facebook twitter rss
v





العودة  

جديد مواضيع منتديات بيت العرب الجزائري


ركن أخلاق المسلم


 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-07-30, 02:25 PM   #1
hakimdima
مشرف الأقسام التعليمية


العضوية رقم : 10954
التسجيل : Jul 2016
العمر : 39
الإقامة : الجزائر
المشاركات : 6,072
بمعدل : 1.99 يوميا
الوظيفة : متعاقد
نقاط التقييم : 10
hakimdima is on a distinguished road
hakimdima غير متواجد حالياً
معلومات الإتصال :
افتراضي من أخلاق المسلم التأني

التأني
معنى التَّأنِّي لغةً واصطلاحًا
معنى التَّأنِّي لغةً:
الأَناةُ والأَنَى: الحِلم والوقار، وأَنِيَ وتَأَنَّى واسْتأْنَى: تَثبَّت، ورجل آنٍ -على فاعل- أَي: كثير الأَناة والحِلْم.
وتقول للرَّجل: إنَّه لذو أناةٍ، أي: لا يَعجَل في الأمور، وهو آنٍ: وقورٌ
[533] انظر: الصحاح ((تاج اللغة وصحاح العربية))، للجوهري (6/2274)، ((مقاييس اللغة))، لابن فارس (1/142). .
معنى التَّأنِّي اصطلاحًا:
التَّأنِّي والأناة هو: التَّثبُّت وترك العَجَلَة
[534] ((شرح صحيح مسلم)) للنَّووي (1/189). .
وقال أبو هلال العسكريُّ: (الأناة: هي المبالغة في الرِّفق بالأمور والتَّسبُّب إليها)
[535] ((الفروق اللغوية)) (1/204).
الفرق بين الأناة وبعض الصِّفات
– الفرق بين الأناة والتُّؤدة
[536] انظر: ((الفروق اللغوية)) (1/204). :
أن التُّؤدة: مفارقة الخفَّة في الأمور،… فالتؤدة تفيد من هذا خلاف ما تفيد الأناة، وذلك أن الأناة تفيد مقاربة الأمر والتسبب إليه، والتُّؤدة تفيد مفارقة الخفَّة.
– الفرق بين الأناة والحِلْم:
كثير مِن العلماء يرى أنَّهما بمعنى واحد، فالحِلْم -في كلام العرب-: الأناة والعقل، والسُّكون مع القدرة والقوَّة، والأناة والأَنَى: الحِلْم والوقار
[537] ((المحكم والمحيط الأعظم))، لابن سيده (3/364)، ((مختار الصحاح)) للرازي (1/24، 80)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1/1096) وانظر: ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل (4/96)، ((لسان العرب)) لابن منظور (12/146)، (14/48). .
وفرق بينهما أبو هلال العسكريُّ
[538] ((الفروق اللغوية)) (1/200، 203-204). بأن:
الأناة هي: التَّمهُّل في تدبير الأمور، وترك التَّعجُّل.
والحِلْم: هو الإمهال بتأخير العقاب المستحق.
التَّرغيب في التَّأنِّي
أولًا: في القرآن الكريم
– قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النِّساء: 94].
قال الطَّبري: (فتبيَّنوا، يقول: فتأنَّوا في قتل مَن أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا مَن الْتَبَس عليكم أمره، ولا تتقدَّموا على قتل أحدٍ إلَّا على قتل مَن علمتموه -يقينًا- حرْبًا لكم ولله ولرسوله)
[539] ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (9/70). .
– وقال سبحانه: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50].
قال ابن عطيَّة: (هذا الفعل مِن يوسف -عليه السَّلام- أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة، وذلك أنَّه -فيما رُوِي- خشي أن يخرج وينال مِن الملك مرتبة، ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا، فيراه النَّاس بتلك العين أبدًا، ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه، فأراد يوسف -عليه السَّلام- أن تَبِين براءته، وتتحقَّق منزلته مِن العفَّة والخير)
[540] ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (3/252). .
– وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد: 4].
