مدينة “العطف” بالجنوب الجزائري
مدينة جزائرية تمنع السجائر منذ قرون
إذا كنت من المدخنين فإن مكانك حتما لن يكون في مدينة “العطف” بالجنوب الجزائري، ففي هذه المدينة
الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن 13 ألف نسمة لا يوجد أي محل يبيع السجائر، حيث يمنع أعيان المدينة وفقا لقانون عرفي يعود تاريخه
لعدة قرون بيع أو تداول أو تدخين السجائر بشكل علني بها.
ويلجأ مدخنو السجائر في مدينة العطف أو “تاجنينت” كما تسمى باللغة الأمازيغية، والواقعة على بعد 600 كلم جنوب العاصمة الجزائرية،
للاختباء من أجل تدخين سيجارة.
ومن أجل شراء علبة سجائر لابد على من يرغب في ذلك أن يتنقل إلى إحدى المدن المجاورة التي تبعد أقربها مسافة 7 كلم عن “العطف”،
بحسب ما قاله عدد من رجال المدينة لمراسل الأناضول.
ينتابك إحساس بحالة من الطمأنينة وأنت تتجول في أزقة مدينة العطف الهادئة وشوارعها التي تملأها سكينة نادرة في هذا المكان التاريخي، حيث
تنتشر واحات النخيل، وما زالت الأعراف الاجتماعية القديمة تسير شؤون السكان لدرجة أنهم ليسوا بحاجة -على الأقل في الوقت الحالي- لقسم شرطة.
وتكتفي دوريات الدرك الوطني الجزائري، وهي قوة أمنية تابعة لوزارة الدفاع بدوريات قليلة في المدينة كل أسبوع للاطمئنان على أحوال السكان.
وأسست “العطف” وهي إحدى أقدم مدن الجنوب الجزائري قبل اكثر من ألف سنة حيث احتفل سكانها قبل 15 سنة بمرور ألف عام على
تأسيس هذه المدينة التي ينتمي 70 بالمائة من سكانها من الأمازيغ للمذهب الإباضي، بينما توجد أقلية من العرب المنتمين للمذهب المالكي.
ويسود التعايش والتسامح في هذه المدينة، لدرجة أنها لا تحتوي إلى اليوم على قسم للشرطة أو نقاط أمنية، حيث تقل نسبة الجريمة إلى مستوى
قياسي بالمقارنة مع باقي التجمعات السكانية في الجنوب الجزائري.
ويعود هذا إلى النظام الاجتماعي المنظم المعتمد في تسيير شؤون السكان، حيث يرجع الناس في كل صغيرة وكبيرة إلى مجلس مكون من رجال
الدين بالمسجد، وفي أغلب الحالات يعود الناس في أمورهم الخلافية إلى أعيان البلدة ورجل الدين فيها.
ويقول دادي حمو أحد اعيان المدينة : “بفضل الله وجهد المخلصين من كل سكان البلدة تمكنا من الحفاظ على عادات وتقاليد يعود تاريخا إلى
عدة قرون حيث يلتزم تجار المدينة طبقا لقانون عرفي بعدة ضوابط وشروط أولها عدم فتح المحلات التجارية في أوقات الصلوات الخمسة،
وعدم ممارسة التجارة في هذه الأوقات”.
ويضيف حمو في حديثه لوكالة الأناضول : “يحرم على التجار بيع التبغ أو المسكرات وكل ما يخامر العقل، بالإضافة إلى عدم بيع أشرطة
الموسيقى والفيديو ، وعد السماح بفتح مقاهي لأنها تلهي الناس عن اشغالهم”.
ويتابع : “يعود تاريخ القانون العرفي الذي ينظم عمل التجار إلى عدة قرون، كما أن ديننا الحنيف قبل هذا يحرم تدخين السجائر ونحن نلتزم
بتعاليم الدين الاسلامي حرفيا “.
ولكن هذا لا يعني خلو المدينة الصغيرة القريبة من عاصمة محافظة غرداية بالجنوب الجزائر من المدخنين حسب بعض الاشخاص الذين التقاهم
فالمدخنون في “العطف” يعمدون للتخفي في بيوتهم أو في واحات النخيل بعيدا عن الأنظار، أو يتنقلون إلى مدينة غرداية المجاورة، ولا يخفي
بعض الناس في المدينة مخاوفهم من تغير الأوضاع في هذا المكان الهادئ الخفي.
ويقول أحد شباب المدينة لوكالة الأناضول: “لقد أسس لنا الأجداد حضارة ينبغي علينا الحفاظ عليها وتوريثها لأبنائنا”.