مليونية الهولوكست ورقصة الفلول

[سيف الدين]

مليونية الهولوكست ورقصة الفلول

لم يكن غريبا أن يتنكر بعض الأشخاص المحسوبين على قائمة رموز الثورة لوطنيتهم
ويبيعوا استقلال البلاد في سوق النخاسة..لم يكن غريبا مطلقا ان يطلب أحدهم تدخلاً
أمريكياً في مصر لبتر ساق الإسلاميين ويطالب الكونجرس بقطع المعونة العسكرية بل
ويغازل اليهود بأن اللجنة التأسيسية التي تضع الدستور انسحب منها كل من يعترف
بمحرقة اليهود "الهولوكست" ولم يبقى فيها إلا من يطالبون بعودة القدس الشريف
وينكرون حق اليهود في فلسطين..ما يحدث الآن يمكن تصويره كالآتي: مصر كانت
مريضة مرض عضال هو حكم العسكر قرابة الـ 60 عاماً ..قدر الله لها ترياقاً هو
الثورة..وكان الثمن باهظاً إلا أنها دفعته عن طيب خاطر آلاف المصابين والشهداء.

ولم يكن لأحد فضل على الثورة لم يطلق شرارتها سوى الشارع..وبالتالي لم يكن للثورة
قائد من أي فريق..بل لم يبرز تيار معين يقود الثورة وغلبت الشخصية المصرية الصرفة
ميدان التحرير حتى تنحي المخلوع..لعق الفلول خسارة التنحي بمرارة وتم رسم
مخططات لتفريغ الثورة من أهدافها...إلا إنها وعلى مدار عام ونصف باءت جميعها
بالفشل..غير أنها نجحت في إطالة أمد الفترة الانتقالية وتخلل ذلك خسائر في الأرواح.

ومنذ البداية كانت قوى خارجية تستميت من أجل إجهاض الثورة ..للأسف كان من بينها
منها أنظمة عربية مثل الإمارات..لعبت حكومات هذه الدول ولازالت مؤامرات مستمرة
أثمرت هذه المؤامرات الخارجية بالتعاون مع فلول ما يطلق عليه "الدولة العميقة" في
أجهزة القضاء والشرطة والجيش والمخابرات عن خروج الآلاف يوم الثلاثاء
27/11/2012 إلى ميدان التحرير استجابة لدعوة بدأت برفض قوى ليبرالية وعلمانية
ويسارية واشتراكية بالإضافة إلى الفلول بعض ما جاء في الإعلان الدستوري .. ثم
تطورت سريعاً إلى المطالبة بإسقاط الإعلان وانتهت في نفس اليوم بإسقاط شرعية
الرئيس المنتخب.

في الميدان اختلط الحابل بالنابل وطغي على المشهد دخول مناوئين للثورة - وليس
للرئيس فحسب- بكل وقاحة إلى الميدان لأول مرة بعدما كان محرما عليهم بأمر
الثورة...وشوهد رموز للفلول في الإعلام والقضاء والسياسة يُحملون على الأعناق
ويقودون الهتاف في الميدان..وذلك بسبب رعبهم الشديد من الخطوة التالية للرئيس التي
كانت ستحولهم للمحاكمات بعدما يفتح النائب العام الجديد ملفات فسادهم وهو ما يعني
الإعدام لبعضهم والسجن لآخرين والحجز على أموالهم وفضيحة العمر بالتشريف في
طره جنبا إلى جنب بجوار المخلوع التي ستعاد محاكمته هو الآخر وربما ينال شرف
الإعدام.

كان لافتا تكرار الجنرال الهارب أحمد شفيق خطاب شديد اللهجة تم تسجيله بعناية
وتوجيهه من دبي حيث يلقى الحماية الكاملة..ويضمن عدم التسليم للسلطات المصرية
..حيث يواجه اتهامات بالفساد كان يتستر عليها وعلى غيرها النائب العام المخلوع
محمود عبد المجيد..أزال ضبط سيارة ضابط مخابرات أثناء حرق أحد مقرات حزب
الحرية والعدالة الكثير من الغموض حول تورط جهات سيادية فيما يحدث...كما لعبت
شهادات أدلى بها مواطنون حول تلقيهم مبالغ نظير النزول إلى الميدان تفسير دور فلول
النظام في الحشد لمليونية اليوم.

