"الشعوب الأصلية".. كي لا تنسى البشرية

[ŤĤę ĹęĞăČγ МăĎЯĭĎĭ]

بســــم الله الرحمـــن الرحيــم

السلام عليكــم ورحمة الله وبركـــاته


العدد: 242 التاريخ: 5/9/2012

"الشعوب الأصلية".. كي لا تنسى البشرية




ثناء عطوي

تُمّثل الشعوب الأصلية نحو 370 مليون نسمة يعيشون في 90 بلداً ويشكّلون نحو 15 % من فقراء العالم. يعيش قرابة 80 % من أبناء الشعوب الأصلية في آسيا، وتصل نسبتهم إلى 5 % من إجمالي سكان العالم، وذلك بحسب تقرير البنك الدولي الصادر حديثاً. تملك هذه المجتمعات إرثاً ثميناً من التقاليد واللغات التي تحمل معنى تاريخياً، علماً أن 90 % من لغات الشعوب الأصلية قد تنقرض خلال الـ 100 سنة القادمة. وتتميّز هذه الشعوب بتنوّعها الثقافي وهويّاتها الخاصة، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرض التي تعيش عليها والموارد الطبيعية التي تُنتجها.

"تعزيز أصوات الشعوب الأصلية" هو الشعار الذي حمله اليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم، والذي احتفلت به منظمة اليونسكو في آب/ أغسطس 2012. ويمثّل هذا اليوم التاريخ الذي انعقد فيه أول اجتماع في العام 1982 لفريق الأمم المتحدة المعني بالسكان الأصليين وحماية حقوقهم. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت عن هذا اليوم للمرّة الأولى في العام 1994، ومنذ ذلك التاريخ يحتفل العالم بالعقد الدولي الأول للشعوب الأصلية (1995-2004)، في حين يمتدّ العقد الدولي الثاني للشعوب الأصلية من (2005-2015) تحت عنوان "عقدٌ للعمل والكرامة".

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أطلقت في أيلول/ سبتمبر 2007 إعلاناً بشأن حقوق الشعوب الأصلية ينصّ على" حقّ هذه الشعوب في إحياء واستخدام وتطوير تاريخها ولغاتها وتقاليدها وفلسفاتها ونُظمها الكتابية وآدابها ونقلها إلى أجيالها المقبلة"، وقد أيّده 143 عضواً وعارضه 4 أعضاء وامتنع عن التصويت 11 عضواً.

الانتهاكات من الاستعمار إلى الدولة الحديثة

أكثر دول العالم صخباً في التحدّث عن حقوق الإنسان وشعاراته هي التي مارست عبر التاريخ تعدياً على حقوق الشعوب الأصلية، إذ بدأت هذه الانتهاكات مع الفتوحات والغزوات الاستعمارية وشملت جوانب الحياة كافة. ونقلت وكالة رويترز في تقرير لها في 5 أيار/مايو 2012 أن "الانتهاكات التي تعرّضت لها الشعوب الأصلية طاولت طمس الهوية والتمييز العنصري وفصل الأطفال عن أسرهم".

واتهمت منظمة العفو الدولية Amnesty international في أحدث تقرير لها في آب/أغسطس 2012 حكومات دول قارة أميركا "بوضع المكاسب قبل الحياة المادية والثقافية لآلاف السكان الأصليين"، واعتبرت أن الحكومات تفشل في الالتزام بالتشاور مع الشعوب الأصلية حول مشاريع التنمية المتعلقة بالطرق السريعة وخطوط الأنابيب والسدود الكهرمائية والمناجم في أراضيها التقليدية أو المحيطة بها.

واستناداً إلى تقرير جديد لمنظمة الأمم المتحدة، تواجه الشعوب الأصلية في العالم معدّلات مقلقة من الفقر والجريمة والمشاكل الصحية وانتهاكات حقوق الإنسان. وبحسب التقرير تعيش هذه الشعوب أكثر ملامح التغيّر حدة، وهي تعاني من الفقر والظلم الاجتماعي وتتعرّض للتمييز والتهميش، في ظلّ غياب التنمية الشاملة والمستدامة. ويؤكد البنك الدولي أن تحسين أوضاع هذه الشعوب يتطلّب نمواً اقتصادياً واسع النطاق ومستداماً، فضلاً عن وضع استراتيجيات لمعالجة مصادر حرمانهم والقضايا التي تؤثّر بهذه الشعوب تأثيراً مباشراً، بما في ذلك تغيّر المناخ.

