خدعوك فقالوا ... إن القلب وعاء الحب
معالي المزين – الخبر
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الدنيا والخليقة وبدأت الحياة بين آدم وحواء بالحب والمودة
وقد نصت الآيات السماوية على ذلك بالتآلف بين الزوج وزوجته بالمودة .. والحب شيء
غريزي فطري مولود معنا يظهر وينمو ويكبر ويتفاعل في جميع مراحل السن المختلفة ،
وقد يكون في الأطفال والحيوانات حبا غريزيا للمطالب الأساسية للطفل أو الحيوان أما
عندما يكبر الإنسان إلى كائن عاقل يتسامي عن الغرائز ويبقى الحب قويا ، وللحب أنواع
كثيرة ..
فالحب عطاء بلا مقابل مثل حب الوالدين لأبنائهما ولا يحتاج هذا الحب الى غذاء أو تقوية
أو نصح ولكنه غريزي بالدرجة الأولى وهذا لا ينطبق عكسيا على الأبناء في علاقتهم مع
والديهم فليس بالضرورة أن يحب الأبناء والديهم ولذلك أوصى القرآن الكريم بأن يحب
الأبناء والديهم ولكن لم يوص الوالدين بحب ابنائهما0
"اليوم" تتناول في هذا التحقيق علاقة القلب بالحب في هذه السطور ...
أسماء الحب :
مريم مطلق أستاذة اللغة العربية تذكر أن اللغويين جمعوا للحب أسماءً كثيرة منها المحبة
والهوى (وأمَا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإنَّ الجَنَّة هي المأْوى) كذلك
الشغف مأخوذ من الشّغاف الذي هو غلاف القلب، ومنه قول الله في القرآن واصفاً حال
امرأة العزيز في تعلقها بيوسف : (قد شغفها حُباً) ومن أسماء الحب أيضا الوجد والهيام
والعشق والنجوى والشوق أما الوصب فهو الميل إلى الجهل، فقد جاء في القرآن الكريم
على لسان سيدنا "يوسف": (وإلا تَصرفْ عني كيدَهن أصبُ إليهنَّ وأكنُ من الجاهلين)
كذلك الاستكانة الخضوع فقد ذكر القرآن الكريم الاستكانة أي بهذا المعنى في قولهِ: (فما
استكانوا لربهم وما يتضرعون)المؤمنون 76، وقال: (فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله
وما ضَعُفوا وما استكانوا)آل عمران146.
وجاء الود بمعنى خالص الحب وألطفه وأرقّه، وتتلازم فيه عاطفة الرأفة والرحمة، يقول
الله تعالى: (وهو الغفور الودود)البروج14 أما الخُلّة فهي توحيد المحبة، وهي رتبة أو
مقام لا يقبل المشاركة، ولهذا اختص بها في مطلق الوجود الخليلان "إبراهيم"
و"محمد"، عليهما الصلاة والسلام ولقد ذكر القرآن ذلك في قولهِ: (واتَخَذَ اللهُ إبراهيم
خليلاً)النساء125 وصح عن النبي محمد بن عبد الله أنه قال : (لو كنت متخذاً من أهل
الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن ) ومن الأسماء أيضا
الغرام فمن المادة نفسها قول الله تعالى في القرآن عن جهنم: (إنَّ عذابها كان غراماً) أي
لازماً دائماً. وهناك أسماء أخرى كثيرة التقطت من خلال ما ذكره المحبون في أشعارهم
وفلتات ألسنتهم وأكثرها يعبر عن العلاقة العاطفية بين رجل والمرأة .
حقيقة لا يجوز تجاهلها :
المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها د. فالح بن محمد الصغير يصف كلمة
الحب فيقول : هي كلمة جميلة محببة للنفوس، ترادفها كلمات أخرى في القاموس العربي
مثل الود، ولها علاقة وطيدة بكلمات أخرى كالشفقة والرحمة، والعطف، وينبني عليها
سلوك عملي يظهر على المحب تجاه من يحبه، من الأعيان، أو ما يحبه من الأقوال
والأفعال والأحوال، ويتمنى كل مخلوق حي أن يعيش في عالم هذه المصطلحات المريحة
في يومه وليلته، وفي بيته وشارعه وعمله، وفي إقامته وسفره لتضفي عليه جواً من
السكينة والطمأنينة، والهدوء والراحة، وتخفف عنه أعباء الحياة ومشكلاتها ومشاغلها،
بل لتقلب هذه الأعباء إلى لذائذ يستمتع بها، وقد يتعجب من يقرأ هذا الكلام فهل ممكن أن
يكون كذلك؟ وكيف لايكون كذلك والتاريخ شاهد أيّما شاهد لأولئك الجيل الذين غمر
قلوبهم حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف حولهم هذا الحب من أقل
الناس شأناً إلى أن يسودوا الدنيا، وينشروا الخير والرحمة والإحسان في أقاصيها،
ونقلهم هذا الحب من ذيل القائمة، إلى أن يكونوا قادة الناس وقدوتهم؟ وأشار الصغير إلى
أن الحب: حقيقة لا يجوز تجاهلها، ولكن قد يصرف لغير أهله، أو في غير محله، ومن ثمّ
فلا يؤدي غرضه، ولا يورث خيره، بل قد يكون وبالاً على صاحبه.
