القراءات :
جمع قراءة وهي مصدر لفعل : ( قرأ )
وفي الاصطلاح :
( مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم ،
مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها )
وقال البناء رحمه الله :
( هو علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزواً لناقله ).
وبعبارة اخرى : فالقراءات مذهب من مذاهب النطق في القرآن
يذهب به إمام من الأئمة القراء مذهباً يخالف غيره ، وعلى سبيل المثال :
النطق بالحروف من تخفيف وتشديد وتشكيل وإمالة وغيرها . . .
ثم يذكر البناء متابعاً : ( أنها مستمدة من السنة والإجماع ) .
ومثل هذه التعاريف وغيرها فإنها تعرف لنا القراءة من حيث
نسبتها للإمام المقرئ الذي هو عالم بالقراءات ،
والذي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي r .
لأن الأصل في القراءة هو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي r .
والمصحف الإمام يحتمل النطق بكل القراءات إلا ما كان منها بزيادة حروف ،
فقد تكون ثابتة في بعض المصاحف العثمانية دون بعض .
ويرجع عهد القراء الذين أقاموا للناس على طرائقهم في التلاوة إلى عهد الصحابة رضي الله عنهم
وكان أهم من اشتهر بإقراء القرآن منهم كما ذكر الإمام السيوطي هم :
عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبو الدرداء ، وأبو موسى الأشعري .
وقد قرأ على أبيّ جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب
وأخذ عن هؤلاء الصحابة كثير من التابعين في كل مصر من الأمصار .
فكان بالمدينة المنورة على سبيل المثال: سعيد بن المسيب وغيره .
وبمكة : مجاهد وعكرمة وغيرهما .
وبالكوفة : علقمة والنخعي والشعبي وغيرهم .
وبالبصرة : الحسن وابن سيرين وقتادة وغيرهم .
وبالشام : المغيرة بن أبي شهاب المخزومي صاحب عثمان وغيره . . .
وفي عهد التابعين على رأس المائة الأولى من الهجرة تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة عناية تامة ،
حين دعت الحاجة إلى ذلك وجعلوها علماً كما فعلوا بعلوم الشريعة وصاروا أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ،
واشتهر منهم ومن الطبقة التي تلتهم الأئمة السبعة الذين تنسب إليهم القراءات إلى اليوم .
ولقد مرَّ معنا فيما مضى أن الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن
لايمكن أن يراد بها القراءات السبع المشهورة ،
وعللنا ذلك في موضعه ، ولكن هذا الإيهام الذي وصل إلى الأذهان يقع لومه
على عاتق الإمام الكبير أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس المشهور ( بابن مجاهد )
الذي كان شيخ القراء في بغداد في زمانه ، حيث قام على رأس القرن الثالث للهجرة في بغداد
فجمع سبع قراءات لسبعة من أئمة الحرمين والعراقين والشام الذين اشتهروا بالثقة والأمانة والضبط وملازمة القراءة ،
وعلى جناح السرعة تبادر للناس مباشرة بأن القراءات هي سبعة فقط ،
وبما أنها سبعة فإنها هي الحرف السبعة نفسها ، علماً بأن القراءات هي أربع عشرة قراءة ،
ولكن التي حظيت بالشهرة ونباهة الشأن هي القراءات السبع المنسوبة إلى الأئمة السبعة المعروفين ،
ولقد كان اقتصار الإمام ابن مجاهد على هؤلاء السبعة مصادفة واتفاقاً ،
من غير قصد ولا عمد ، إذ كان في أئمة القراء من هم أجل منهم قدراً ،
ولكنه أخذ على نفسه ألا يروي إلا عمن اشتهر بالضبط والأمانة وطول العمر ف
ي ملازمة القراءة واتفاق الاراء على الأخذ عنه والتلقي منه .
فلم يتم له ما أراده هذا إلا عن هؤلاء السبعة وحدهم ، علماً بأن القراء كانوا لا يحصون عدداً لكثرتهم .
وهذا الذي جعل الإمام أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي
يلوم ابن مجاهد ويقسو عليه في تعبيره حيث يقول :
( لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له ،
واشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ،
وليته إذ اقتصر نقص عن الســـــبعة أو زاد ليزيل الشبهة ! ).
