هذه قصة رجل أنقذ الله عز وجل به الخلافة العباسية من السقوط للأبد، وأنقذ الله به أهل السنة من الضياع في براثن التشيع، هذه قصة رجل أنشأ دولة هي أعظم الدول التي ظهرت في الإسلام، هذه الدولة سيطرت على معظم أملاك المسلمين وكانت دولة سنية تحب الحق والسنة وإظهار العدل والشرع، هذه قصة رجل أعاد لمقام الخلافة هيبتها ومكانتها بعد أن ضاعت على يد المفسدين وملوك دولة بني بويه الشيعية.
من هو طغرلبك ؟
هو السلطان أبو طالب محمد بن ميكائيل بن سلجوق التركي، الملقب بطغرلبك، مؤسس الدولة السلجوقية، ويرجع أصل هذه الدولة العظيمة إلى سلجوق بن تقاق، وكان من قادة جند الأتراك وقد ظهرت عليه علامات النجابة والهمة فقربه ملك الترك وقدمه على باقي القواد حتى علت مكانته بين عشائر الترك فخافه هذا الملك وهمَّ بقتله، فشعر سلجوق بذلك فجمع أهله وعشيرته وهاجر إلى بلاد الإسلام، واعتنق الإسلام ونذر نفسه للجهاد ضد كفار الترك.
وكان له ثلاثة أولاد ميكائيل وأرسلان وموسى، فأما ميكائيل فاستشهد في القتال ضد كفار الترك، وخلف ورائه ثلاثة أبناء طغرلبك محمد وإبراهيم أينال وجعفر بك داود، فعظم شأنهم في قومهم، وكان طغرلبك أكبرهم، واجتمع الأتراك عليهم، وقرروا الانتقال إلى بخارى للإقامة هناك، ولكن أمير بخارى "بوغراخان" خاف منهم فاعتقل طغرلبك، فقاد أخوه داود الجيوش، وأنقذ أخاه من السجن، وتحولوا إلى خراسان حيث الدولة الغزنوية التي خافت من قوة السلاجقة الدولة الفتية الجديدة، وكان الغزنويون هم البادءون بالعدوان، لذلك فإن النصر كان حليف السلاجقة.
وفي سنة 429هـ استولى طغرلبك على مدينة مرو، وخطب لطغرلبك على منابرها وتسمى ملك الملوك، وفي سنة 432هـ استولى طغرلبك على نيسابور وجرجان وطبرستان وكرمان وبلاد الديلم، وواصل طغرلبك فتوحاته حتى اصطدم بدولة بني بويه الشيعية المتحكمة في الخلافة العباسية فاستولى سنة 434هـ على خوارزم ثم اصطلح مع البويهيين على دخن.
طغرلبك وجهاده ضد الروم
علا شأن طغرلبك جدًا سنة 441هـ عندما نقل صراعه إلى بلاد الروم، وانتصر عليهم في معارك هائلة وأصبح على مسافة قريبة من القسطنطينية، وارتجت أوروبا الصليبية من هول المفاجأة فآثر ملك القسطنطينية الصليبي الصلح مع طغرلبك فوافق طغرلبك شريطة إعادة افتتاح المسجد القديم في القسطنطينية وكان قد بناه مسلمة بن عبد الملك أيام الأمويين، وأن يخطب لطغرلبك فيه يوم الجمعة، وسارت الركبان بهذا الخبر العجيب، فعظم طغرلبك في أعين ملوك الأرض فخطبوا له على منابرهم.
طغرلبك والقضاء على حركة البساسيري
وهذه الشهرة والجاه العريض دفع الخليفة العباسي القائم بالله ليكتب له يستقدمه إلى بغداد ليستعين به على إزالة دولة بني بويه الشيعية التي أضاعت مكانة الخلافة وكرامة الخلفاء، وذلك في سنة 447هـ، وكان قدومه رحمة بهذه الأمة رغم فساد جيوشه الجرارة في بغداد، ذلك لأن قدومه وافق خروج رجل يقال له البساسيري التركي، يريد نقض الخلافة السنية وإقامة الخلافة العبيدية الباطنية الشيعية .