(خلقها في ستَّة أيام -والله أعلم- لحكمتين:… الثَّانية: أنَّ الله علَّم عباده التُّؤدة والتَّأنِّي، وأنَّ الأهم إحكام الشَّيء لا الفراغ منه، حتى يتأنَّى الإنسان فيما يصنعه، فعلَّم الله -سبحانه- عباده التَّأنِّي في الأمور التي هم قادرون عليها)
[541] ((تفسير الحجرات – الحديد)) لابن عثيمين (1/362). .
– وقال عزَّ مِن قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].
(قرأ الجمهور: فتبيَّنوا مِن التَّبيُّن، وقرأ حمزة والكسائي: فتثبَّتوا، مِن التَّثبُّت، والمراد مِن التَّبيُّن: التَّعرُّف والتَّفحُّص، ومِن التَّثبُّت: الأناة وعدم العَجَلَة، والتَّبصُّر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتَّضح ويظهر)
[542] ((فتح القدير)) للشَّوكاني (5/71).
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
– عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ -أشجِّ عبد القيس-: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة))
[543] رواه مسلم (25). .
قال القاضي عياض: (الأناة: تربُّصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل، والحِلْم: هذا القول الذي قاله، الدَّال على صحَّة عقله، وجودة نظره للعواقب، قلت: ولا يخالف هذا ما جاء في مسند أبي يعلى وغيره: أنَّه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ: ((إنَّ فيك خصلتين…)) الحديث، قال: يا رسول الله، كانا فيَّ أم حدثا؟ قال: ((بل قديم))، قال: قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبُّهما)
[544] ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنَّووي (1/189). .
– وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان))
[545] رواه أبو يعلى (7/247) (4256)، والبيهقي (10/104) (20767) قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/359)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/22): رجاله رجال الصحيح، وجوَّد إسناده ابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (2/120)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3011). .
قال المناوي: (التَّأنِّي مِن الله تعالى أي: ممَّا يرضاه ويثيب عليه، والعَجَلَة مِن الشَّيطان أي: هو الحامل عليها بوسوسته؛ لأنَّ العَجَلَة تمنع مِن التَّثبُّت، والنَّظر في العواقب)
[546] ((فيض القدير شرح الجامع الصَّغير)) (3/184). .
وقال ابن القيِّم: (العَجَلَة مِن الشَّيطان فإنَّها خفَّةٌ وطيشٌ وحدَّةٌ في العبد تمنعه مِن التَّثبُّت والوقار والحِلْم، وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشُّرور، وتمنع عنه أنواعًا من الخير)
[547] ((الروح)) (ص 258) .
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لبثتُ في السِّجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي))
[548] رواه البخاري (4694) ومسلم (151) واللَّفظ للبخاري. .
قال القاسمي: (مدحه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذه الأناة، كان في طي هذه المدحة بالأناة والتَّثبُّت تنزيهه وتبرئته ممَّا لعلَّه يسبق إلى الوهم أنَّه همَّ بامرأة العزيز همًّا يؤاخذ به، لأنَّه إذا صبر وتثبَّت فيما له ألَّا يصبر فيه، وهو الخروج مِن السِّجن، مع أن الدَّواعي متوافرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه مِن الهمِّ، أولى وأجدر)
[549] ((محاسن التَّأويل)) (6/185)، انظر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/185). .
– وعن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: ((إنِّي ذاكر لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك))
[550] رواه البخاري (4786)، ومسلم (1475). .
قال ابن حجر: (قوله: ((فلا عليك أن لا تعجلي)). أي: فلا بأس عليك في التَّأنِّي، وعدم العَجَلَة حتى تشاوري أبويك)
[551] ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) (8/521). .
– وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التُّؤدة في كلِّ شيء خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة))
[552] رواه أبو داود (4810)، وأبو يعلى (2/123)، (792)، والحاكم (1/132)، والبيهقي (10/194) (20592). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووثق رواته ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (2/229)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)). .