( أنــــواع القـــراءات )
وهذا العنوان يعني تقسيم القراءات حسب درجاتها ،
ولكن قبل توضيح ذلك لا بد أن نذكر ما أورده
الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في ضابط القراءة المقبولة وتعريفها ،
وهذا يحتاج إلى عنوان جانبي .
ضابط القراءة المقبولة :
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي :
1- ( كل قراءة صح سندها إلى رســول الله r .
2- واستقام وجهها في العربية ، ( ولو بوجه ) .
3- ووافقت خط المصحف الإمام ، أو وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً ) .
فلا يجوز ردها بل هي قرآن منزل تصح الصلاة به ،
ويستوي في ذلك ما ورد عن السبعة أو عن بقية العشرة أو عن غيرهم من الثقات .
ومتى اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة فهي من الشاذ ، يعني لا يصح القراءة بها في الصلاة .
هذا ما حققه الأئمة سلفاً وخلفاً .
وإليك تفصيل لأنواع القراءات :
1ً- القراءة المتواترة :
وهي : ما نقله جمع لا يتواطأ على الكذب عن جمع مثلهم إلى منتهى المســـند ،
ومثالها ما حققه الســـبعة واتفقوا عليه ومنه قوله تعــالى :
{ ســـواء عليهم أأنذرتهم } فكلهم يحقق الهمـزة الأولى ،
أما الهمزة الثانية فقالون و ابوعمرو يسهلانها ويدخلان بينها ألفاً .
وكذلك قوله تعالى :
{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } .
فقد اتفق السبعة على فتح الياء في { نعمتيَ } وهي قراءة الجمهور .
2ً- القراءة المشهورة :
وهي ما صح سندها بأن رواها العدل الضابط عن مثله
ووافقت العربية ووافقت أحد المصاحف العثمانية سواء أكان عن الأئمة السبع
أم العشرة أم غيرهم عند القراء فلم يعدّوه من الغلط ولا من الشذوذ إلا أنها لم تبلغ درجة المتواتر ،
ومثالها : ما اختلفت الطرق في نقله عن السبعة فرواه بعض الرواة عنهم دون بعض .
ومنه قوله تعالى :
{ وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً } ،
ففي قوله تعالى :
{ نخرج } ثلاث قراءات بالياء والنون :
1- فأبو جعفر قرأها بالياء المثناة من تحت مضمومة وفتح الراء مبنياً للمفعول ونائب الفاعل ضمير الطائر . { يُخرَج } .
2- وقرأ يعقوب بفتح الياء وضم الراء مضارع خرج ووافقه ابن محيصن و الحسن والفاعل ضمير الطائر أيضاً . { يَخرُج } .
3- والباقون بنون العظمة وكسر الراء واتفقوا على نصب { كتاباً } على المفعول به الأخيرة وعلى الحال في السابقتين . { نُخرِج } .
وفي قوله تعالى : { يلقاه } قراءتان :
1- فابن عامر وأبو جعفر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف مضارع لَقَى بالتشديد . { يُلَقَّاهُ } .
2- والباقون بالفتح والسكون والتخفيف مضارع لَقِيَ ،
{ يَلْقَاه } ومن هذه القراءات نرى احتمال رسم المصحف لها وموافقة العربية مع صحة السند .
وهذه القراءات المشهورة تأخذ حكم المتواتر في وجوب قبولها والعمل بمقتضاها
والتعبد بها مادامت صحيحة السند بأن رواها العدل الضابط عن مثله
ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولم يعترض عليها قارئ .
3ً- القراءة الآحادية :
وهي ما صح سندها وخالفت الرسم أو العربية أو لم تشتهر الاشتهار المذكور
وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده .
ومن ذلك قوله تعالى :
{ لقد جاءكم رسول من أنفَسكم } بفتح الفاء { أنْفَسكم } .
وكذلك قوله تعالى : { على رفرف خضر وعبقري حسان }
رويت : { على رفارف خضر وعباقري حسان } .
ومع ذلك فإنه لا يتعبد بمثل هذه القراءات .
4ً- القراءةالشاذة :
وهي ما لم يصح سندها ، ولو وافقت رسم المصحف والعربية ، كقراءة ابن السَّميقع :
{ فاليوم ننحيك ببدنك } بالحاء المهملة { لتكون لمن خَلَفك آية } بفتح اللام من كلمة { خَلَفك } .
5ً- القراءة التفسيرية :
وهي ما زيد في القراءة على وجه التفسير كما مرَّ في الأحرف السبعة .
