بالرَّغم من أنّ كلمة الوطن تتألّفُ من ثلاثة حروف إلا أنّ لها العديد من المعاني العظيمة، فهو بمثابة البيت الدافئ الذي تعيش فيه الأسرة، فيشعر فيه أفرادها بالأمان والراحة، ويمارسون فيه حياتهم، ومهما طال غياب الفرد عن هذا المكان فإنه يشعر بالحاجة إليه ليستشعر المعنى الحقيقي للاستقرار، ومن الطبيعي أن يتنامى حب الوطن في الإنسان مع مرور الأيام، فهو يولد فيه غير مدرك لماهيّته وأهميته له، وشيئًا فشيئًا يبدأ الإنسان باكتساب لغة وطنه التي تسمى اللغة الأم، ويتعرف على البيئة من حوله والتي يمارس فيها نشاطاته اليومية، وبعد ذلك يشتد عوده ليكون الشجرة التي تُثمر خيرًا في هذا الوطن، ليستفيد منها جميع الأفراد الذين يعيشون تحت سمائه.
موضوع اخر:
برجي اليوم
وفي بعضِ الأحيان قد يُرغَم الإنسان على العيش خارج وطنه، وعندها يكون هناك العديد من الأسباب التي تدفعه إلى ذلك، فبعض الناس يسافر إلى خارج وطنه للبحث عن فرصة عمل أفضل، أو لتلقي التعليم الضروري لبلوغ مرحلة تعليمية محددة، وقد تحدث الهجرة إلى خارج أرض الوطن بسبب بعض الظروف الطبيعية النادرة كالأعاصير المدمرة، أو البراكين المتفجرة، أو الزلازل التي تؤدي إلى تسوية المباني السكنية بالأرض وتُهلِك العمران، أو بعض الحروب التي تأتي على الأخضر واليابس فلا تبقي ولا تذر من ذلك شيئًا، فيجد الإنسان نفسه مُرغمًا على البحث عن مكان يكون أكثر أمنًا ليتمكن من الحفاظ على حياته وممارسة نشاطه فيه بشكلٍ طبيعيّ.
وقد ضرب لنا الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم مثال في حب الوطن، فحين فرَّ بدين الإسلام إلى المدينة المنورة هو ومن آمن معه من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- وفي يوم الهجرة تحديدًا كان موقفه الشهير عندما غادر مكة التي كانت تعتبر بمثابة وطنه الحقيقيّ الذي عاد إليه مبتهجًا يوم فتحها، فقال والدمع يملأ عينيه الشرفتين بأن مكة أحب البلاد إلى قلبه ولولا أن أهلها أخرجوه منها لما خرجَ أبدًا، وهذا يدل على مكانة مكة في قلب النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- وكيف أن علاقته كانت متوطدة بالأرض التي ولد فيها وبُعث بالنبوة فيها وعاش فيها بداية انطلاقة الدعوة الإسلامية التي ملأت أرجاء الأرض فيما بعد نورًا وهدايةً ورحمةً.