"أدمغة" عائدة من المهجر تتعرض لـ"البهدلة" والطرد بالجزائر

[سيف الدين]

"أدمغة" عائدة من المهجر تتعرض لـ"البهدلة" والطرد بالجزائر

في الوقت الذي لازالت فيه الجزائر تعاني من هجرة العقول ونزيف الأدمغة بسبب
التهميش وعدم تكافؤ الفرص، قرّرت بعض الكفاءات العودة لخدمة الوطن والتخلي عن
المغريات في أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية من باب الوفاء للبلد الأم، إلا أن ما
تعرض له هؤلاء الإطارات من ظلم وتهميش و"بهدلة" في الجزائر فاق كل الحدود،
مما جعلهم يزورون "الشروق اليومي" للحديث عن الواقع المأساوي للكفاءات العائدة
إلى الجزائر بسبب ما سموه بـ"الإرهاب الإداري" الذي تجاوز كل الحدود في غفلة من
السلطات.

أول قصة نبدأ بها هي مأساة الأستاذ الجامعي محمد عماري المتحصل على شهادة دكتوراه
في الإعلام الآلي من الجامعة الأمريكية "نيو مكسيكو تك"، والذي تلقى عروضا للعمل
في أكبر المعاهد والجامعات الأمريكية وبأجرة خيالية، لكن حبه الكبير لمدينته أدرار جعله
يقرر العودة إلى الوطن بعدما تلقى عرضا للتدريس بمعهد أدرار للشريعة والذي تحول
إلى جامعة أدرجت فيها تخصصات جديدة ومنها فرع العلوم الهندسية الذي تولى رئاسته
بالإضافة إلى عمله كأستاذ ومؤطر للطلبة.

وبعد سنة من بداية نشاطه في الجامعة، نجح في استحداث تخصص الإعلام الآلي حيث
كان يدرِّس الطلبة باللغة الإنجليزية للرفع من مستواهم العلمي والتفتح على آخر التقنيات
المعتمدة في أكبر الجامعات في العالم، وبعد سنوات من التدريس والارتقاء بالجامعة التي
نجحت في تنظيم العديد من الملتقيات الدولية والوطنية وعقدت اتفاقيات مع عدد من
الجامعات الأوروبية.. وجد الدكتور عماري نفسه مطرودا من جامعة أدرار وممنوعا حتى
من دخولها، بالإضافة إلى تعرضه للإهانة أمام الطلبة من طرف عميد الكلية الجديد،
وهذا ما دفع الدكتور إلى اللجوء لـ"الشروق اليومي" بعدما ذاق جرعات كبيرة من القهر
والظلم في الجامعة التي أتى من أجل تطويرها ونقلها إلى مصاف الجامعات المتطورة .

غير أن العقلية المتحجرة والرجعية لبعض المسؤولين حالت دون ذلك وحولت الدكتور
العائد إلى متهم بـ"خلق الفوضى وزرع البلبلة وسط الطلبة والأساتذة؟" وهذا بعد إقدامه
رفقة بعض الأساتذة على تأسيس نقابة للدفاع على حقوق الأساتذة، الدكتور يقول عن
نفسه: "ما تعرضت له من إهانة و"تبهديلة" في جامعة أدرار لا يتقبله عقل، فرئيس
الجامعة كان يتردد عليَّ في المدرّج والقِسم ويهينني أمام الطلبة، والأمر لا يقتصر عليّ
فقط بل على أغلب الأساتذة الذين قرروا تأسيس نقابة للدفاع عن حقوقهم وهذا ما جعل
رئيس الجامعة يفتح عليهم النار ويعرضهم على مجالس تأديبية، وأنا واحد منهم عُرضت
على مجلس تأديبي وكانت عقوبتي التحويل من الجامعة والمنع من دخولها، ما تسبب لي
في أزمة كبيرة لدى الطلبة الذين كنت مشرفا على مذكراتهم بالإضافة إلى عدم استخلافي
بأستاذ آخر، ما ساهم في ضعف التحصيل العلمي للطلبة، وقد بعثت بطعن في قرار مجلس
التأديب وأطالب بتدخل شخصي لوزير التعليم العالي من أجل إنصافي ورد الاعتبار لي
ومحاسبة من ساهم في تراجع مستوى جامعة أدرار التي تحولت إلى شبه سجن للأساتذة
الذين يُعاملون معاملة غير أخلاقية لا تمتّ للجامعة بصلة".

تهميش فظيع

هي طبيبة جزائرية اعتمدت التقنية الوحيدة في العالم لعلاج القدم السكرية، مما جعل أكبر
المستشفيات الفرنسية تستقبلها إلى غاية اليوم وتخصص لها قاعات خاصة لعلاج
المرضى مجهزة بأحدث الوسائل والتقنيات، غير أن المستشفيات الجزائرية رفضت
اعتماد علاجها المتقدم مما دفعها إلى فتح عيادة خاصة لإنقاذ مئات المرضى من بتر
الأرجل، الأمر يتعلق بالدكتورة نادية بوجناح التي سبق لـ"الشروق اليومي" وأن نشرت
مقالا حول تقنيتها الجديدة في العلاج والتي حوّلت عيادتها إلى قبلة وطنية للمرضى من
مختلف ولايات الوطن، لكن ما تعرضت له الطبيبة من تهميش في الجزائر لم نتحدث عنه
من قبل، خاصة وأنها درَّست وعملت لسنوات طويلة في المستشفيات الأوروبية لتطوير
علاجها الذي كانت تحلم أن يُعتمد في المستشفيات الجزائرية من أجل العلاج المجاني
للمرضى، لأن العلاج يتطلب إمكانيات مالية ضخمة حيث يتعدى مبلغ الحصة الواحدة
من العلاج 3000 دج.

ولدى حديثها لنا أكدت المتحدثة أنها قدمت ملفا لوزارة الصحة لاعتماد علاجها في
المستشفيات الجزائرية غير أن الوزارة أهملت هذا الطلب وهمشت الطبيبة بوجناح
التي درّست وكوّنت مئات الطلبة بالمجان على طريقة علاجها الجديدة على أمل أن
تقبل الوزارة استقبالها في المستشفيات، غير أن حلمها تبخّر وهي اليوم تعالج في
المستشفيات الفرنسية حيث تنقذ هناك آلاف المرضى من بتر الأرجل في حين يعاني أزيد
من 200 ألف جزائري من القدم السكرية وهم على موعد مع بتر أرجلهم في أي وقت
بسبب كارثية ظروف العلاج في المستشفيات.

الشروق اون لاين
آخر تحديث: 2013/05/26 على 21:00