وهي المدرجة لأنها تشبه المدرج من أنواع الحديث ومثالها ما روي من قراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى :
{ وله أخ أو أخت من أم } بزيادة لفظ { من أم } للتفسير .
وكذلك ما روي من قراءة ابن عباس قوله تعالى :
{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في موسم الحج }
بزيادة لفظ { في موسم الحج } للتفسير .
وهاتان القراءتان للتفسير وفيهما زيادتان على النص لا وجود لهما في المصحف العثماني .
وهذا نوع كذلك لا يجوز اعتقاده ولا يتعبد بتلاوته ، وسنرى أن له بعض الفائدة في معاني الآية
والاســـتدلال بها ، واختلاف الآراء الفقهيـة بصددها وربما اعـتبرها البعـض قراءات منســـوخة فـلا
يتعبد بها .
6ً- القراءة الموضوعة :
وهي القـراءة المختـلقة المكذوبة التي لا أصل لها .
وهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة لا تحل القراءة بها ،
وبالأحرى إذا كانت قراءة الآحاد لا تجوز القراءة بها ، ويعاقب من قرأ بها ،
فكيف بالشاذة التي لم يصح سندها أوالتفسيرية !؟
فمن باب أولى الموضوعة التي لا أساس لها أصلاً .
ونسبت إلى قائلها من غير أصل ،
ومثال ذلك القراءات التي جمعها محمد بن جعفر الخزاعي
ونسبها إلى أبي حنيفة رضي الله عنه كقراءة :
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } برفع اسم الجلالة ونصب العلماء .
القراءات المتواترة وقراؤها
من الضـروري والطبيعي أن يشـتهر في كل عصر جماعة من القراء ،
في كل طبقة من طبقات الأمة ، يتفوقون في حفظ القرآن الكريم واتقان ضبط أدائه ،
والتصدي والتفرغ لتعليمه ، من عصر الصحابة ، ثم التابعين ، وأتباعهم وهكذا ،
وكان من القراء من بلغ الذروة في الاتقان والضبط ، كما كان ثمة قراءة دونهم ،
وآخرون ليسوا من أهل الاتقان ، فقام العلماء بتمحيص هذه القراءات ودراسة أحوالها ،
وبينوا للناس المتواتر منها .
واعتباراً من عصر التابعين انتشرت القراءات كثيراً فشعرت طائفة من أهل العلم
بضرورة الأحتياط للقرآن الكريم وقراءاته ،
فنهض كل إمام بضبط القراءة عن الأئمة المقرئين وهكذا في العصور التالية ،
ثم أودعت تلك القراءات في مؤلفات خاصة ،
كما فعله أبو عبيدة ثم الطبري ومن جاء بعد . .
ثم يقول الدكتور نور الدين عتر نقلاً عن الإمام ابن الجزري في كتابه :
( النشر في القراءات العشر ) .
( ثم تجرد قوم للقراءة والأخذ ،
واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم ،
ويؤخذ عنهم ، أجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول ،
ولم يختلف فيها اثنان ، ولتصّديهم للقراءة نسبت إليهم .
ثم اعلم أن التحقيق الذي يؤيده الدليل ، هو أن القراءات العشر كلهامتواترة ،
وهو رأي المحققين من الأصوليين والقراء كابن السبكي وابن الجزري والنوبري وغيرهم
وعلى هذا فالقراءات العشر بين أيدينا اليوم متواترة دون غيرها ،
قال الإمام ابن الجزري رحمه الله تعالى ما يفيد :
أن الذي جمع في زمنا هذه الأركان الثلاثة :
( أي في ذلك الضابط المشهور مع ملاحظة إ بدال شرط صحة الإسناد بتواتره )
هو قراءة الأئمة العشرة التي اجمع الناس على تلقيها بالقبول .
أخذها الخلف عن السلف إلى أن وصلت إلى زماننا ،
فقراءة احدهم كقراءة الباقين في كونها مقطوعاً بها .
أما قول من قال :
إن القراءات المتواترة لا حد لها فإن أداء القراءات المعروفة في زماننا فغير صحيح ،
لأنه لا يوجد اليوم قراءة متواترة وراء القراءات العشر .