التغطية الإعلامية التي أولتها قناة العربية وتضخيم المشهد في ميدان التحرير أعاد إلى
الأذهان دور هذه القناة السعودية التي تنطلق من دبي في محاربة الثورة والدفاع عن
المخلوع..وفضح مجدداً دور الأنظمة الخليجية التي تعض أصابع الندم على نجاح الشعب
في الإطاحة بالمخلوع مبارك.

ولم يكن صادماً استنساخ روح ثورة 25 يناير في إعلام الفلول على يد كتيبة مذيعين
تضمنتهم قوائم سوداء سابقة أمثال وائل الإبراشي وآل أديب ولميس الحديدي وخيري
رمضان ومعتز الدمرداش وإبراهيم عيسى وغيرهم..كما حاول إعلام الفلول الممول من
رجال أعمال فاسدين وتابعين للنظام السابق أمثال محمد الأمين مالك الـcbc والنهار
والسيد البدوي مالك قنوات الحياة ومحمد أبو العنين مالك قنوات صدى البلد إسقاط روح
يناير على ما يحدث في التحرير...حتى ان بعض القنوات بثت على مدار اليوم أغاني
وطنية وحماسية تم تأليفها وغنائها خصيصاً لثورة 25 يناير مثل "اثبت مكانك".

بعض عناصر الشرطة شاركت بالفعل في مسيرات ضد الرئيس مع إن ذلك محظور
عليهم وتم تحويل من ساقه حظه العاثر للعبور أمام كاميرات الناشطين إلى المحاكمة
كما تم ترك مقرات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان في أغلب
المحافظات عن عمد بلا حماية من الأمن .. وهو ما فتح الطريق للقوى السياسية
المناوئة لهم ومعهم الفلول والبلطجية المؤجرين إلى اقتحام المقرات ونهبها وحرقها
والتعدي على من يتواجد فيها إلى حد سقوط قتيل في دمنهور.

عبر الميدان اليوم بشكل قوي وحيوي عن خليط وحدهم الهدف وهو إسقاط الرئيس
الإسلامي..وهو السبب الحقيقي لدعوة التظاهر وليس لإحراجه فحسب ومطالبته بسحب
قرار سيادي لو كان غيره في السلطة ما طلب منه ذلك...الخليط ضم الفلول على تيارات
رفض الإسلام وشريحة غير قليلة من الذين تم أدلجة أدمغتهم على فزاعة الإخوان.

الشئ الذي قد يكون إيجابياً فيما حدث اليوم هو احتراق أوراق كل من وقف منذ البداية
ضد الثورة وهم الفلول..بالإضافة إلى من بدل مواقفه الوطنية طمعا في الإطاحة بالتيار
الإسلامي الذي أتى به صندوق الانتخابات والجلوس مكانهم على كرسي الحكم.

يمكن القول أن ما يحدث هو انقلاب ناعم يغازل الجيش والخارج ويتمنى أن يجد من
يؤيده للإطاحة بالرئيس الذي انتخبه غالبية الشعب...ويمكن القول بارتياح شديد أن
عملية جراحية خطيرة تجرى لمصر الآن بموجبها يتم إفراغ بؤرة من القيح والصديد
المتراكم في الخُراج الأخير الذي لم تقضي عليه الثورة...وأن الرئيس نجح بقراراته في
أن يتغدي بخصوم ثورة يناير قبل أن يتعشوا بها.

وسيشهد التاريخ أن الرئيس فعل كل ما يتوجب أن يفعله أي رجل وطني يجلس يوما
مكانه .. وان الله كشف له مخطط شارك فيه قضاة المحكمة الدستورية الذين عينهم
مبارك .. كان يقضى المخطط بهدم ما تبقى من مؤسسات الدولة وشطب التأسيسية
وربما إعادة الانتخابات الرئاسية بعد إعلان شغر منصب الرئيس .. وتسليم البلاد مرة
ثانية للمجلس العسكري بعد إعادته للحياة .. وأن القوى الإسلامية هى التي تعتبر بحق
مدنية ولها مواقف وطنية .. حيث وقفت سدا منيعاً ضد الانقلاب الليبرالي الجاهلي على
الثورة ... وأنها ألغت مليونيتها حقنا لدماء المصريين الأبرياء ... وهو ما آثار فزع
الفريق المقابل فكانت رقصتهم الأخيرة في ميدان التحرير الذي لو كان له لسان ينطق
به لشهد على عليهم وبصق على رموز الثورة المضادة.

تحليل: أسامة عبد الرحيم
المصدر: لجينات
تاريخ النشر: 2012-11-29 11:49:17