تقع مدينة سبأ في دولة اليمن، وهى من المدن القديمة، وكلمة سبأ ترمز إلى المحاربين أو المقاتلين،، وقد أخذت هذه المدينة اسمها من المكان التي وجدت به فهو يحمل ذات الاسم أيضاً، وقد قامت في هذه المدينة مملكة عظيمة قامت باتحاد الكثير من الممالك اليمنية، وقد اتسمت هذه المملكة بقوتها وشدتها وتطورها المتنامي.
متى تأسست مدينة سبأ يرجع تاريخ بنائها إلى القرن التاسع قبل الميلاد، ولكن تضاربت الأقوال في هذا الشأن فهناك من يقول بوجودها في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وذلك يرجع إلى عدم الوضوح الكامن في تاريخ هذه المملكة، وقد أقيمت هذه المملكة بناءً على وجود قبيلة سبأ، وقد أخذت في الاستحواذ على العديد من الممالك الأخرى التي تدنو منها بأي طريقة تتاح لها، بالعنف تارة وباللين تارة أخرى.
ومنها على سبيل المثال: مملكة حضرموت ومعين وقبيلة قبطان، فازداد نفوذ هذه المملكة وتطورها لتضم معها أماكن كثيرة في بلاد الشام والعراق وفلسطين، فحوت بذلك مملكة سبأ ثقافات متعددة إثر وجود العديد من الشعوب بها من بلاد مختلفة.
وقد تحولت مدينة سبأ إلى مملكة على يد الكاهن كربئيل وتر إبان القرن السابع قبل الميلاد، وقد أطلق على نفسه الملك، وضم الكثير من الممالك المجاورة إلى مملكته، وقد عم الرخاء والنمو والرواج المملكة خلال حكمه، ويرجع الفضل إليه في القيام بوحدة الممالك جميعها تحت لواء واحد باختلاف مآربهم ودياناتهم وآلهتهم وإعتقاداتهم، وقام باستمراره في الحكم غير متعصب لفئة أو قوم بعينهم دون الآخرين، وكانت مأرب هي العاصمة في عهده.
وقد كان سكان مملكة سبأ من عبدة الأصنام، وكانت كل قبيلة منهم لها إلهاً معيناً تقوم بعبادته، ومنهم: إله مقته، وإله عثتر، وكان الحزب المؤثر بشكل كبير فيها وفي إدارتها وسياستها هم الكهان، فقد عمل على حكمها ما يقارب من 17 كاهناً متعاقبين.
وكان شعب مملكة سبأ من يمارس السحر والشعوذة والدجل وفي نفس الوقت التدين والانصياع للآلهة، حتى جاء عهد الملكة بلقيس إبان وجود نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام في هذا الوقت، وقد قام باستدعاء الملكة بلقيس لهدايتها إلى الله الواحد القهار، وجميعنا يعلم قصة سيدنا سليمان مع الملكة بلقيس والهدهد الذي لم يجده الملك سليمان ضمن الطيور في ذات يوم، فقال بأنه إذا لم يقم بإتيانه بحجة أو سبب عظيم لتغيبه سوف يقوم بنحره، وإثر ذلك جاء الهدهد للملك سليمان بأخبارها وأخبار قومها وأنبأه أنهم يعبدون الشمس من دون الله عز وجل، وأتاه بنبأ عن عرشها وكنهه وسمته، فقد آتى الله سيدنا سليمان مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده فعلمه لغة الطيور والحيوانات، وسخر له الجن والشياطين، فأتى بها الملك سليمان ودعاها إلى عبادة الله الواحد لا شريك له هي وقومها، من خلال رسالة قام بإرسالها لها، فقامت هي بمحاولة رشوة سيدنا سليمان ببعثها إليه مجموعة من الهدايا الضخمة الثمينة، فلم يقبلها سيدنا سليمان وقام بالتهديد إذا لم تأتي إليه سوف يقوم بمهاجمتها بجيش ليس لها ولا لمملكتها قِبَل به، فانصاعت لأوامره وذهبت إليه فقام بتشييد بناء من الزجاج لها، فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها لتخوض فيه، فأخبرها أنه زجاج فتعجبت، وآتاها بعرشها فاعتقدت إنه شبيهه فقال لها بل هو عرشك فاهتدت به، وذهبت لقومها ترشدهم إلى عبادة الله كما قامت هي بعبادته، وأصبحت هي من تقوم بإذاعة هذا الدين الجديد في قومها حتى صاروا على هديها وعبدوا الله عز وجل كما عبدته ملكتهم بلقيس.
وقد أتى اسم مدينة سبأ في العديد من الكتب السماوية الثلاث، وأتى ذكرها في إطار تفاصيل قصة النبي سليمان مع الملكة بلقيس، والتي وردت بصفة خاصة في القرآن الكريم.
ولكن وردت هذه القصة أيضاً في الأساطير الأثيوبية والديانة اليهودية والتي تقول بزواج الملك سليمان من الملكة بلقيس فيما بعد وأنجبت منه العديد من الأبناء، وهم في عرفهم من إمبراطوري أثيوبيا، ولكن لم تستطع الأدلة العلمية الحديثة ولا الأبحاث التي قامت في هذا الشأن من تأكيد هذه المعلومات أو نفيها، ولكن الشيء المؤكد الذي لا يمكن إنكاره أن هذه المرحلة كانت مرحلة تاريخية عظيمة لا يمكن إنكارها.