وإن أراد ما يشمل قراءات الصدر الأول فمحتمل والله تعالى أعلم .حكم ما وراء العشر :
لقد وقع الخلاف في القراءات الأربع التي تزيد على العشر وتكمل الأربع عشرة :
فقيل بتواتر بعضها ، وقيل بصحتها ، وقيل بشذوذها ، إطلاقاً في الكل . وقيل :
إن المسألة ليست مسألة أشخاص ولا أعداد ، بل هي قواعد ومبادئ ،
فأيما قراءة تحققت فيها الأركان الثلاثة التي مرت معنا فهي مقبولة ، وإلا فهي مردودة .
لا فرق حينئذ بين قراءات القراء السبع والقراء العشر والقراء الأربعة عشر وغيرهم ،
فالميزان واحد في الكل والحق أحق أن يتبع .
القرّاء :
القراء : جمع قارئ وهو في اللغة اسم فاعل من قرأ .
ويطلق في الاصطلاح على إمام من الأئمة المعروفين الذين تنسب إليهم القراءات السابقة ،
ولنأخذ نبذة عنهم وعن أسمائهم مستفتحين أولاً بالسبعة ثم العشرة ثم الأربعة عشر .
القراء السبعة :
1-( ابن عامر ) اسمه عبد الله بن عامر اليحصبي , نسبة إلى يحصب إمام القراء بالشام ،
وهو تابعي جليل شامي لقي من الصحابة واثلة بن الأسقع والنعمان بن بشير رضي الله عنهما
وأخذ القراءة عن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله r .
وقيل إنه قرأ على عثمان نفسه ، وقد توفي بدمشق سنة /118/ هـ .
وقد اشتهر برواية قراءته هشام وابن ذكوان ولكن بواسطة أصحابه .
2- ( ابن كثير ) اسمه عبد الله بن كثير الداري ،
تابعي جليل مكي لقي من الصحابة عبد الله بن الزبير ، وأبا أيوب الأنصاري ،
وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، وأخذ القراءة عن عبد الله بن السائب المخزومي ،
وعبد الله هذا أخذها عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب عن رسول الله r وقد توفي بمكة سنة /120/ هـ .
وقد اشتهر بالرواية عنه - لكن بواسطة أصحابه - البزي وقنبل .
3- ( عاصم ) اسمه عاصم بن أبي النجود الأسدي ،
رجل صالح جليل كوفي أخذ القراءة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله r
وأخذ أيضاً عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي ،
معلم الحسن والحسين . وقد توفي بالكوفة سنة /127/ هـ .
وقد اشتهر بالرواية عنه شعبة وحفص بدون واسطة .
4- ( أبو عمرو ) اسمه زبَّان بن العلاء عمار البصري ،
رجل صالح جليل بصري أخذ القراءة عن مجاهد بن جبر ، وسعيد بن جبير ،
عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله r . وقد توفي بالبصرة سنة /154/ هـ .
وقد كان ممن اشتهر بالرواية عنه : الدوري والسوسي بواسطة .
5- ( حمزة ) اسمه حمزة بن حبيب الزيات مولى عكرمة بن ربيع التيمي ،
رجل صالح جليل كوفي أخذ القراءة عن أبي محمد سليمان بن مهران ألأعمش ،
عن يحيى بن وثاب ، عن زر بن حبيش عن عثمان وعلي وابن مسعود ، عن النبي r .
وقد توفي بحلوان سنة /156/ هـ .
كان ممن اشتهر يالرواية عنه : خلف وخلاّد ولكن بواسطة .
6- ( نافع ) اسمه نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ،
رجل صالح جليل مدني أخذ القراءة عن أبي جعفر القاري وعن سبعين من التابعين ،
وهم أخذوا عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة ، عن أبي بن كعب ،
عن رسول الله r ، وقد توفي بالمدينة سنة /169/ هـ .
وكان ممن اشتهر بالرواية عنه قالون وورش بدون واسطة .
7- ( الكسائي ) اسمه علي بن حمزة الكسائي النحوي رجل صالح جليل كوفي كان إماماً في اللغة والنحو والقراءة ، تعلم بالكوفة وقرأ النحو بعد الكبروسكن بغداد . وقد توفي بالكوفة سنة /189/ هـ .
وقد اشتهر بالرواية عنه أبو الحارث والدوري .
وقد علمت فيما مضى أن القراءات أكثر من ذلك بكثير ،
لكن ابن مجاهد استتم جمع هذه السبع لشروطه التي راعاها ،
وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة ،
حتى استقر الاعتماد العلمي واشتهر على زيادة ثلاث قراءات ،
وهذه القراءات الثلاث هي قراءات هؤلاء الأئمة
8- ( ابو جعفر ) اسمه يزيد بن القعقاع القاري .