قال القاري: (التُّؤدة: بضمِّ التَّاء وفتح الهمزة، أي: التَّأنِّي، ((في كلِّ شيء)) أي: مِن الأعمال. ((خيرٌ)) أي: مستحسن، ((إلَّا في عمل الآخرة)) أي: لأنَّ في تأخير الخيرات آفات. ورُوِي أنَّ أكثر صياح أهل النَّار مِن تسويف العمل. قال الطِّيبي: وذلك لأنَّ الأمور الدُّنيويَّة لا يعلم عواقبها في ابتدائها أنَّها محمودة العواقب حتى يتعجَّل فيها، أو مذمومة فيتأخر عنها، بخلاف الأمور الأخرويَّة؛ لقوله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ – وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)
[553] ((مرقاة المفاتيح)) (8/3164).
أقوال السَّلف والعلماء في التَّأنِّي
– كتب عمرو بن العاص إلى معاوية يعاتبه في التَّأنِّي، فكتب إليه معاوية: (أما بعد، فإنَّ التَّفهُّم في الخبر زيادة ورشد، وإنَّ الرَّاشد مَن رشد عن العَجَلَة، وإنَّ الخائب مَن خاب عن الأناة، وإنَّ المتثبِّت مصيب، أو كاد أن يكون مصيبًا، وإنَّ العَجِل مخطئٌ أو كاد أن يكون مخطئًا)
[554] ((شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة)) لللالكائي (8/1533). .
– وقال مالك: (كان يُقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان، وما عَجِل امرؤٌ فأصاب، واتَّأد آخر فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أصوب رأيًا، ولا عَجِل امرؤٌ فأخطأ، واتَّأد آخر فأخطأ، إلَّا كان الذي اتَّأد أيسر خطأ)
[555] ((المدخل إلى السنن الكبرى)) للبيهقي (1/437). .
– وقال إبراهيم بن أدهم: (ذكروا الأناة في الأشياء كلِّها، فقال الأحنف: أمَّا أنا فإذا حضرت جنازة لم أتأنَّ، وإذا وجدت كفؤًا زوَّجت ولم أتأنَّ، وإذا حضرت الصَّلاة لم أتأنَّ)
[556] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (11/459 – برقم 8831). .
– وقال أبو عثمان بن الحداد: (مَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة)
[557] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1127). .
– أوصى مالك بن المنذر بن مالك بنيه، فقال: (يا بنيَّ! الزموا الأناة، واغتنموا الفرصة تظفروا)
[558] ((المجالسة وجواهر العلم)) للدينوري (6/306). .
– وقال أبو حاتم: (الخائب مَن خاب عن الأناة، والعَجِل مخطئٌ أبدًا كما أن المتثبِّت مصيبٌ أبدًا)
[559] ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (1/218). .
– وقال أيضًا: (إنَّ العاجل لا يكاد يلحق، كما أنَّ الرَّافق لا يكاد يُسْبَق، والسَّاكت لا يكاد يندم، ومَن نطق لا يكاد يسلم، وإن العَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرِّب)
[560] ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (1/216).
فوائد التَّأنِّي
1- دلالة على رجاحة العقل، ووفور الرَّزانة، وطمأنينة القلب.
2- يعصم الإنسان مِن الضَّلال والخطأ.
قال ابن عثيمين: (الأناة: التَّأنِّي في الأمور وعدم التَّسرُّع، وما أكثر ما يهلك الإنسان ويزلُّ بسبب التَّعجُّل في الأمور، وسواء في نقل الأخبار، أو في الحكم على ما سمع، أو في غير ذلك. فمِن النَّاس -مثلًا- مَن يتخطَّف الأخبار بمجرَّد ما يسمع الخبر يحدِّث به، ينقله،.. ومِن النَّاس مَن يتسرَّع في الحكم، سمع عن شخص شيئًا مِن الأشياء، ويتأكَّد أنَّه قاله، أو أنَّه فعله ثمَّ يتسرَّع في الحكم عليه، أنَّه أخطأ أو ضلَّ أو ما أشبه ذلك، وهذا غلط، التَّأنِّي في الأمور كلُّه خيرٌ)
[561] ((شرح رياض الصالحين)) (3/577- 578). .
