*انظروا معي كيف تغيرت المفاهيم بخصوص قضية فلسطين خلال العقود القليلة الماضية، عبر مراحل ثلاث:
قبل عام الـ 1967، كانت هنالك قضية اسمها " القضية الفلسطينية" وكانت قضية شعب تشرد عن أرضه وبقي دون وطن خاص به. القضية الفلسطينية كانت قضية قيام إسرائيل وعدم تمكن الشعب الفلسطيني من تحقيق استقلاله على ترابه.
ثم جاءت حرب حزيران فنشأت مشكلة ثانية، اسمها " مشكلة الأراضي المحتلة عام 67". ومشكلة الـ 67 بالأساس كانت مشكلة أرض احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة.
المسألة الفلسطينية كانت شيئا واحدا، ومسألة الأراضي المحتلة عام 67 شيء آخر ولم يخطر ببال أحد في حينه، إن تسوية المسألة الثانية، أي مسألة الأرض، هي بمثابة تسوية المسألة الأولى، أي المشكلة الفلسطينية. بل كانت الحكمة السائدة آنذاك، فلسطينياً وعربياً ودولياً، تقول بأن تسوية مشكلة الأرض هي خطوة ضرورية يجب أن تسبق تسوية المشكلة الأساسية، أي مشكلة حقوق الشعب الوطنية.
وجاء قرار مجلس الأمن 242 ليعكس تلك الحكمة في حينه فلقد دعا ذلك القرار بوجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتله عام 1967، من خلال وساطة مبعوث الأمم المتحدة (وليس، كما يجب التنبيه، من خلال مفاوضات بين أطراف النزاع) كخطوة تسبق المفاوضات نفسها المؤدية للسلام العادل، والمؤدية، بالتالي، إلى تسوية المشكلة الأولى التي هي المشكلة الأساسية.
بكلمات أخرى، فأن قرار 242 كان يدعو لانسحاب إسرائيل كشرط مسبق للسلام، ولكن ليس كخطوة كافية لتلبية احتياجات ذلك السلام.
ثم جاء عقد السبعينات، وحرب اكتوبر، وقرار مجلس الأمن 338. وفي تلك الفترة، جرت تعديلات أخرى في المفاهيم والمواقف، فلسطينياً وعربياً ودولياً، بحيث أصبحت المسألتان. مسألة الحقوق الوطنية الفلسطينية ومسألة أراضي الـ67 مسألة واحدة. أما دولياً، فجاء قرار مجلس الأمن 338 لكي يرهن انسحاب إسرائيل من أراضي الـ 67 (أي لكي يرهن تطبيق 242)، بمفاوضات بين أطراف النزاع، مما يعني، في عرف اللغة الدبلوماسية، اعتبار ذلك الانسحاب ثمنا للسلام، وليس خطوة في طريق تحقيق السلام.
أما فلسطينياً، فبدأت رحلة التجاوب مع المعطيات الدولية، كالتنظير أولاً، للسلطة الوطنية في الأراضي التي سوف يتم تحريرها، وتطور هذا التنظير حتى أصبح دعوة واضحة، في المجلس الوطني الـ 16 الذي انعقد في الجزائر، لإقامة دولة فلسطينية ضمن حدود الـ 67، بجانب إسرائيل وبكلمات أخرى، فلقد أصبحت العودة لتحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية مرتبطة جغرافيا بحدود الـ 67.
إذن، في المرحلة الأولى كانت هنالك مشكلتان, ثم اندمجتا في المرحلة الثانية فأصبحتا مشكلة واحدة، أو موحدة.
أما المرحلة الثالثة، فهي المرحلة الأكثر خطورة. ونحن نشهد في هذه المرحلة الثالثة تحولاً آخر، يتم بموجبة تجاهل عنصر المسألة الفلسطينية في تلك المشكلة الموحدة، ويتم فيه بالمقابل إبراز العنصر الأخر، أي عنصر الأرض التي احتلت عام 67. ويجري الحديث الآن عن إمكانية إقامة السلام من خلال مفاوضات ترتكز فقط إلى هذا العنصر الأخير.
إن نظرة عابرة لهذا التاريخ المقتضب تشير بوضوح تام للتقهقر الذي طرأ على المواقف العربية والدولية بخصوص القضية الفلسطينية. وليس غريباً بتاتاً، بناء على ما تقدم، أن نجد منظمة التحرير في الحالة هذه. وفي تمثيلها للموقف الفلسطيني، متمسكة بتلك المبادئ التي تصون العنصر الفلسطيني في الموضوع، وتدعو لمؤتمر دولي يمكن من خلاله تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في دولته على ترابه. كما ليس غريباً أيضا، أن يعيد ياسر عرفات التذكير بالموقف الفلسطيني الأصلي الداعي لإقامة دولة موحدة ديمقراطية على كامل التراب.
إن هنالك ضرورة ملحة لسماع الصوت الفلسطيني، ولطرح الموقف الفلسطيني، في وقت تجري فيه المحاولة، كما يقال، لتسوية المطالب الفلسطينية نهائياً.
منقول