تابعي جليل مدني أخذ القراءة عن عبد الله ابن عباس وأبي هريرة ،
عن أبي بن كعب ، عن رسول الله r . وقد توفي بالمدينة سنة /130/ هـ.
وقد اشتهر بالرواية عنه أبو موسى عيسى بن وردان وابن جمّاز .
9- ( يعقوب ) اسمه بعقوب بن اسحاق الحضرمي رجل صالح جليل كوفي
أخذ القراءة عن أبي المنذر سلام بن سليمان الطويل عن عاصم وأبي عمرو توفي بالكوفة سنة /205/ هـ .
وقد كان ممن اشتهر بالرواية عنه رَوْح بن عبد المؤمن ورويس محمد بن المتوكل اللؤلؤي وغيرهما .
10- ( خلف ) اسمه خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف بن ثعلب .
رجل صالح جليل أخذ القراءة عن سليم عن حمزة ، وعن يعقوب بن خليفة الأعشى ،
وعن أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري وعن أبان العطار ،
وهم عن عاصم . وقد توفي سنة /229/ هـ .
وكان ممن اشتهر بالرواية عنه أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد البغدادي .
وأبو يعقوب إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عبد الله ، المروزي .
وأما الأربعة الباقون الذين إذا اضيفوا إلى العشرة السابقين كملت عدة القراء الأربعة عشر
الذين تنسب إليهم القراءات المعروفة بالقراءات الأربع عشرة ، وهم :
11- ( الحسن البصري ) هو السيد الإمام الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري
الغني بشهرته عن تعريفه المتوفى سنة /110/ هـ .
12- ( ابن محيصن ) هو محمد بن عبد الرحمن السهمي المكي ،
مقرئ أهل مكة مع بن كثير المتوفي سنة /123/ هـ .
13- ( يحيى اليزيدي ) هو يحيى بن المبارك بن المغيرة الإمام أبو محمد العدوي البصري
المعروف باليزيدي المتوفى سنة /202/ هـ .
14-( الشنبوذي ) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن يوسف بن العباس
بن ميمون أبو الفرج الشنبوذي الشطوي البغدادي المتوفى سنة /388/ هـ .
ونسأل الله تعالى أن يتغمد الجميع بواسع رحماته ،
وأن يجزيهم أفضل الجزاء على ما قدموه لنا ،
وعى خدمتهم لكتاب الله تعالى .
آميـــن .
وجوه الحكمة في تعدد القراءات :
اقتضت حكمة العلي الاعلى أن ينزل القرآن بلسان عربي مبين
بلسان قوم الرسول النبي العربي المبين r كما قال الله تعالى :
{ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ، ليبين لهم }
واذن الله لرسوله الكريم صلوات ربي وتسليماته عليه بقراءة القرآن بالقراءات المعتمدة
لحكم عديدة نبينها فيما يلي :
1- التهوين والتسهيل والتخفيف على الأمة :
فنحن نعلم ان العرب كانوا يختلفون في طريقة الأداء
بحيث لا تتمكن القبيلة من قراءة لم يتعود عليها لسانها والله تعالت رحمته وحكمته يقول :
{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }
زكما يقول أيضاً :
{ يريد الله أن يخفف عنكم }
وإن هذا التخفيف جعل الأمة الإسلامية تجتمع على لسان واحد ،
وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم ،
لأن لغات العرب جمعاء تمثلت في لسان القرشيين بهذا المعنى ،
وكانت هذه حكمة إلهية سامية ، فإن وحدة اللسان العام من أهم العوامل في وحدة الأمة ،
خصوصاً أول عهدها بالتوثب والنهوض .
2- اختلاف القراءات يظهر الأختلاف في الأحكام مع الإعجاز في الإيجاز اللفظي
لكون الكلمة الواحدة بمنزلة كلمتين أو أكثر :
ومن هذا ما اختلف فيه الفقهاء في مسألة نقض وضوء الملموس وعدمه على اختلاف القراءة في :
{ لمستم ولامستم } .
قال البناء : بالألف أي ( ماسستم بشرة النساء وقيل جامعتموهن ) واللمس باليد ،
فعلى اللمس لا نقض وعلى المس ينتقض الوضوء .