3- التَّأنِّي كلُّه خيرٌ ومحمود العاقبة في الدُّنْيا والآخرة.
4- صيانة للإنسان مِن الأخلاق المذمومة:
قال ابن القيِّم: (إذا انحرفت عن خُلُق الأناة والرِّفق انحرفت: إمَّا إلى عَجَلة وطيش وعنف، وإمَّا إلى تفريط وإضاعة، والرِّفق والأناة بينهما)
[562] ((مدارج السَّالكين)) (2/296). .
5- سببٌ لنيل محبَّة الله ورضاه سبحانه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس: ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة))
[563] رواه مسلم (25). .
6- صيانة الإنسان مِن كيد الشَّيطان وتسلُّطه عليه:
قال صلى الله عليه وسلم: ((التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان))
[564] رواه أبو يعلى (7/247) (4256)، والبيهقي (10/104) (20767) قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/359)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/22): رجاله رجال الصحيح، وجوَّد إسناده ابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (2/120)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3011). .
قال الغزالي: (الأعمال ينبغي أن تكون بعد التَّبصرة والمعرفة، والتَّبصرة تحتاج إلى تأمُّل وتمهُّل، والعَجَلَة تمنع مِن ذلك، وعند الاستعجال يروِّج الشَّيطان شرَّه على الإنسان مِن حيث لا يدري)
[565] ((إحياء علوم الدين)) (3/33). .
7- التَّريُّث عند وصول الخبر إليه:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].
صور التَّأنِّي
التَّأنِّي مطلوبٌ في كثير من الأحوال والمواقف التي تمرُّ على الإنسان، ومِن هذه الأحوال التي يتطلَّب فيها التَّأنِّي:
1- عند الذهاب إلى الصَّلاة:
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ((بينما نحن نصلِّي مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة الرِّجال، فلمَّا صلَّى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصَّلاة. قال: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصَّلاة فعليكم بالسَّكينة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا))
[566] رواه البخاري (635). .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا))
[567] رواه البخاري (636). .
ففي الحديثين نهي عن الاستعجال والإسراع لإدراك الصَّلاة، والأمر بالتَّأنِّي والسَّكينة في المجيء للصَّلاة والقيام لها
[568] انظر: ((فتح الباري شرح صحيح البخاري))، لابن حجر (2/118)، ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري))، لبدر الدين العيني (5/150). .
2- التَّأنِّي في طلب العلم:
قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة: 16].
قال ابن القيِّم في هذه الآية: (ومِن أسرارها -سورة القيامة-: أنَّها تضمَّنت التَّأنِّي والتَّثبُّت في تلقِّي العِلْم، وأن لا يحمل السَّامع شدَّة محبَّته وحرصه وطلبه على مبادرة المعلِّم بالأخذ قبل فراغه مِن كلامه، بل مِن آداب الرَّب التي أدب بها نبيَّه أَمْرُه بترك الاستعجال على تلقِّي الوحي، بل يصبر إلى أن يفرغ جبريل مِن قراءته، ثمَّ يقرأه بعد فراغه عليه، فهكذا ينبغي لطالب العلم ولسامعه أن يصبر على معلِّمه حتى يقضي كلامه)
[569] ((التبيان في أقسام القرآن)) (1/159). .
3- التَّأنِّي عند مواجهة العدو في ساحة القتال:
قال النُّعمان بن مقرن للمغيرة بن شعبة -رضي الله عنهم- في تأخير القتال يوم نهاوند: ((ربَّما أشهدك الله مثلها مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يُندِّمك، ولم يخزك، ولكني شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أوَّل النَّهار، انتظر حتى تهبَّ الأرواح، وتحضر الصَّلوات))
[570] رواه البخاري (3160). .
قال ابن حجر: (قوله: ((فلم يندِّمك)) أي: على التَّأنِّي والصَّبر حتى تزول الشَّمس)
[571] ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) (6/256). .
