الواد وحجارو!
جملة خطيرة قالها الوزير الأول، عبد المالك سلال، خلال وقوفه منتشيا بمصادقة
الأغلبية المشكوك في شرعيتها بالبرلمان على برنامج حكومته.. والجملة كانت آخر
كلامه، ولكنها الأكثر إثارة للانتباه، ومدعاة للتأمل والقراءة والتأويل، حين استعمل
مثلا شعبيا يقول: "ما يبقى في الواد غير أحجارو" ثم أضاف:
"ونحن هم .. أحجارو"!!
سلال لم يكذب، خصوصا أنه عندما يتكلم عن "الواد واحجارو"، يتحدث من منطلق
سابق معرفته بالوديان والسدود والبحيرات، ألم يكن وزيرا للموارد المائية حتى وقت
قريب!
أما الأمر الثاني، فهو إدراكه تماما أن السلطة التي يعرف الرجل الأول فيها، وولي
نعمة الجميع بمن فيهم سلال نفسه، بأنها تقوم على جيل طاب جنانو، ما تزال حتى
الآن تتعامل مع فكرة التغيير بأسلوب تنطعي، وبكعب عال جدا، ونظرة استعلائية
مفرطة، أثناء معالجة مطالب المواطنين، فلا تنظر إليهم سوى من فوق، وهنا صدق
زعيم الأفانا، موسى تواتي، حين يقول، ولو بمحض الصدفة، إن الشعب يكره تماما
الحكومة التي تتعامل معه من الطوابق العلوية، وتنظر إليه وكأنه "حشرة في
الأسفل"!
الغريب أن الأخطاء التي ارتكبها سلال في حديثه لنواب البرلمان، لو وقعت في دولة
محترمة، ولها مؤسسات شرعية وقوية، لما تم تفويتها بكل تلك السهولة، وأيضا
تمريرها بالضحك والاستهزاء، خصوصا عندما يقول سلال للنواب إنهم يشكلون مع
الحكومة التي يقودها فريقا واحدا، وبأنه لا يهتم بأحد سوى بهؤلاء الجالسين أمامه،
وكأنه لا يبالي بالبقية، وهو يدرك أكثر من غيره أن من يجلسون في البرلمان يمثلون
الأقلية من الشعب وأن تصوروا أنهم الأغلبية!
البرلمان مع الحكومة يمثلون فريقا واحدا لكرة اليد بحسب وجهة نظر سلال، وليس
فريقا لكرة القدم، وحجته في ذلك أن فرق كرة اليد تهاجم جماعيا وتدافع جماعيا،
رغم أن أبسط قارئ للوضع السياسي في البلاد سيقول إن المثال الذي استعمله سلال
لوصف حكومته، ومعها النواب بفريق كرة اليد يبرهن أيضا على أن السلطة لا تحتاج
من هؤلاء سوى لأيديهم.. يصادقون بها على القوانين، يرفعوها في وجه المعارضة،
ويحصل بعضهم عن طريق استعمالها على ما خف وزنه وغلا ثمنه، أليس في
البرلمان، تجار مخدّرات وفاسدون بالفطرة والوراثة، مثلما قالت زعيمة حزب العمال
لويزة حنون تعليقا على نتائج التشريعيات!
قبل سنوات، شنّت الحكومة حملة شرسة ضد الأيادي النظيفة بالقطاعات العمومية
والخاصة، واليوم، تعترف بأنها لا تحتاج من النواب سوى لأيديهم، أما بقية الأعضاء
فلا فائدة ولا طائل من توفرها، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بعقول تُفكّر أو قلوب
تتوجّع أو حتى ضمائر تُحاسب!
بقلم: قادة بن عمار
المصدر: صحيفة الشروق اليومي