
هكذا كان تعامل الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله مع غير المسلمين أتاح لهم إقامة شعائرهم حتى في مسجده الشريف.
وبذلك جاءت السنة النبوية الشريفة بمنع هدم الكنائس والاعتداء عليها فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: أنّ لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ألّا يُغَيَّرَ أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته ولا كاهن عن كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين.
وعلى هذا النهج سار الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام فقد كتب سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهدًا إلى المسيحيين في بيت المقدس عام 15 هجريًا فيما يسمى العهدة العمرية.
وبعد أن أتم بنودها أنهاها بقوله: وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين. شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وكتب وحضر سنة خمس عشرة.
وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات كفل لهم حرية أداء شعائرهم فقال: ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلاة وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم.(الخراج لأبي يوسف ص 146).
والمتتبع لكتب المؤرخين نجدهم قد ذكروا أنه في مصر قد بنيت عدة كنائس في القرن الأول الهجري مثل كنيسة (مار مرقص) بالإسكندرية ما بين (39 - 56 ه). كما بُنِيت أول كنيسة بالفسطاط في حارة الروم في ولاية الصحابي مسلمة بن مخلد على مصر بين عامي (47 - 68 ه) كما سمح عبد العزيز بن مروان حين أنشأ مدينة حلوان ببناء كنيسة فيها وسمح كذلك لبعض الأساقفة ببناء ديرين.
وأما قول بعض المرجفين المتطرفين بأن العهد الذي كان بيننا وبينهم إنما هو عهد الذمة وقد زال هذا العهد فلا عهد لهم عندنا فهو كلام باطل لا علاقة له بالإدراك والفقه فالمواطنة مبدأ إسلامي أقرَّته الشريعة الإسلامية منذ نشأتها وهو ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وثيقة المدينة المنورة التي نصَّت على التعايش والمشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبارات أخرى ومن ثَمَّ فهذا العقد من العقود والعهود المشروعة التي يجب الوفاء بها.