وقال الشَّافعي: (لا ينبغي أن يولِّي الإمام الغزو إلَّا ثقة في دينه، شجاعًا ببدنه، حسن الأناة، عاقلًا للحرب بصيرًا بها، غير عَجِلٍ ولا نَزِق، ويتقدَّم إليه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال)
[572] ((السنن الكبرى)) للبيهقي (9/70). .
4- التَّأنِّي في الإنكار في الأمور المحتملة:
فعن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في قصَّة موسى والخضر -عليهما السَّلام- وفيه-: ((فعمد الخضر إلى لوح مِن ألواح السَّفينة، فنزعه، فقال موسى: قومٌ حملونا بغير نَوْلٍ
[573] النول: الأجر. ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/129). ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟! قال: ألم أقل إنَّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت، ولا ترهقني مِن أمري عسرًا))
[574] رواه البخاري (122)، ومسلم (2380)، واللَّفظ للبخاري. .
قال ابن حجر: (إنَّ الذي فعله الخضر ليس في شيء منه ما يناقض الشَّرع، فإنَّ نقض لوح مِن ألواح السَّفينة لدفع الظَّالم عن غصبها، ثمَّ إذا تركها أعيد اللَّوح- جائزٌ شرعًا وعقلًا، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظَّاهر، وقد وقع ذلك واضحًا في رواية أبي إسحاق التي أخرجها مسلم، ولفظه: فإذا جاء الذي يسخِّرها فوجدها منخرقة، تجاوزها فأصلحها، فيُستفاد منه وجوب التَّأنِّي عن الإنكار في المحتملات)
[575] ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) (1/222). .
5- التَّأنِّي في التَّحدُّث مع الآخرين:
عن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: ((إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يحدِّث حديثًا لو عدَّه العاد لأحصاه))
[576] رواه البخاري (3567)، ومسلم (2493). . وفي لفظ: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم))
[577] رواه البخاري (3568)، ومسلم (2493). .
قال بدر الدِّين العيني: (… ((لم يكن يسرد…)). أي: لم يكن يتابع الحديث استعجالًا، أي: كان يتكلَّم بكلام متتابع مفهوم واضح على سبيل التَّأنِّي، لئلَّا يلتبس على المستمع)
[578] ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (16/115). .
6- عند الفصل في المنازعات وإنزال العقوبات:
ففي قصَّة أمير المؤمنين عمر في قضائه بين علي بن أبي طالب والعبَّاس -رضي الله عنهما- في فيء الرَّسول صلى الله عليه وسلم مِن بني النَّضير قال لهما عمر رضي الله عنه: (اتَّئدوا)
[579] رواه البخاري (4033). .
قال ابن حجر: (قوله: ((اتَّئدوا)). المراد: التَّأنِّي والرَّزانة)
[580] ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) (1/91). .
وقال أبو عثمان بن الحدَّاد: (القاضي شأنه الأناة والتَّثبُّت، ومَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له مِن الصَّواب ما لا يتهيَّأ لصاحب البديهة)
[581] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/1127). .
وقال مالك بن أنس: (العَجَلَة في الفتوى نوعٌ مِن الجهل والخُرْق، قال: وكان يُـقَال: التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلَة مِن الشَّيطان)
[582] ((إعلام الموقعين)) لابن القيِّم (2/128). .
وقال الأصفهاني: (قال بعضهم: ينبغي للسُّلطان أن يؤخِّر العقوبة حتى ينقضي سلطان غضبه، ويعجِّل مكافأة المحسن، ويستعمل الأناة فيما يحدث، ففي تأخير العقوبة إمكان العفو إن أحبَّ ذلك، وفي تعجيل المكافأة بالإحْسَان مسارعة الأولياء إلى الطَّاعة)
[583] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (1/242). .
أسباب عدم التَّأنِّي
1- الغضب والحزن الشَّديد:
روى ابن عبَّاس عن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهم- في قصَّة اعتزال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نساءه، وفيه: ((اعتزل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت: خابت حفصة وخسرت… فخرجت فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلًا، ثمَّ غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر))
[584] رواه البخاري (5191). .