كان العبيديون الشيعة يحاولون منذ إقامة خلافتهم بمصر الكيد والتربص بالخلافة العباسية وإزالتها عن الوجود، وجاءتهم الفرصة المناسبة عند ظهور البساسيري، الذي استطاع أن يجمع حوله الطامعين وطلاب الدنيا ويستولي على العديد من البلدان والمدن، فراسل الخليفة العبيدي المستنصر البساسيري ودعمه في سعيه الخبيث لإزالة السنة وإقامة البدعة، ولكن جهودهم تعطلت لأن طغرلبك قدم إلى بغداد بجيوشه الجرارة، وأرسل أخاه إبراهيم نيال لقمع ثورة البساسيري.
فلجأ البساسيري للمكر والخداع فاستمال إبراهيم لصفه، ووعده ومنَّاه بمكان أخيه طغرلبك على البلاد، فعصى إبراهيم على أخيه طغرلبك فأوقع البساسيري بين الأخوين، ووقع بينهما حرب طويلة، استغل خلالها البساسيري الاستيلاء على بغداد ونفي الخليفة العباسي القائم بالله إلى الموصل وأقام الدعوة للعبيديين ببغداد، وذلك سنة 450هـ.
ولكن طغرلبك استطاع أن يقضي على ثورة أخيه إبراهيم، وقتله جزاء لخيانته للإسلام والسنة والخلافة، ثم عاد سريعًا لبغداد حيث قضى على ثورة البساسيري، وتعقبه حتى قتله سنة 451هـ، وأعاد الخلافة السنية مرة أخرى، وأعاد الخليفة القائم بالله لموضعه مرة أخرى، وكان هذا العمل من أعظم أعمال طغرلبك على الإطلاق وكانت سببًا لشهرته وتقدمه على ملوك الإسلام، حتى أنه الوحيد من سلاطين الإسلام الذي حظي بمصاهرة الخليفة العباسي عندما تزوج من بنت الخليفة القائم بالله العباسي.
من مناقب طغرلبك
كان طغرلبك رغم كثرة جهاده وغزواته الكثيرة منذ نعومة أظافره إلا أنه كان خيرًا مصليًا محافظًا على الصلاة في أول وقتها في جماعة، وكان كثير الصيام يديم صيام الاثنين والخميس، حليمًا عمن أساء إليه، كتومًا للأسرار، يبالغ في تعظيم مقام الخلافة وكان هو أول من أعاد هيبة الخلفاء واحترمهم وبالغ في ذلك، حتى أنه كان يأخذ بيد الخليفة القائم فيقبلها مرتين ثم يمسح بها وجهه تبركًا واحترامًا.
وكان طغرلبك صاحب عقيدة صحيحة، وقد أمر بلعن كل الطوائف المخالفة للسنة على المنابر، ومنها المعتزلة والأشعرية، فغضب علماء الأشعرية ومنه القشيري وغيره من ذلك، وتركوا بلاده وهاجروا منها، فأرسل طغرلبك وجمعهم عنده، واستفسر عن سبب خروجهم، فقالوا له: "إن الأشعري لم يقل هذا الكلام الذي تلعنونه بسببه"، فقال لهم طغرلبك: "إنّما نأمر بلعن الْأشعري الذي قال هذه المقالة، فإن لم تدينوا بها ولم يقل الْأشعري شيئًا منها فلا عليكم مما نقول".
وتوفي الزعيم السلجوقي طغرل بك عن عمر ناهز السبعين عاما، وذلك في الثامن من شهر رمضان المبارك لعام 455هـ / 1063م، بمدينة الري عاصمة مملكته.
وكان طغرلبك رغم سعة الملك وكثرة الأتباع إلا أنه لم يكن له أولاد ولا عقب يحملون ويرثون مجد هذا السلطان الكبير الذي جاء به الله عز وجل في الوقت المناسب قبل ضياع الخلافة العباسية للأبد ومعها أهل السنة.
منقول