صفي الدين الحلي
أذابَ التّبرَ في كأسِ اللُّجَينِ***، رَشاً بالرّاحِ مَخضوبَ اليَدينِ
رخيمٌ من بني الأعرابِ طفلٌ***، يُجاذِبُ خَصرُهُ جَبَلَيْ حُنَينِ
يُبَدّلُ نُطقَهُ ضاداً بدالٍ**، ويشركُ عجمة ً قافاً بغينِ
يَطوفُ عَلى الرّفاقِ من الحمَيّا**ومن خَمرِ الرُّضابِ بمُسكِرَينِ
إذا يَجلو الحمَيّا والمُحَيَا** شَهِدْنا الجَمعَ بَينَ النّيّرَينِ
وآخرَ من بني الأعرابِ حفتْ **جيوشُ الحُسنِ منهُ بعارضَينِ
إلى عينيهِ تنتسبُ المنايا***، كما انتَسَبَ الرّماحُ إلى رُدَينِ
تلاحظُ سوسنَ الخدّينِ منهُ***، فيُبدِلُها الحَياءُ بوَردَتَينِ
ومَجلِسُنا الأنيقُ تُضيءُ فِيهِ*** وباتَ الزقُّ مغلولَ اليدينِ
وشمعتنا شبيهُ سنانِ تبرٍ***، تركبَ في قناة ٍ من لجينِ
وقهوتنا شبيهُ شواظِ نارٍ***، توقدُ في أكفّ الساقيينِ
إذا ملىء َالزجاجُ بها وطارتْ**حواشي نورها في المشرقينِ
عجبتُ لبَدرِ كأسٍ صارَ شَمساً*** يحفّ من السقاة ِ بكوكبينِ
ونحنُ نزُفّ أعيادَ النّصارى*** بشَطّ مُحَوِّلٍ والرّقمَتَينِ
نوحدُ راحنا من شركِ ماءٍ***، ونولعُ في الهوى بالمذهبينِ
بوردٍ كالمداهنِ في عقيقٍ***، وأقداحٍ كأزرارِ اللُّجَينِ
وقد جمعتْ ليَ اللذاتُ لما *** دنتْ منها قطوفُ الجنتينِ
وما أن من هوَى الفيحاءِ خالٍ***، ولا ممّنْ أُحبّ قضيتُ ديني
إذا ما قلبوا في الحشرِ قلبي**رأوا بينَ الضلوعِ هوى حسينِ
تَمَلّكَ حبُّهُ قَلبي وصَدري***، فأصبحَ ملءَ تلكَ الخافقينِ
وأعوَزَ مع دُنُوّي منهُ صَبري***، فكَيفَ يكونُ صَبري بعدَ بَينِ
إذا ما رامَ أن يَسلوهُ قَلبي*** تمثلَ شخصهُ تلقاءَ عيني
ألا يا نَسمَة َ السّعديّ كُوني*** رَسُولاً بَينَ مَن أهوى وبَيني
ويا نشرَ الصّبا بلغْ سلامي*** إلى الفيحاءِ بينَ القلتينِ
وحيّ الجامعينِ وجانبيها***، فقد كانا لشملي جامعينِ
وقُلْ لمُعَذّبي هل من نجازٍ*** لوعديْ سالفيكَ السالفينِ
سَمِيّكَ كانَ مَقتولاً بظُلمٍ***، وأنتَ ظلمتني، وجلبتَ حيني
وهَبتُكَ في الهوى روحي بوَعدٍ***، وبِعتُكَ عامِداً نَقداً بدَينِ
وجِئتُ وفي يَدي كفَني وسَيفي**فكَيفَ جعَلتَهاخُفّيْ حُنَينِ؟
ولِمْ صَيّرْتَ بُعدَكَ قَيدَ قَلبي***، وكانَ جمالُ وجهك قيدَ عيني؟
فصرنا نشبه النسرينِ بعداً***، وكنّا أُلفَة ً كالفَرقَدَينِ
علمتُ بأنّ وعدَكَ صارَ مَيناً***، لزَجري مُقلَتَيكَ بصارِمَينِ
وقلتُ، وقد رأيتُك: خابَ سعيي *** لكونِ البدرِ بينَ العقربينِ
فلِم دَلّيتَني بحِبالِ زُورٍ***، ولم أطعَمتَني بسَرابِ مَينِ
وهَلاّ قلتَ لي قَولاً صَريحاً***، فكانَ المنعُ إحدَى الراحتينِ
عرفتكَ دونَ كلّ الناسِ لمّا *** نقدتكَ في الملاحة ِ نقدَ عينِ
برُتبَتَينِ فلمّا أن خلا المغنى وبتنا*** عُراة ً بالعَفافِ مؤزَّرَينِ
قضينا الحجّ ضماً واستلاماً،**ولم نشعرْ بما في المشعرينِ
أتَهجُرُني وتَحفَظُ عَهدَ غَيري،*** وهل للموتِ عذرٌ بعدَ دينِ
وقلتُ: الوَعدُ عندَ الحرّ دَينٌ،*** فكيفَ مطلتني وجحدتَ ديني
أأجعَلُ لي سِواكَ عليك عَيناً*وكنتَ على جمعيِ الناسِ عيني
إذا ما جاءَ محبوبي بذنبٍ*** يُسابقُهُ الجمالُ بشافِعَينِ
وقلتُ: جعلتَ كلّ النّاسِ خَصمي*لقد شاهدتُ إحدى الحالَتَينِ
فكانَ الناسُ قبلَ هواكَ صحبي**فهل أبقيتَ لي من صاحبينِ
بُعادي أطمَعَ الأعداءَ حتى *** رأوكَ اليومَ خُزرَ النّاظرَينِ
وهَلاّ طالَعوكَ بعَينِ سُوءٍ***، وأمري نافِذٌ في الدُّولَتَينِ
وما خفقتْ جناحُ الجيشِ إلاّ *** رأوني ملءَ قلبِ العَسكَرَينِ
لئِن سكَنَتْ إلى الزّوراءِ نَفسي**أواني الرّاحِ من وَرَقٍ وعَينِ
هوًى يُقتادُني لديارِ بَكرٍ***، وآخرُ نحوَ أرضِ الجامعينِ
سأسرعُ نحوَ رأسِ العينِ خطوي*وأقصدُها على رأسي وعيني
وأسرحُ في حمَى جيرونَ طرفي،**وأربَعُ فِي رِياضِ النّيّرَينِ
فلَيسَ الخَطبُ فَي عَيني جَليلاً***، إذا قابلتهُ بالأصغرينِ
فَيا مَن بانَ لمّا بانَ صَبري،*** وحارَبَني رُقادُ المُقلَتَينِ
تنغصَ فيكَ بالزوراءِ عيشي،*** وبدلَ زينُ لذاتي بشينِ