محبة الرسول :
فمحبة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام وما جاء به من عند الله تعالى محبة يجب أن
تكون عميقة في نفوسنا، متجذرة في قلوبنا، تلهج فيها ألسنتنا، وتنطق بها أقوالنا،
وتترجمها أعمالنا وسلوكنا، هذه المحبة عقيدة يجب أن نعتقدها، وندين الله تعالى بها،
نرجو بها الثواب، والرفعة عند الله تعالى، والصحبة لنبيه صلى الله عليه وسلم ومرافقته
في الجنة، والشرب من حوضه ، وأكد الصغير أن هذه المحبة هي التى تمثل لنا زاداً
إيمانياً يكون حادياً لنا في السير في هذه الحياة فتتسهل بها الدروب ونتخطى بها العقبات.
وتتعدل بها الأخلاق وتستقيم بها المعاملة فيظهر الصدق و الإخلاص وحسن الظن و
القول الحسن واللين في المخاطبة و العفو و التسامح و الصفح.
نظرة علمية :
وجد باحثون بريطانيون أن هرمون التيستوستيرون يقل عن معدلاته الطبيعية عند الرجال
عند الوقوع في الحب، بينما يزداد عن معدلاته الطبيعية عند النساء. وفي دراسة أخرى
اكتشف باحثون ، بجامعة "لندن كوليدج" أن الوقوع في الحب يؤثر على دوائر رئيسية
في المخ. وتوصل الباحثون إلى أن الدوائر العصبية التي ترتبط بشكل طبيعي بالتقييم
الاجتماعي للأشخاص الآخرين تتوقف عن العمل عندما يقع الإنسان في الحب. وقال
الباحثون: إن هذه النتائج قد توضح أسباب تغاضي بعض الأشخاص عن أخطاء من
يحبون.
ليس له علاقة بالحب :
تقول الأخصائيّة النفسية عنود العلوني : القلب ليس له علاقة بالحب كما يدعى العامة
ولكنه مظهر وأداة من المظاهر والأدوات التي يستخدمها المخ لاظهار الحب في الجسم
وقد يقول العامة: إن العين والأذن تعشق قبل القلب أحيانا وهذا به جزء من الحقيقة فإن
المخ الذي به موطن الحب يستقبل الإشارات الصوتية والمرئية عن طريق الأذن أو العين
ثم ينفعل به المخ ثم يظهر تأثيرها على القلب أي أن العين هي المستقبل قبل القلب ولكن
العين لا تحب ولكن المخ هو الذي يحب .
والحب باللغة العلمية النفسية "السيكولوجية"هو انعكاس شرطي أي يتولد الحب بين
شخصين إذا أحسن أحد الشخصين المعاملة وتقرب بلطف ومودة الى الآخر بصفة
مستمرة بدليل أن أجدادنا وآباءنا القدماء أحبوا زوجاتهم بعد الزواج بالعشرة نتيجة
المعاملة الحسنة والمودة المستمرة.
وقد ينهار الحب أيضا بالانعكاس الشرطي أي انه إذا أساء المحب المعاملة بطريقة جافة
مستمرة يتهدم هذا الحب الكبير والدليل على ذلك أن كثيرا من المتزوجين الذين كانوا
يحبون بعضهم حبا كبيرا يفترقون وينفصلون أحيانا لأن الحب لم يجد ما يغذيه من المودة
والمعاملة الطيبة المستمرة 0
التبرع بالقلب :
وفي السياق ذاته يعتبر الدكتور مجدي يعقوب (جراح قلب) أن القلب هو أهم الأعضاء في
جسم الإنسان, لكنه ليس المسئول عن الأفكار أو العواطف, فكل العواطف والأفكار تأتي
من المخ, وبالتالي ليس صحيحا أن القلب المنقول بالتبرّع بالأعضاء مثلا تنتقل معه
عواطف أو أفكار المنقول منه الى المنقول إليه.
الفرح والحزن :
الحب والفرح ينعشان القلب, أما الحزن وخصوصا الكبت هذا ما أكّده الدكتور مجدي
يعقوب مشيرا للأبحاث العلمية التي أكدت أن هذه الانفعالات تؤثر سلبا أو إيجاباً في القلب,
فمثلا هناك بحث في انجلترا على موظفي الحكومة الذين أصيبوا بنوبات قلبية مقارنة بمن
لم يتعرضوا لمثل هذه النوبات, هذا البحث أكد أن غالبية من أصيبوا بنوبات قلبية كانوا
يعانون من كبت شديد وحزن وكآبة هذه المشاعر تأتي من المخ فيؤثر على انتظام نبض
القلب بالتالي تأثره سلبا والعكس صحيح.
واستدلت الدكتورة إيمان السعدون على أن القلب ليس هو المسؤول عن الحب بأن ما يرد
للمستشفى من حالات انهيارات وصدمات عاطفية لا يتم تحويلها لطبيب القلب وإنما
معظمها يكون نتيجة السهر والضعف وعدم تناول الطعام أو الإفراط فيتناول المسكنات
هربا من الواقع هذا ما يحدث لدى بعض المراهقين تحت مسمى الحب .
الحب المشروط :
الدكتور فيصل الهاجري رئيس فرع الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية
"جستن"بالمنطقة الشرقية يلفت إلى أهمية كشف مشاعر الحب في علاقاتنا مع الأهل
والأبناء والزوجات والجيران وإن الحرص على تربية الأولاد تتطلب حزماً ولكن هذا لا
يتنافى مع أن يقول الأب لابنته أو ابنه : "إني أحبكما" ففي الكلمة احتواء وملء للاحتياج
العاطفي خصوصا في مرحلة ما بعد الطفولة والإدراك وفيها دفء وحصانة حتى لا يبحث
الأبناء عن الحب خارج المنزل .