قال إسحاق بن راهويه :كنا بمكة والشافعي بها ، وأحمد بن حنبل أيضا بها ، وكان أحمد يجالس الشافعي ، وكنت لا أجالسه ...
فقال لي أحمد : يا أبا يعقوب لمَ لا تجالس هذا الرجل ؟
فقلت : ما أصنع به ، وسِنُّه قريب من سننا ، كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله ؟!
قال : ويحك إن هذا يفوت ، وذلك لا يفوت .
قال إسحاق : فذهبت إليه ، وتناظرنا في كراء بيوت أهل مكة ، وكان الشافعي تساهل في المناظرة ، وأنا بالغت في التقرير ، ولما فرغت من كلامي - وكان معي رجل من أهل مرو - فالتفت إليه ، وقلت : مردك هكذا مردك واكمالي نيست ، يقول بالفارسية : هذا الرجل ليس له كمال ...
فعلم الشافعي أني قلت فيه سوءًا .
فقال لي : أتناظر ؟
قلت : للمناظرة جئت .
قال الشافعي : قال الله تعالى {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} فنسب الديار إلى مالكها أو إلى غير مالكها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : (من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) ، فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها ، واشترى عمر بن الخطاب دارا للسجن من مالك أو من غير مالك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (وهل ترك لنا عقيل من دار) ..
قال إسحاق : فقلت : الدليل على صحة قولي أن بعض التابعين قال به .
فقال الشافعي لبعض الحاضرين : من هذا ؟!
فقيل : إسحاق بن إبراهيم الحنظلي .
فقال الشافعي : أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم ؟
قال إسحاق : هكذا يزعمون .
فقال الشافعي : ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بعرك أذنيه ، أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنت تقول : قال عطاء وطاوس والحسن وإبراهيم ، وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة .
فقال إسحاق اقرأ ( سواء العاكف فيه والباد )
فقال الشافعى هذا فى المسجد خاصة.وعن داود بن علي الأصفهاني أنه كان يقول: إن إسحاق لم يفهم احتجاج الشافعي، فإن غرض الشافعي أن يقول لو كانت أرض مكة مباحة للناس لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أي موضع أدركنا في دار أي شخص نزلنا فإن ذلك مباح لنا فلما لم يقل ذلك بل قال: «لم يترك لنا عقيل سكنا»،
دل ذلك على أن كل من ملك منها شيئا فهو مالك له منعه غيره أو لم يمنعه. ثم يحكى عن إسحاق أنه كان إذا ذكر الشافعي كان يأخذ لحيته بيده ويقول: وا حيائي من محمد بن إدريس، يعنى في هذه المسألة، ولا سيما في قوله: مردك لا كما لى نيست، وفى رواية قال إسحاق لما عرفت أنى أفحمت قمت.