ماذا بعد المونديال؟ بقلم حفيظ دراجي
بعد ما صنعنا الحدث في البرازيل وتجاو*** هاجس الدور الأول بالنتائج والأداء
وربحنا احترام وتعاطف الغريب قبل القريب، وبعد ما حطمنا عديد الأرقام في تاريخ
مشاركاتنا في المونديال وأعدنا البسمة إلى نفوس أبنائنا وبناتنا.. حان الوقت لطرح
السؤال الكبير: ماذا بعد؟ خاصة وأن الكرة ليست سوى مجرد لعبة ندرك بأنها لا
تصنع تطور البلد ولكن يصنعه الرجال بأخلاقهم وفكرهم وجهدهم المتواصل..
ماذا بعد هذه الهبة الوطنية والتجاوب الجماهيري والتعاطف العالمي مع المنتخب ومع
الجزائر؟ هل سنستثمر في الأمر وننسج على منوال المنتخب من خلال التفكير في منح
أبنائنا وسائل ترفيه أخرى وفضاءات تسمح لهم بالتعبير عن انتمائهم وتدفعهم إلى التألق
في كل المجالات؟ أم أننا سنكتفي كالعادة "المذمومة" بالاستغلالالسياسي لكل حدث ناجح
بصانعيه، غير معقول أن يصل الإستثمار الظرفي وبنوايا مبيتة إلى درجة يتدخل فيها
الرئيس شخصيا للإبقاء على المدرب الوطني في محاولة لكسب ود وتعاطف الجماهير
التي طالبت ببقائه وفقا للنتائج والأداء.
كنا نتمنى أن نسمع عن تدخل الرئيس كل مرة لحماية الإطارات والكفاءات الوطنية في
مختلف المواقع، وليس فقط لدعم مدرب المنتخب الوطني دون أدنى اعتبار لالتزام
الاتحادية مع مدرب آخر بعد ما رفض خاليلوزيش التجديد منذ مدة، وراح يتفاوض
مع اتحاديتي المغرب وجنوب افريقيا ونوادي روسية وتركية ليستقر به الحالفي نادي
ترابازون سبورت التركي الذي يمنحه أربع مرات ما يتقاضاه في الجزائر، وكل هذا من
حقه طبعا..
ماذا بعد ذهاب خاليلوزيش ومجيء يوهان غوركوف؟ هل سنحطم كل ما تم بناءه ونعيد
من الصفر مجددا ونبقى في نفس مستوى النقاش الحاصل اليوم وفي نفس المستوى
الرديء لكرتنا ومسيرينا ومدربينا وبعض صحافتنا؟ وهل سيبقى المنتخب كالشجرة التي
تغطي الغابة، وحائطا سندا للتغطية على ضعف كرتنا ونقص مرافقناوغياب استراتيجية
وطنية واضحة للنهوض بالحركة الرياضية الوطنية؟
ماذا بعد ما استمتع شعبنا بحلم جميل؟ هل سنستفيق على نفس جديد ومعنويات عالية
وأحلام اخرى نسعى إلى تجسيدها، أم أننا سنقتل فيه آماله ونئد أحلامه في تحقيق ذاته
وتفجير طاقاته، ونعود به قسرا إلى الهم والغم الذي لازمه ويلازمه كل مرة بفعل أطراف
تعتقد بأن أبناءنا دونهم لا يمكنهم تقرير مصيرهم وإثبات وجودهموتحقيق أمجاد أخرى
لهذا الوطن الذي يزخر بطاقات لا مثيل ولا عد لها!!
ماذا بعد أن استعاد أبناؤنا ثقتهم في أنفسهم واستعادوا إحترام وتقدير العالم على
جهدهم؟ هل سنستمر في التشكيك في وطنيتهم وفي قدرتهم على رفع التحديات
ونبقى نعيش على الماضي التعيس وقابعين في ظله الذي لم نتخلص من تبعاته في
كل المجالات، ونبقى تحت رحمة من يعتقدون بأننا لا شيء دون وجودهم؟
من المفروض عند أهل المنطق أنه عندما يتوفر بلد من حجم الجزائر على طاقات شبانية
بهذا القدر من المستوى العالي في الممارسة الكروية بالحب والحرارة والإرادة التي
لمسناها، ويتوفر على جماهير عاشقة تحب وطنها بهذا الشكل الفريد من نوعه فإن
بلادنا من هذا المنطلق لا يمكن أن تكون سوى بخير، ولا يمكن للغد سوىأن يكون أفضل
من دون حقد وكراهية وحسد من دون أفعال المتوهمين بأننا من غيرهم لن نكون، ومن
دون الرداءة التي كرسوها عن قصد في بلد هو منجم للطاقات والكفاءات.
ولكن مادمنا لا نفرق بين الأسود والأبيض ونريد أن تبقى دائما تصرفاتنا رمادية،
ومادمنا لا نفرق بين ما لنا وما علينا، ومادمنا تحت سيطرة أشخاص يعتبرون أنفسهم
أوصياء على جيل لم يجد فرصته إلا في الكرة لإثبات وجوده، ومادمنا لا نقدر حاجة هذا
الشعب لنفس جديد، فإن السؤال الكبير سيستمر في فرض نفسه علىألسنتنا: ماذا بعد؟؟؟
الشروق اون لاين