مع بدايه فصل الربيع ، وشروق الشمس فى تلك المنطقه من القاهره ، انطلق الهواء بنسماته الهادئه الجميله ، فيستيقظ الناس لينتشروا فى الأرض ، وعلى الرغم من أن هذا المنزل فقير فى حى فقير ، إلا أن هذا لم يمنع أن يكون المنزل أنيق متواضع ، وفتحت (نسمه) شرفة المنزل ، واستندت على جدار الشرفه وشاهدت الشمس بجمالها الساحر ، واستنشقت الهواء المنعش لتملأ به صدرها ، ثم جلست على مقعد بالشرفه الذى يستقر فى طرفها على الرغم من ضيق الشرفه ، ولم تكد تجلس (نسمه) حتى نهضت مره أخرى مرتده فى عنف ، عندما سمعت صوت والدتها تنادى عليها صارخه :
- (نسمه) .. أين أنتى أيتها الغبيه ؟!
أغلقت (نسمه) بسرعه الشرفه ، ودخلت غرفتها التى تخرج منها الشرفه وحاولت أن تنزل تحت غضاء سريرها وتتظاهر بالنوم ، إلا انها وجدت باب الغرفه ينفتح فى عنف ، وسمعت صوت والدتهاالأجش القاسى ، الذى يثير فى نفسها الخوف ، هاتفه :
- ماذا كنتى تفعلين ؟!
تســمرت (نسمه) فى مكانها واقفه بجوار سريرها ، حتى عادت والدتها تصرخ وهى تحدق بها برعب :
- ماذا تفعلين ؟!
أسرعت تقول (نسمه) فى ارتباك وتلعثم :
- كنت نائمه ونهضت عند سماعك تنادينى .
نظرت إليها فى شك ، وهتفت بها :
- لقد سمعت صوت الشرفه تنفتح فاستقيظت من نومى فى الساعه السادسه صباحاً .. أتستطعين أن تبررى لى سبب سماعى لهذا الصوت ؟!
لم تكن تدرى (نسمه) لماذا تعاقبها والدتها عند رؤيتها لها وهى بالشرفه ، وتسائلت ما الضرر فى هذا ، بل لماذا اخترع شئ يسمى بالشرفه لو لم يكن لهذا السبب ؟!
لكنها لم تحاول كعادتها تناقش والدتها فى أى شئ ، وتلعثمت أكثر وهى تقول :
- لست أدرى يا أماه ربما كان وهم .
نظرت لها الأم فى شك ، ثم لم تلبث أن هتفت بها :
- الـــزمى فراشك إذن فالساعه ما زالت السادسه .
قالتها وأغلقت الغرفه بعنف وشده ، تاركه (نـسـمــه) التى زفرت وألقت نفسها على فراشها ..
و...
وأخذت تبكى ..
كانت فتاة فى الثانى والعشرون من عمرها ..
كانت جميله بكل المقاييس ، شعرها أسود طويل ناعم ، بينما عينيها سوداء تزينها رموشها الطويله ، بينما شفتها صغيره يفوقها انفها الساحر ، إلا أن هذا كان يختبئ خلف حزنها ..
كانت متفوقه فى دراستها فنالت حقد وحسد زمائلها ، ودخلت كليه متوسطه متواضعه ، إلا أن هذا انتهى بجلوسها بالمنزل ومعاونة والــدتها ..
والدتها تعاملها اسوأ معامله على عكس بقيه أشقائها بنين وبنات ..
كل هذا بدون سبب إلا أنها بنت ..
البنت الكبرى ..
لذلك فلقد خيبت أمل والدتها التى كانت تريدها ولداً كوالدها ، إلا أن هذا لم يمنع والدها أن يحبها للغايه ويعاملها أحسن معامله ربما لأن الله سبــــحانه وتعالى قد رزقه الولد بالفعل بعدها ..
لها (سامى) شقيق فى التاسع عشر من عمره ، فى كلية الهندسه ، و(فتحى) فى السن ذاته وبل فى الكليه ذاتها ، فلقد كانا توءماً ..
وسبحان الله الذى جعلهم متطابقين تماماً فى المظهر والصوت ، حتى أن من العسير على أحد أن يفرق بينهما ، إلا أن الأسره تميز ما بينهما بالحسنه التى فى كتف (سامى) إلا أنها تختبئ دوماً تحت الملابس الطويله الذراع ، إلا أن من السهل رؤيتها لو شمر يد القميص ، أو كان ذراع القميص غير طويل ..
وأحياناً يمزح (سامى) مع والده ووالدته وأشقائه منتحلاً شخصيه (فـــتحى) فى مواقف ظريفه ، حيث أن الصوت أيضاً متطابق بينهم ..
ثم (وائل) فى السابع عشر من عمره ..
واخيراً أتت (منى) الصغيره والأخيره فى السادس عشر من عمرها ، وأسرتها جميعاً يحبوها حتى والدتها ، ربما لكونها أتت بعد الثلاث أولاد ، وتسائلت (نسمه) احياناً :
لماذا لم تتبدل معاملة والدتها لها بعد إنجاب الشقيقين ؟!
أم أن اختزن عقل الوالده الباطن كراهيه لـ(نسمه) ؟!
المهم أن (نسمه) لا تعامل شقيقتها (منى) بحسن على الرغم منها ، بسبب الغيره مما أدى لصراع مستمر بين (نسمه) و(منى) وكثيراً ما تحاول الأخيره غيظ الأولى عندما تبتسم لها (منى) وهى تعمل فى تنظيم المنزل ، فـ(منى) لا تطالبها
والدتها بهذا لأنها ما زالت تدرس ..
وكثيراً ما تغيظ (منى) شقيقتها الكبرى ، بملبس جديد جميل ، لا يأتى مثله لـ(نسمه) ، سوى من والدها الذى لا يفرق فى معاملته بين بناته ..
لم تكن (منى) جميله ، بل كانت أقرب إلى دمامة المظهر ، على عكس (نسمه) الجميله وكان هذا هو الشئ الوحيد الذى تغيظ به (نسمه) شقيقتها الصغرى ..
وكانت الأسره أقرب للفقر ككثير من الأسر المصريه ، فكان الوالد والوالده لا يأتوا بزيى جديد إلا كل عدة سنوات ، بينما يتبادل (سامى) و(فتحى) ملابسهم بعضهم لبعض ، بينما تأتى (منى) بزيين على الأقل فى كل عام ، بينما يأتى لـ(نسمه) زيى واحد أو لا يأتى كل عام ، ودوماً يأتى من والدها ..
هكذا كانت الأسره ..
كانت (نسمه) تستيقظ كل يوم فى السادسه عندما يكون أفراد الأسره كلها نائمه ، وتفتح شرفة غرفتها ، فتقف بها لتنظر لهذا وذاك ، وتكتب مذكرات حياتها التى تحرص على كتابتها بأسلوب جميل ، وكــانت تحب على الرغم من عزلتها تقريباً عن الشارع ..
تحب (حامد) جارها الذى يقابل منزله منزلها ، فكثيراً ما يقف (حامد) فى الشرفه فينظر لها فتبتسم فى حياء وتنظر أرضاً أو تسرع لدخول غرفتها ، وكانت واثقه من أنه يبادلها نفس الحب ..
هكذا كانت تحيا أسرة (محمد زويل) ..
لكن ..
دوام الحال من المحال ..
* * *
تتبع....