قال ابن حجر: (الغضب والحزن يحمل الرَّجل الوقور على ترك التَّأنِّي المألوف منه؛ لقول عمر: ثم غلبني ما أجد. ثلاث مرَّات)
[585] ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) (9/279)، والحديث أخرجه البخاري (5191). .
وقال ابن الجوزي: (أشدُّ النَّاس تفريطًا مَن عَمِل مبادرة في واقعة مِن غير تثبُّت ولا استشارة، خصوصًا فيما يوجبه الغضب، فإنَّه طلب الهلاك أو النَّدم العظيم. وكم مَن غَضبَ فقتل وضرب، ثمَّ لما سكن غضبه؛ بقي طول دهره في الحزن والبكاء والنَّدم! والغالب في القاتل أنَّه يقتل، فتفوته الدُّنْيا والآخرة)
[586] ((صيد الخاطر)) (1/385). .
2- استعجال نتائج الأمور:
العجلة طبيعة في الإنسان وهي صفة مذمومة، وهي من الشيطان، كما جاء في الحديث الذي تقدم ذكره.
قال الصنعاني: (العجلة هي السرعة في الشيء، وهي مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأناة محمودة فيما يطلب تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها، وقد يقال: لا منافاة بين الأناة، والمسارعة، فإن سارع بتؤدة وتأن فيتم له الأمران، والضابط أن خيار الأمور أوسطها)
[587] ((سبل السلام)) (2/681). .
3- التَّفريط:
وذلك إذا فرَّط المرء فيما ينبغي عليه القيام به، فإنَّه يضطر للقيام به على وجه السُّرعة والعَجَلَة حتى يتدارك الأمر، وربما لا يحصل له مقصوده.
4- إجابة داعي الشَّهوات:
وقد يكون في إجابته الهلاك، فكم من شهوة أورثت حزنًا وندامة.
5- ترك استشارة ذوي الخبرة في أمور يجهلها:
وهذا الجهل يجعل الإنسان لا يحسن التَّعامل مع الأمور، فربَّما يَعْجَل فيما حقُّه التَّأنِّي، أو يتأنَّى فيما حقُّه التَّعجُّل، وهكذا.
الوسائل المعينة على اكتساب صفة التَّأنِّي
1- الدُّعاء:
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعو الله بأن يهديه إلى أحسن الأخلاق، فكان مِن دعائه: ((واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلَّا أنت، واصرف عنِّي سيئها لا يصرف عنِّي سيئها إلَّا أنت))
[588] رواه مسلم (771). .
2- النَّظر في عواقب الاستعجال:
قال أبو إسحاق القيرواني: (قال بعض الحكماء: إيَّاك والعَجَلَة؛ فإنَّ العرب كانت تكنِّيها أمَّ الندامة؛ لأنَّ صاحبها يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويعزم قبل أن يفكِّر، ويقطع قبل أن يقدِّر، ويحمد قبل أن يجرِّب، ويذمُّ قبل أن يخبر، ولن يصحب هذه الصِّفة أحدٌ إلَّا صحب النَّدامة، واعتزل السَّلامة)
[589] ((زهر الآداب وثمر الألباب)) (4/942). .
3- معرفة معاني أسماء الله وصفاته:
فمِن أسمائه سبحانه: الحليم والرَّفيق، ومِن معانيهما: التَّأنِّي في الأمور، والتَّدرج فيها، ومن ذلك إمهال الكافرين والظَّالمين، إقامة للحجَّة وقطعًا للمحجة؛ ليهلك مَن هلك عن بينة، ويحيى مَن حيَّ عن بينة
[590] انظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/557)، ((صفات الله -عزَّ وجلَّ- الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (1/139، 180). .
قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [يونس: 11].
4- قراءة سيرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
فنستفيد مِن سنَّته صلى الله عليه وسلم التَّأنِّي والصَّبر على الإيذاء، قال خباب بن الأرت رضي الله عنه: ((شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسِّد بردة له في ظلِّ الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرَّجل فيمن قبلكم يُحْفر له في الأرض، فيُجْعَل فيه، فيُجَاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشَقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينه، ويُمَشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه مِن عظم أو عصب، وما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الرَّاكب مِن صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلَّا الله، أو الذِّئب على غنمه، ولكنَّكم تستعجلون))
[591] رواه البخاري (3612). .