ويؤكد تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية أن الشعوب الأصلية لا تزال على هامش المجتمع، وهي أفقر من باقي الشعوب الأخرى وأقلّ منها تعليماً، كما أنّها تتوفى في سنّ أبكر وتتعرّض لمخاطر الانتحار بنسبة أكبر وتتّسم بحالة صحية أسوأ عموماً. كما أن الأطفال المولودين في أسر الشعوب الأصلية غالباً ما يعيشون في مناطق نائية لا تستثمر الحكومات فيها لتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، ويتعرّضون لمخاطر عدم التسجيل عند الميلاد والحرمان من وثائق تُثبت هويّتهم.

ونشر البنك الدولي في العام 2010 دراسة تحت عنوان " الشعوب الأصلية، الفقر والتنمية "، خلُصت إلى أن الشعوب الأصلية في أنحاء العالم لا زالت مقارنةً بغيرها، من أشدّ سكان العالم فقراً، وتعاني من تدنّي التعليم، وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض، والتمييز. وركّزت الدراسة على كيفية تطوّر الأوضاع الاجتماعية بين عامي 2005 و2010 في 7 بلدان هي: جمهورية أفريقيا الوسطى والصين والكونغو وغابون والهند ولاوس وفييتنام.

واستنتجت دراسة هي الأولى من نوعها حول "حالة الشعوب الأصلية في العالم" أصدرتها الأمم المتحدة في نيويورك في كانون الثاني/ يناير 2010، أن ثلث الشعوب الأصلية هم من الفقراء. وقالت ميرنا كانينغام التي أسهمت في كتابة فصل في التقرير، إنه "من الاستنتاجات المثيرة للجزع، هو العدد الهائل من لغات الشعوب الأصلية المهدّدة بالتلاشي، إذ إن 90 % من لغات العالم التي تتحدثها الشعوب الأصلية قد تنقرض خلال 100 سنة قادمة".

وذكر التقرير أنه في الولايات المتحدة وحدها يفوق احتمال إصابة الأميركي الأصلي بداء السل بنحو 600 مرّة مقارنة بعموم السكان، كما يفوق معدل احتمال انتحاره بنسبة 62 %. وفي أستراليا يموت طفل السكان الأصليين قبل نظيره من عموم المواطنين بحوالي 20 سنة. وتبلغ فجوة العمر المتوقّع 20 سنة أيضاً في نيبال، في حين تبلغ 13 سنة في غواتيمالا و11 سنة في نيوزيلندا. وفي مناطق من الإكوادور، يفوق احتمال إصابة السكان الأصليين بسرطان الحنجرة المتوسط الوطني بنحو 30 مرّة. وعلى المستوى العالمي، يعاني ما يزيد على 50 % من البالغين في صفوف السكان الأصليين من الصنف الثاني من داء السكري وهي نسبة مرشّحة للارتفاع.

من هي الشعوب الأصلية؟

يُعرّف البنك الدولي "المجتمع التقليدي" بالمصطلح الذي يحمل في طياته معنىً تاريخياً يعود إلى فترة ما قبل الاستعمار، في حين يُمكن وصف المجتمعات التقليدية وتحديدها من خلال وظائف مجتمعية محدّدة خاصة بالإنتاج والتوزيع والأمن الجماعي والإنجاب، وهي تختلف عن وظائف المجتمعات الحديثة. ويصف الفيلسوف مارتينز كوبو المجتمعات والشعوب والأمم الأصلية بأنها "تلك التي قد توفّرت لها استمرارية تاريخية في مجتمعات تطوّرت على أراضيها قبل الغزو وقبل الاستعمار، وتُعتبر متميّزة عن المجتمعات الأخرى، وهي عقدت العزم على الحفاظ على أراضي أجدادها وهويتها الإثنية وعلى تنميتها وتوريثها للأجيال القادمة، وفقاً لأنماطها الثقافية ومؤسساتها الاجتماعية"

