قوله تعالى:-
في قصة يعقوب عليه السلام(( كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ))
و ذلك أن اليهود أنكروا تحليل النبي عليه السلام لحوم الإبل و ألبانها فبين الله أنها كانت حلالا إلى أن حرمها يعقوب على نفسه بعد أن برأ من النساء أن يحرم أحب الطعام و الشراب إليه و هو لحوم الإبل و ألبانها فلما برأ وفى بنذره فإن قيل كيف يجوز للإنسان أن يحرم على نفسه شيئا و هو لا يعلم ما له فيه من المفسدة قلنا يجوز ذلك إذا أذن الله له في ذلك و أعلمه و أذن ليعقوب في هذا النذر فلذلك نذر.
قوله سبحانه:-
(( إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ))
حقيقة الحسد إرادة الحاسد لزوال نعمة المحسود إليه أو كراهة النعمة التي هو فيها و إرادة أن تصير تلك النعمة بعينها له بخلاف الغبطة فإذا لا يكون قوله يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ دلالة على أنه أراد به الحسد.
قوله سبحانه:-
حكاية عن إخوة يوسف ((
إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ))
المحبة من ميل الطباع لا من الكسب و ذلك من فعل الله تعالى فإذا لا يكون حسدا لتفضيل يوسف على إخوته بالبر و المحبة و يكون للرجل عشرة أولاد فيحب واحدا منهم و على هذا قوله وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ يعني في المحبة لا في النفقة و يجوز أن يكون يعقوب مفضلا ليوسف بالبر و التقريب و ليس ذلك بقبيح لأنه لا يمتنع أن يكون يعقوب لم يعلم أن ذلك يؤدي إلى ما أدى إليه و يجوز أن يكون رأى من سيرة إخوته و جميل ظاهرهم ما غلبه في ظنه أنهم لا يحسدونه فإن الحسد و إن كان في الطباع فإن كثيرا من الناس يجتنبونه.
قوله سبحانه:-
(( إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ))
أي الذهاب عن التسوية بينهم في العطية و أصل الضلال العدول أو الغمور في الشيء و لو أرادوا الضلال في الدين لكانوا كفارا.
قوله سبحانه:-
(( قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ))
قال أكثر المفسرين إن إخوة يوسف كانوا أنبياء و قال قوم لم يكونوا كذلك و هو مذهبنا لأنه وقع منهم القبائح من طرحهم يوسف في الجب و بيعهم إياه بالثمن البخس و قولهم أكله الذئب و إدخالهم الغم على أبيهم. قوله سبحانه وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ ليس بتقرير به لأنه لما رأى من بنيه من الإيمان و الاجتهاد في الحفظ ظن مع ذلك السلامة و قوي في نفسه أن يرسله معهم إشفاقا من إيقاع الوحشة بينهم و يكون مزيلا للتهمة لكثرة حبه إياه.
قوله سبحانه:-
(( وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ))
لما علموا شدة تهمة أبيه لهم و خوفه على أخيهم منهم لما كان يظهر منهم من أمارات الحسد أيقنوه بأنه يكذبهم فيما أخبروا به من أكل الذئب أخاهم فقالوا إنك لا تصدقنا في هذا الخبر لما سبق إلى قلبك من تهمتنا و إن كنا صادقين كما يقول المخادع أنا أعلم أنك لا تصدقني في كذا و إن كنت صادقا. قوله سبحانه وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وصف الدم بأنه كذب و الكذب من صفات الأقوال لا من صفات الأجسام أما كذب فمعناه أنه مكذوب فيه و عليه مثل قولهم هذا ماء سكب و رجل صوم و امرأة نوح و يقال ما لفلان معقول و ما له في هذا الأمر مجلود و أما وصف الصبر بالجميل لأن الصبر صبران جميل إذا قصد به وجه الله و قبيح على غير ذلك الوجه.
قوله سبحانه :-
((وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ))
لكون يوسف في غاية الجمال و العلم و العفاف ثم أصيب به أعجب مصيبة و قد يرد على الإنسان من الحزن ما لا يمكن رده و لهذا لا ينهى عن مجرد الحزن و إنما نهي عن النوح و اللطم و الجزع ثم إن التجلد على المصائب و كظم الحزن من المندوب و ليس بواجب
قال النبي ع العين تدمع و القلب يحزن
و لم يسأل يعقوب من رؤيا ابنه يوسف لأن يوسف رآها و هو صبي غير نبي و لا موحى إليه فلا قطع على صحتها على أن يعقوب و إن كان قاطعا على بقاء ابنه و إن الأمر سؤال فيه على ما تضمنه الرؤيا لا يوجب نفي الحزن لأن طول المفارقة يقتضيه لسائر الناس