حتى
حرف، له عند البصريين ثلاثة أقسام: يكون حرف جر، وحرف عطف، وحرف ابتداء.
وزاد الكوفيون قسماً رابعاً، وهو أن يكون حرف نصب، ينصب الفعل المضارع.
وزاد بعض النحويين قسماً خامساً، وهو أن يكون بمعنى الفاء. ولا بد من بيان هذه الأقسام واحداً واحداً.
الأول: حتى الجارة: ومعناها انتهاء الغاية. ومذهب البصريين أنها جارة بنفسها.
وقال الفراء: تخفض، لنيابتها عن إلى. وربما أظهروا إلى بعدها. قالوا: جاء الخبر حتى إلينا.
جمعوا بينهما على تقدير إلغاء أحدهما. ومجرورها إما اسم صريح، نحو " حتى حين
" ، أو مصدر مؤول من أن والفعل المضارع، نحو " حتى يقول الرسول " ، لأن التقدير: حتى أن يقول.
هذا مذهب البصريين.
الثاني: أن العاطفة يلزم أن يكون ما بعدها غاية لما قبلها، في زيادة، أو نقص
. وأما الجارة ففيها تفصيل؛ وهو أن مجرورها إن كان بعض ما قبله من مصرح به،
وكان منتهى به، فهو كالمعطوف، في اعتبار الزيادة والنقص. وإن كان بعضاً لشيء لم يصرح به،
نحو " ليسجننه حتى حين " ، أو كان منتهى عنده، لم يعتبر فيه ذلك.
الثالث: أنا ما بعده الجارة قد يكون ملاقياً لآخر جزء، بخلاف العاطفة، وقد تقدم.
القسم الثالث: حتى الابتدائية. وليس المعنى أنها يجب أن يليها المبتدأ والخبر.
بل المعنى أنها صالحة لذلك. وهي حرف ابتداء، يستأنف بعدها الكلام،
فيقع بعدها المبتدأ والخبر، كقول جرير:
فما زالت القتلى تمج دماءها ... بدجلة، حتى ماء دجلة أشكل
ويليها الجملة الفعلية، مصدرة بمضارع مرفوع، نحو " وزلزلوا حتى يقول الرسول
" ، على قراءة الرفع، أو بماض، نحو قوله تعالى " حتى عفوا وقالوا " .
والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب، خلافاً للزجاج. فإنه ذهب إلى أن حتى هذه جارة،
والجملة في موضع جر بحتى. وهو ضعيف. قال ابن الخباز: لأنه يفضي إلى تعليق حرف الجر عن
العمل، وذلك غير معروف.
القسم الرابع: حتى الناصبة للفعل. هذا القسم أثبته الكوفيون. فإن حتى عندهم تنصب الفعل
المضارع بنفسها. وأجازوا إظهار أن بعدها توكيداً. ومذهب البصريين أنها هي الجارة، والناصب أن مضمرة بعدها.
ويتعلق بها مسألتان: الأولى: في معناها. والمشهور أن لها معنيين: أحدهما الغاية،
نحو " قالوا: لن نبرح عليه عاكفين، حتى يرجع إلينا موسى " . والثاني التعليل،
نحو: لأسيرن حتى أدخل المدينة. وعلامة كونها للغاية أن يحسن في موضعها إلى
أن وعلامة كونها للتعليل أن يحسن في موضعها كي.
القسم الخامس: حتى التي بمعنى الفاء اعلم أنه قد تقدم، آنفاً، حتى إذا رفع المضارع بعدها لكونه
حالاً، أو مؤولاً به، فهي كالفاء في إفادة معنى السببية. وتصلح الفاء في موضعها، ولكنها مع ذلك
حرف ابتداء، لا حرف عطف، لأن حتى العاطفة لا تعطف الجمل عند الجمهور.
وذهب أبو الحسن إلى أنها إذا كانت بمعنى الفاء فهي عاطفة، وتعطف الفعل. وذلك إذا دخلت على
الماضي، أو المستقبل، على جهة وتعطف الفعل على الفعل. وذلك إذا دخلت على الماضي،
أو المستقبل، على جهة السبب. نحو: ضربت زيداً حتى بكى. ولأضربنه حتى يبكي.
وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في يبكي، على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب.
ويتعلق به حتى فروع كثيرة. وفيما ذكرته كفاية.
فائدة
في حتى ثلاث لغات: المشهورة، وإبدال حائها عيناً، وهي لغة هذيلية، وبها قرأ ابن مسعود "
ليسجننه حتى حين " ، وإمالة ألفها، وهي لغة يمنية. والله سبحانه وتعالى أعلم.