فكرة كتابة تاريخ منظم للإنسانية تناولها الفلاسفة على مدى التاريخ، لكن "قصة الحضارة" لوول ديورانت بقيت الموسوعة الأشمل التي توثّق للحضارة الإنسانية، وكتب قبله أرنولد توينبي كتاباً ضخماً بعنوان "دراسة التاريخ" محاولاً البحث في مراحل التطوّر التي تمر بها الشعوب مروراً بارتقائها وصولاُ إلى العد العكسي لمرحلة تراجعها، واكتشاف العلاقات الخفية بين أحداث التاريخ، في صدمات الحضارت كل ألف سنة.

المناخ والأرض هاجس "الأصليين"

التغيّرات المناخية والتصحّر والتلوث وخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات، قضايا تقع على رأس أولويات الشعوب الأصلية، خصوصاً أن العوامل الطبيعية تسبّبت في هجرة 42 مليون شخص وتشرّدهم في آسيا خلال العامين 2010 و2011، بحسب تقرير بنك التنمية الآسيوي. فالشعوب الأصلية معرّضة بشدّة للآثار الناجمة عن تغيّر المناخ، كون الأغلبية تعيش في مناطق لها طابع بيئي حسّاس مثل المنطقة القطبية الشمالية، والغابات الاستوائية، والمناطق الساحلية، والجبال، والصحارى. وقد اعتمدت هذه الشعوب في معيشتها منذ زمن، ولا تزال بالدرجة الأولى على التنوّع البيولوجي من حولها. وعُقد للغاية في شهر أيار/ مايو 2011 حوار مباشر مع ممثلي المجتمعات المحلية للشعوب الأصلية في أنحاء العالم، تقرّر فيه إنشاء منتدى رسمي لعقد جلسات حوار منتظمة بين البنك الدولي وهذه الشعوب. كما عُقد حوار ثالث في جنوب أفريقيا أثناء المحادثات المتعلقة بتغيّر المناخ. وانطلق قادة السكان الأصليين من جميع أنحاء أميركا الجنوبية بالزوارق والحافلات وسيراً على الأقدام لينضموا الى قافلة متّجهة إلى ريو دي جانيرو خلال قمّة الأرض التي انعقدت في 22 حزيران/ يونيو 2012، وذلك بهدف إسماع قادة العالم صوت الأرض والدعوة إلى مستقبل أكثر إشراقاً قائم على القيم الأصلية ومبادئ "الحياة الأفضل" التي تعني العيش في وئام مع الطبيعة، وبالتالي حثّهم على احترام حقوق الشعوب الأصلية في كلّ مكان، خصوصاً الهند وأفريقيا وأميركا الجنوبية، حيث يستمر البحث عن النفط والموارد الأخرى. وفيما ترى الشعوب الأصلية أن المعايير الدولية الراهنة قد فشلت حتى الآن في حمايتها، تؤكّد الحاجة إلى إعداد وثيقة دولية لحقوق الإنسان تُعنى بالمشاكل الخاصّة بالشعوب الأصلية.

لكن هل التعريف الدولي بالشعوب الأصلية يشمل أصحاب الأرض والحق والسيادة من دون استثناء؟ وهل لا تزال هذه الشعوب قادرة على إحياء ثقافاتها التي تحمل طابع الخصوصية في محيط تتداخل فيه الثقافات وتتلاقح الحضارات؟ وهل تشمل المعايير الدولية المتعلقة بحقوق هذه الشعوب الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان ولبنان؟ أو أن عوامل الزمن والشتات والانقسام أضعفت قضاياها، على الرغم من تمسك الفلسطينيين خصوصاً بحق العودة وإحياء ثقافتهم وروابطهم ونضالهم الطويل من أجل الهوية والأرض؟