بسم الله الرحمن الرحيم
من منا لا يطمح أن يكون حرا سعيدا في هذه الحياة الدنيا , ومن منا لا يريد لنفسه أن يتنفس ويتنسم نسائم الحرية والانطلاق في أفاق هذه الحياة من أجل تحقيق أهدافه وإنفاذ رغباته التي يشتهي .
إن هذا الطموح يراود في تقديري كل إنسان خلق لكي يعيش حرا سعيدا يعتز بنفسه لا يرضى أن يُذل أو يهضم حقه , بل يمشي في مناكب الأرض كإنسان له أدميته فتحترم حقوقه وتصان كرامته , فليس لمخلوق كائنا من كان أن ينال من أدمية الإنسان أو أن يقلل من شأنه وأن يحتقره ويضعه في غير المكان اللائق به , والله تعالى في محكم التنزيل يقول (( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ))(1) فهذا الخالق سبحانه قد وضع للإنسان قدرا ورفعه على غيره من المخلوقات فكيف بمن يسوق البشر دون اعتبار لهذه الأدمية .
ولذلك أعلى الإسلام من شأن احترام الإنسان وحقوقه وجعلها خطا وركنا هاما لمن يريد للإنسانية الخير ويروم للبشر الأمن والسعادة في هذه الحياة ,ولن يكون ذلك إلا بإعطاء الناس حرياتهم ليس منة من أحد ولكن حق لهم من الله تعالى .
ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولته المشهورة :
(( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )) .
نعم إن نعمة الحرية لا يدرك قيمتها إلا من فقدها وحُرم من تنسم عطرها الفواح , فلا يمكن أن يكون هناك أدنى احترام لإنسان مستعبد أو مهان , ولا يمكن لإنسان يبدع ويتفتق عقله إلا في جو من الحرية , فالحرية هي الأرض الخصبة لتولد الأفكار , وهي الجو المناسب للإبداع وانطلاق الطاقات الكامنة في العقول والنفوس , فكم من طاقات أجهضت ووءدت بحرمانها من الحرية , وكم من قمم في العطاء والبذل غلت أيديهم وكبلت عن أن تقدم للبشرية ما عندها من مخزون عظيم لايمكن أن يُرى ولا أن ينمو إلا في وجود أهم مرتكز له ألا وهو الحرية .
فهل نعي حقا قيمة هذا المعطى , ونرفع من شأنه في حياتنا , فلن تجد إبداع وعطاء في جو من الكبت , بل ابحث عنه في أرض الحرية تجد ما لا يخطر لك على بال .