تختلف ولاية غرداية في الحفاظ على ما تبقى من أرث صنعة "الدكاكرة" أوما يسمى
"عربات الحمالة على الحيوان"، التي عرفتها مناطق وأقاليم سهل وادي ميزاب منذ
أكثر من 1000 سنة، عن غيرها من المدن والمناطق الجنوبية ومازالت هذه المهنة
التي شاركت ـ حسب مصادر تاريخية - في تشييد العمارة الرستمية بالمنطقة،
والمتمثلة في القصور السبعة العتيقة.
"الدكاكرة" عبر مراحل متسلسلة من الزمن كانت المهنة، إلى وقت ليس بالبعيد حكرا
على الشركات العمومية، مكانها الطبيعي وبمزايا أهلتها إلى أن تكون هيئة عرفية
بسهل وادي ميزاب، تنشط تحت إمرة جمعيات شعبية تعنى بشؤون المواطن والمحيط
بالمنطقة، وتأخذ مهامها في إطار مقنن من مصالح بلديات الولاية، التي حتمت عليها
ظروف العجز ـ المسجل ضمان نظافة المناطق الداخلية بالقصور والحارات العتيقة
ذات الطابع العمراني الخاص ـ الاستنجادَ بفئة الدكاكرة في إطار برامج التشغيل كجهاز
يتولى عملية جمع النفايات، بما يضمن جمال المدن والتجمعات السكنية، القناتة
زاحمت أسطول الجيش في رفع أنقاض فيضان مساح 2008 .
ليس غريبا أن تكون مخلفات كارثة فيضان أكتوبر سنة 2008 بغرداية، قد حملت
كل انواع اللوحات التضامنية لمحو اثأر الكارثة وقتها، أن يكون "للدكاكرة" مكان
ليس بالبعيد من آليات أسطول فرق الهندسة التابعة للجيش الوطني الشعبي، أين رفع
أصحاب "القناتة" التحدي في الدخول إلى عمق المناطق المعزولة في الأيام الأولى
للكارثة، بعدما ضغطت الأوضاع بثقلها على نفوس سكان الأحياء الشعبية "كحي
الغابة وبابا السعد والحاج مسعود وجل القصور"، التي مستها السيول وما نتج عنها
من تراكم للردم في وسط المداخل الضيقة للبيوت، وغلق مناطق بكاملها، حيث تطلب
الوضع الذي عجزت عن معالجته السلطات وقتها، جيش من "الحمالة" تم تسخيره
ضمن برامج التشغيل الاستثنائية التي خصصتها الحكومة في ظل غياب المشاريع
التنموية المبرمجة من طرف السلطات المحلية للتكفل بشباب المنطقة البطال، وحتى
أرباب الأسر المعوزة ـ وما أكثرهم ـ الذين لم يجد بعضهم حينها سوى ولوج عالم
"الحمالة" لإعالة أفراد عائلته.
احتراف المهنة بعد الكارثة
تكشف لك تصريحات غالبية الذين وجدوا ضالتهم المنشودة في مهنة "الحمالة" بعد
مضي سنوات عن كارثة سيول طوفان الأربعاء الأسود بغرداية، أنك تتعامل مع
محترفين أنقذوا أبجديات هذه الصنعة القديمة، وأصبحوا يفضلونها عن غيرها من
المهن ومناصب العمل المحدودة بالمنطقة، فيكفي أن يتسن لك الظفر بزبون أو اثنين
في اليوم ـ يقول الدكاكرة ـ ولا يهم السعر، فقد شهد أحد من تحدثنا إليهم من هؤلاء
أن بين زبائنه من يدفع مبالغ متواضعة قد تصل إلى سقف 300 دج مقابل الحصول
على عربة نقل تقليدية تتماشى وطبيعة العمران، داخل قصر مليكة مثلا، والمناطق
الحضارية بعاصمة الولاية غرداية.
تقنين المهنة ومنح الترخيص لمن يريد احترافها
أضحى بإمكان أي شخص طبيعي أو معنوي يريد ولوج عالم "الدكاكرة" عبر الطرق
القانونية المؤمنة بتراب الولاية، أن يباشر في تحضير ملف يودع لدى مصالح مكتب
التشغيل بالبلديات، من أجل مباشرة نشاط جمع النفايات الخاصة، شريطة أن يحدد
طبيعة الوسيلة المستعملة في ذلك، وتحديد مناطق النشاط المقتصرة على المناطق
والقصور القديمة، إضافة إلى ضرورة تسمية رمز النفاية المزمع جمعها، وضبط قائمة
العمال المكلفين بعملية "الحمالة" داخل المحيط الحضري، مع مراعاة جميع التدابير
التقليدية المتعارف عليها في هذا الميدان بسهل وادي ميزاب المتخذة منذ قرون،
لتفادي أي تقصير قد يواجه الوافدين الجدد على المهنة، ويشارك في الإخلال بنظام
حماية المحيط بالطرق المعهودة، ويتسبب في خطر غير مقصود قد يهدد حياة
المواطن والبيئة في مدينة غرداية إلى الخطر الأكيد.
المصدر: صحيفة الشروق اليومي
آخر تحديث : 2012/10/04 على 18:19