5- قراءة سيرة السَّلف الصَّالح:
ففي سيرة سلفنا الصَّالح نماذج كثيرة تدلُّ على تحلِّيهم بخلق التَّأنِّي، والتَّريُّث في أمورهم، فقراءة سِيَرهم تعين على الاقتداء بهم، وانتهاج طريقهم.
6- استشارة أهل الصَّلاح والخبرة:
إذا أقدم الشَّخص على أمرٍ يجهله فعليه أن يستشير أهل الصَّلاح والخبرة ولا يتعجَّل في أمره، قال تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].
قال الماورديُّ: (الحزم لكلِّ ذي لبٍّ أن لا يبرم أمرًا ولا يمضي عزمًا إلَّا بمشورة ذي الرَّأي النَّاصح، ومطالعة ذي العقل الرَّاجح. فإنَّ الله تعالى أمر بالمشورة نبيَّه صلى الله عليه وسلم مع ما تكفَّل به مِن إرشاده، ووعد به مِن تأييده، فقال تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ.. وقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: أمره بمشاورتهم ليستنَّ به المسلمون ويتَّبعه فيها المؤمنون، وإن كان عن مشورتهم غنيًّا)
[592] ((أدب الدنيا والدين)) (1/300).
نماذج مِن تأنِّي الأنبياء والمرسلين عليهم السَّلام
نبيُّ الله يوسف عليه السَّلام:
تأنَّى نبيُّ الله يوسف -عليه الصَّلاة والسَّلام- مِن الخروج مِن السِّجن حتى يتحقَّق الملك ورعيَّته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، وامتنع عن المبادرة إلى الخروج ولم يستعجل في ذلك.
قال تعالى: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50].
قال ابن عطيَّة: (هذا الفعل مِن يوسف -عليه السَّلام- أناةً وصبرًا وطلبًا لبراءة السَّاحة)
[593] ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) لابن عطية (3/252).
نماذج للتَّأني مِن سير الصَّحابة رضي الله عنهم
تأنِّي أبي ذر الغفاري في قصَّة إسلامه:
قال ابن عبَّاس: ((لـمَّا بلغ أبا ذر مبعث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكَّة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرَّجل الذي يزعم أنَّه يأتيه الخبر مِن السَّماء، فاسمع مِن قوله ثمَّ ائتني، فانطلق الآخر حتى قدم مكَّة، وسمع مِن قوله، ثمَّ رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشِّعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت فتزوَّد وحمل شنَّة
[594] الشنة: الخلق من كل آنية صنعت من جلد. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/241). له، فيها ماء حتى قدم مكَّة، فأتى المسجد فالتمس النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه -يعني اللَّيل- فاضطجع، فرآه عليٌّ فعرف أنَّه غريب، فلمَّا رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثمَّ احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظلَّ ذلك اليوم، ولا يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمرَّ به عليٌّ، فقال: ما آن للرَّجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثَّالث فعل مثل ذلك، فأقامه عليٌّ معه، ثمَّ قال له: ألا تحدِّثني؟ ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنِّي، فعلتُ، ففعل، فأخبره، فقال: فإنَّه حقٌّ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتَّبعني، فإنِّي إن رأيت شيئًا أخاف عليك، قمت كأنِّي أُريق الماء، فإن مضيت فاتَّبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع مِن قوله، وأسلم مكانه))
[595] رواه مسلم (2474). .
فنجد في هذه القصَّة أنَّ أبا ذرٍّ رضي الله عنه لم يظهر ما يريده حتى يتحصَّل على بغيته، وقد تأنَّى رضي الله عنه في البحث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والسُّؤال عنه حتى لا تعلم به قريش، وتثنيه عن هدفه الذي مِن أجله تحمَّل المشاق والمتاعب.