ومن أمثلة اختلاف الحكم الفقهي بتعدد القراءة ما هو معروف من جواز
وطء الحائض عند انقطاع الدم قبل الغسل وعدمه على الاختلاف في { يطهرن }
فعلى قراءة التشديد يلزم الغسل بعد انقطاع الدم
أما قراءة التخفيف فتفيد الجواز - ( يعني جوازالوطء ) -
بمجرد انقطاع الدم عنهن وقبل الأغتسال .
وطالما أن القرائتين الواردنتين متواتران فلا تفضيل لأحداهما عن الأخرى
فيجوز هذا ويجوز ذاك ولكنه من الواجب على المرأة بصفة عامة
ألا تؤخر غسل الجنابة سواء من حيض أو نفاس أو جماع حتى تواظب على الصلوات في أوقاتها ،
( فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ) .
3- قد يختلف المعنى باختلاف القراءة :
كما في قوله تعالى :
{ وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته } فـقـد قرئـت :
{ بشراً } بأربعة أوجه :
( أ ) بُشْراً : بالباء المضمومة والشين الساكنة جمع بشير .
(ب) نُشْراً : بالنون المضمومة والشين الساكنة جمع ناشر .
(جـ) نَشْراً : بالنون المفتوحة والشين الساكنة بمعنى منشورة أي متفرقة .
( د ) نُشُراً : بالنون والشين المضمومتين وهي مفردة جمع نشر بفتح فسكون .
وهذا يدل كذلك على الإعجاز في الإيجاز اللفظي فتنوع القراءات بمنزلة تنوع الآيات .
4- إظهار سر الله تعالى في كتابه وصيانته له عن التبديل والأختلاف والاضطرابات مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة :
فسبحان من حفظ كتابه و قراءته عن العبث والتغيير وعن التناقض
رغم ما احتوى من كثرة تشريعاته وقضاياه وسبحانه القائل :
{ أفلا يتدبرون القرآن ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } .
5- إظهار فضل الأمة الإسلامية وشرفها ومكانة لغتها على غيرها من الأمم واللغات :
حيث لم ينزل كتاب من السماء بأكثر من قراءة غير القرآن الكريم .
{ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم }
6- إعظام أجر علماء هذه الأمة :
حيث أنهم يفرغون جهدهم في تحقيق الكتاب وضبطه لفظة لفظة حتى مقادير المدَّات وتفاوت الإمالات وتتبع معاني ذلك واستنباط الحِكم والأحكام من دلالة كل لفظ وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح ،
مما يؤكد لنا صدق هذا الكتاب المنزل وصدق ما يخبر به وأنه الفصل ليس بالهزل .
7- بيان تفسير اللفظ بالقراءة غير المتواترة ودفع توهم ما ليس مراداً :
وذلك مثل قوله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله }
فقد قرئت : { فامضوا إلى ذكر الله }
فالقراءة الأولى يتوهم منها وجوب السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة ،
ولكن القراءة الثانية رفعت هذا التوهم لأن المضي ليس من مدلوله السرعة .
فالغاية هي الذهاب لا المشي السريع .
وهناك كثير من الحكم في تعدد القراءات ولكن خير الكلام ما قلَّ ودلَّ .
لأن ما مرَّ يعني أن هذا القرآن يعجز إذا قريء بهذه القراءة ،
ويعجز أيضاً إذا قريء بهذه القراءة الثانية ،
ويعجز أيضاً إذا قريء بهذه القـراءة الثالثة ، وهلمّ جراً .
ومن هنا تتعدد المعجـزات بتعـدد تلك الوجـوه والحروف ! .
والخلاصة :
أن تنوع القراءات ، يقوم مقام تعدد الآيات وذلك ضرب من ضروب البلاغة ،
ييتديء من جمال هذا الإيجاز ، وينتهي إلى كمال الإعجاز .
أضف إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة ،
والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله ، وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله r ،
فإن هذه الأختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقص في المقروء وتضاد ،
ولا إلى تهافت وتخاذل ، بل القرآن كله على تنوع قراءاته ، يصدّق بعضه بعضاً ، ويبين بعضه بعضاً ،
ويشهد بعضه لبعض ، على نمط واحد في عُلُوِّ الأسلوب و التعبير ،
وهدفٍ واحد من سُمُوِّ الهداية والتعليم ، وذلك - من غير شك -
يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف.