غرة نوفمبر وتفجير الثورة:
بعدما استكملت الترتيبات النهائية لبدء العمل المسلح، لم يبق إلاّ الإعلان عن ميلاد الثورة التحريرية، والذي تقرر ليلة الاثنين الفاتح من نوفمبر 1954، وكان ذلك من خلال القيام بمجموعة من العمليات العسكرية، التي امتدت من الشرق إلى الغرب في الليلة الواحدة وفي الساعة الواحدة وبنفس الطريقة والوسائل.(2)
وكان القصد منها ليس إحداث المزيد من الخسائر والضحايا، وإنّما إحداث المفاجأة للإدارة الاستعمارية وزرع الخوف والرعب في قلوب الجالية الأوربية الطاغية والمتجبرة، وقد حرص المشرفون عن عمليات الصفر على تجنب إلحاق الضرر بالأوربيين المدنيين حتى لا يعطوا الفرصة للإدارة الاستعمارية لتتهمهم بالقتل والإرهاب.(3) وتتراوح تقديرات المراجع لهذه العمليات بين 30 إلى 70 هجوما،(4) بينما حددتها الولاية العامة "بثلاثين" حادثا، وهذا ما جاء في بلاغ الحاكم العام في الجزائر صبيحة أول نوفمبر:" حدث أثناء الليل بمناطق مختلفة من الأرض الجزائرية، وعلى الأخص شرقي قسنطينة بمنطقة الأوراس عدة عمليات، بلغ عددها ثلاثين عملية"(5) كانت أخطرها في الأوراس ثم القبائل ثم العاصمة والشمال القسنطيني وتأتي في الأخير ولاية وهران.(6)
وقد قال رابح بيطاط عن هذه العمليات:" هاجم ما يقل عن 1000 مقاتل من جبهة التحرير الوطني في ليلة 31 أكتوبرالى الفاتح من نوفمبر العشرات من الأهداف التي كانت موزعة عبر التراب الوطني".(7)
وقد استهدفت هذه العمليات نقاط حساسة في كامل المناطق المعنية بالهجوم تمثلت في حرق محولات كهربائية وقطع أسلاك وأعمدة الهاتف والهجوم على بعض مراكز الدرك والشرطة والثكنات العسكرية.(1)
وقد كانت الأسلحة المستعملة بسيطة وقليلة قدرت بأربعمائة (400) قطعة سلاح، منها الحربي ومنها بنادق الصيد، ومجموعة من القنابل المصنوعة محليا والمفرقعات، وقد وصف بن بولعيد ذلك بقوله:
" يجب حسب امكانياتنا أولا وقبل كل شيء مهاجمة مراكز الدرك وثكنات الجند إنّ وسائلنا متواضعة ويتوجب تعويض هذا النقص بأهمية الأهداف فإذا نحن هاجمنا مراكز القوات المسلحة وأضرمنا النيران في المخازن فإنّنا سنصيب قصور السلطات الاستعمارية المتعسفة".(2)
- ففي باتنة هاجم الثوار ثكنتين وقتلوا حارسين،(3) كما هاجموا محافظة الشرطة المركزية بخنشلة وقبضوا على حراسها الثلاثة، كما حاصروا بعض القرى كقرية "أريس" التي حوصرت مدة ثلاثة أيام وكان بها حوالي 80 أوربيا كما عزلوا قرية "تكوت" تماما.(4)
- أما في الشمال القسنطيني فهاجم الثوار بعض الثكنات ومراكز الشرطة في مدية "سمندو" و"الخروب" ...وغيرها، أما العمليات الحربية الهجومية وعمليات التخريب الاقتصادي في منطقة القبائل، فقد تركزت خاصة في مدينة "العزازقة" حيث هاجم الثوار مزكز الدرك وأشعلوا النار في مستودع الفلين، وقطعوا أعمدة وأسلاك الهاتف لبريد "العزازقة" وفي كل من "بوغني"، "دلس"، "برج منايل"، "براكة"، "عبو"، وقتلوا أحد حراس الغابةبـ "ذراع الميزان" وآخر في "تيزي لاربعاء"، وارتفعت الخسائر الى أكثر من 200 مليون فرنك فرنسي في بلاد القبائل.(5)
- وفي منطقة الجزائر فقد استهدفت عمليات المجاهدين بها الأهداف التالية: مصنع الغاز، ودار الاذاعة وخزانات الوقود بالميناء، والمركز الهاتفي بساحة أول ماي ومواقع اقتصادية في كل من
بوفاريك والبليدة وبابا علي ومواقع عسكرية أخرى، حيث تم الهجوم على ثكنتين في كل من البليدة وبوفاريك.(1)
- وفي منطقة وهران استهدفت العمليات مطارا للحلف الأطلسي بـ "طفراوي" لإضرام النار فيه لكن العملية لم تنفذ، كما هاجموا ثكنة بحي الكمين بوهران.(2)
وهذا ما يبين أنّ عمليات الفاتح نوفمبر كانت رمزية استنزافية في معظمها، أكثر منها عسكرية، هدفت إلى تخريب المنشآت الإستراتيجية، وما أدهش الإدارة الفرنسية هو التزامن والمفاجأة والإنتشار، وهذا ما يظهر من خلال ردود فعلها الأولية.
الهوامش:
(2) مولود قاسم نايت بلقاسم: "ردود الفعل الأولية على أول نوفمبر داخلا وخارجا أو بعض مآثر فاتح نوفمبر"، الطريق إلى نوفمبر كما يرويها المجاهدون، ديوان المطبوعات الجامعية، المجلد 1، ج2،1981، ص 96.
(3) يحي بوعزيز: المرجع السابق، ص 125.
(4) بشير بلاح: موجز تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر 1830-1989، بدون ط، دار المعرفة، باب الواد، الجزائر، 2000، ص 137.
(5) أزغيدي محمد لحسن، المرجع السابق، ص 78.
(6) يحي بوعزيز: الموجع السابق، ص 125.
(7) رابح بيطاط: " كيف حضرنا ثورة الفاتح من نوفمبر 1954"، النائب، عدد خاص، المجلس الشعبي الوطني، الجزائر، السنة الثالثة،2004، ص 10.
(1) صالح فركوس: تاريخ الجزائر من ما قبل التاريخ إلى غاية الاستقلال، بدون ط، دار العلوم، عنابة، الجزائر، 2005، ص 432.
(2) محمد تروزين: "اندلاع ثورة فاتح نوفمبر 1954"، الطريق إلى نوفمبر كما يرويها المجاهدون، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، المجلد1، ج1، 1981،
ص 287.
(3) عبد الرحمن بن إبراهيم بلعقون: المرجع السابق، ص 492.
(4) يحي بوعزيز: المرجع السابق، ص 216.
(5) يحي بوعزيز، نفسه، ص 126-128.
(1) الجودي لخضر بوطمين: "اندلاع ثورة فاتح نوفمبر 1954"، الطريق الى نوفمبر كما يرويها المجاهدون، نفسه، ص 349-351.
(2) محمد لحسن ازغيدي : المرجع السابق ، ص 77.
منقول