التَّأنِّي في واحة الشِّعر
قال النَّابغة:
الرِّفقُ يُمْنٌ والأناةُ سعادةٌ
فتأنَّ في رفقٍ تُلاقِ نجاحا
[596] ((كتاب العين)) للخليل بن أحمد (8/401).
وقال الشَّاعر:
استأنِ تظفرْ في أمورِك كلِّها
وإذا عزمتَ على الهوَى فتوكَّل
[597] ((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/398).
وقال زهير:
منَّا الأناةُ وبعضُ القوم يحسبُنا
أنَّا بِطاءٌ وفي إبطائِنا سرعُ
[598] ((اللباب في علوم الكتاب)) لابن عادل (13/248).
وقال القطامي عمرو بن شييم:
قد يدركُ المتأنِّي بعضَ حاجتِه
وقد يكونُ مع المستعجلِ الزَّللُ
وربَّما فات قومًا بعضُ أمرِهمُ
مِن التَّأنِّي وكان الحزمُ لو عجلوا
[599] ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (7/137).
وقال عبد العزيز بن سليمان الأبرش:
تأنَّفي أمرِك وافهمْ عنِّي
فليس شيءٌ يعدلُ التَّأنِّي
تأنَّ فيه ثمَّ قلْ فإنِّي
أرجو لك الإرشادَ بالتَّأنِّي
[600] ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لأبي حاتم البستي (1/140).
وقال الشَّاعر:
لا تعجلنَّ لأمرٍ أنت طالبُه
فقلَّما يدركُ المطلوبَ ذو العَجلِ
فذو التَّأنِّي مصيبٌ في مقاصدِه
وذو التَّعجلِ لا يخلو عن الزَّللِ
[601] ((بريقة محمودية)) لأبي سعيد الخادمي (3/65).
وقال العجاج:
أناة وحلمًا وانتظارًا بهم غدًا
فما أنا بالواني
[602] الواني: الضعيف البدن. انظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (40/261). ولا الضَّرِعِ
[603] الضَّرِع: الصغير من كل شيء، أو الصغير السن. انظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (21/408). الغمْرِ
[604] ((كتاب العين)) للخليل بن أحمد (8/401)، والغمر: الجاهل. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/242).
وقال الشَّاعر:
لا تعجلنَّ فربَّما
عجِل الفتَى فيما يضرُّه
ولربَّما كرِه الفتَى
أمرًا عواقبُه تسرُّه
[605] ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزآبادي (4/24).
وقال آخر:
انطقْ مصيبًا بخيرٍ لا تكنْ هذرًا
عيَّابةً ناطقًا بالفحشِ والرِّيبِ
وكنْ رزينًا طويلَ الصَّمتِ ذا فكرٍ
فإن نطقتَ فلا تُكثرْ مِن الخطبِ
ولا تُجِبْ سائلًا مِن غيرِ ترويةٍ
وبالذي عنه لم تسألْ فلا تجبِ
[606] ((حسن السمت في الصمت)) للسيوطي (113-114).

منقول


hakimdima غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
أخلاق, المسلم, التأني


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: من أخلاق المسلم التأني
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أخلاق المسلم القناعة hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-28 07:30 PM
من أخلاق المسلم الأمانة hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-24 03:02 AM
من أخلاق المسلم العدل hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-24 03:01 AM
من أخلاق المسلم الزهد hakimdima ركن أخلاق المسلم 0 2016-07-24 03:00 AM
من أخلاق المسلم islam ركن أخلاق المسلم 2 2012-11-29 12:26 PM


الساعة الآن 03:58 PM


Designed & Developed by : kakashi_senpai
Preview on Feedage: %D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A Add to My Yahoo! Add to Google! Add to AOL! Add to MSN
Subscribe in NewsGator Online Add to Netvibes Subscribe in Pakeflakes Subscribe in Bloglines Add to Alesti RSS Reader
Add to Feedage.com Groups Add to Windows Live iPing-it Add to Feedage RSS Alerts Add To Fwicki

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML