أخبار فلسفة منهاج التاريخ الفلسطيني … بين تمزيق الوعي وتوثيق الذاكرة

[hakimdima]

تعليقات
تعكس فلسفة المنهاج الدراسي في مجمل أقطار العالم ثقافة تلك المجتمعات، وتقدم المقررات الدراسية تصوراً لماضي تلك الشعوب وحاضرها ومستقبلها، وفي القلب من المنهاج الدراسي مبحث التاريخ لما يشكله من ذاكرة تؤرخ انجازات وإخفاقات هذه المجتمعات أو تلك الأقطار، ومن الصواب سرد وتحليل حقائق التاريخ بصدق وموضوعية بعيداً عن الكذب والتضليل والخداع لأهداف جلها تخدم مصلحة نظام أو حزب حاكم لصالح ضمان علاقات جيدة مع أنظمة وحكومات مؤثرة في المحيط الإقليمي والدولي أو بهدف استمرار تدفق الإعانات والمنح والهبات العينية والنقدية، وبالفعل هذا واقع الأنظمة المستبدة وأشباه الحكومات الخاضعة للوصاية والحماية الخارجية لأنها تسعى دوماً لضمان دعم وتأييد بلدان مؤثرة بهدف الحفاظ على عروشها وصولجان حكمها.

فمنذ استلام منظمة التحرير زمام الإدارة المحلية عام 1994م في مدن ومحافظات الضفة الغربية وقطاع غزة عكفت على تعديل المناهج التعليمية المعمول بها في الضفة الغربية وقطاع غزة وهي خطوة حسنة لان تلك المناهج تدرس وفق المقرر التعليمي في الأردن ومصر وكانت وما زالت خاضعة لإشراف وتنقيح إرادة دائرة المعارف الصهيونية.

فمنذ قدوم السلطة الفلسطينية تم إقرار مناهج تعليمية جديدة وعلى الرغم من محولات التعديل والتنقيح التي شهدها تلك المقررات التعليمة عموماً ومقررات مبحث التاريخ بشكل خاص فهي لغاية اليوم تحوي على مبالغات وترقيعات غير مجدية.

حيث تَضَمن مقرر الثانوية العامة مواضيع عدة منها المحلي والإقليمي والدولي، ورغم تعدد دروسه التعليمية وتنوع ورشات العمل أثناء صياغة المنهاج إلا أن واضعيه أخفقوا في وصف روح وفلسفة منهاج التاريخ في فلسطين، حيث لم يرتقي للمستوى المطلوب على اعتبار انه تدوين وتوثيق لتجربة تاريخية عايشها الشعب الفلسطيني والأشقاء في الجوار العربي وعلى اعتبار وجوب تضمنه لواقع يسرد الأحداث والتفاعلات التاريخية عسلها ومرها، وهذا الإخفاق كان لأسباب تختص في تقليص حيز الإبداع لدى أعضاء ورشات العمل في دائرة المناهج وواضعي الصياغة النهائية بسبب تعليمات ولوائح تحدد ما هو الإطار العام المسموح به، وهذا الإطار العام خاضع لرغبات الاحتلال الإسرائيلي وشروط الأنظمة العربية والدول المانحة، يضاف إلى ذلك الرغبة في الحفاظ على الوشائج الاجتماعية مع عائلات فلسطينية متنفذة وتمتلك المال والقرار، منذ الاحتلال البريطاني حافظت هذه العائلات على حيزها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وفق علاقات نسجتها مع الأنظمة المتتالية، ورغم أن بعضاً من هذه العائلات الإقطاعية كانت قد تنازلت عن ممتلكاتها بموجب عقود بيع لأراضيها في الساحل الفلسطيني ومرج بن عامر وسكنت واستثمرت بواسطة تلك الأموال في المدن الجبلية في القدس ونابلس ورام الله وأسست لنفسها مصالح تجارية ونفوذ سياسي وتولى أبناء تلك العائلات مناصب مميزة في الإدارات المحلية أواخر العهد العثماني وأثناء فترة الإدارات البريطانية والأردنية والصهيونية، وحافظوا على حيزهم ذلك منذ بدء المحادثات السرية والعلنية بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي حيث تحولوا بمكر وتلون ولعبوا دوراً مميزاً أثناء تقلد بعضهم عضوية الوفود الفلسطينية والعربية المشاركة في هذه المحادثات حيث اعتمدت عليهم منظمة التحرير والحكومة الأردنية في المرحلة القادمة، حيث استطاعوا بحنكة وذكاء ترتيب وتسوية أوضاعهم مع الحكام الجدد.

يحتوي مبحث تاريخ الثانوية العامة في مواضيع مراحل التحرر والبناء في الأقطار العربية على مبالغات وكَيلٍ من المديح والتبجيل الغير موضوعي والمرهق والمشتت لذاكرة أطفالنا وشبابنا، ويمنح المقرر الدراسي صفة المثالية والكمال من حيث الإدارة والحكم على واقع تلك الأنظمة ويطرح انجازات مصدرها رواية المؤسسات الناطقة باسم تلك الأنظمة، وحيث تتجاهل تلك الأطروحات التي احتواها المنهاج الفلسطيني معاناة وتضحيات المجتمعات العربية وتضعها في حيز ضيق وتقدم رواية الأنظمة والحكومات السلطوية. في حين يقدم المنهاج الفلسطيني الرئيس الليبي السابق معمر القذافي على انه قائد ثوري مميز وفي ذلك استخفاف لعقول الطلاب، ويصف المنهاج التحرك العسكري الذي قام به القذافي عام 1969م بأنه ثورة، رغم أن عمره في حينه لم يتجاوز(29) عاماً ورتبته لم تتخطى حدود ملازم أول، فكيف له القيام بثورة عظيمة في بلد تتداخلها مصالح وقوى استعمارية مؤثرة؟، أيضاً يطلق مسمى ثورة على كل حركة تغيير مجتمعي بالمجمل وتشمل انجازات سياسية واقتصادية واجتماعية، ويفضل أن يوضع الإنسان في أولى أولويات أي ثورة، الأمر الذي لم يحدث في ليبيا حيث شهدنا ونشاهد التهميش الممنهج للإنسان ومقدرات بلاده الاقتصادية والإدارية، فليبيا في عهد الملك محمد بن إدريس السنوسي كانت في حال أفضل، وهنا لا أقدم دفاعاً عن الملك السنوسي بل تحليل لتقديرات وأرقام ونسب تشمل قطاعات الاقتصاد والنسيج الاجتماعي. وفي خضم الواقع المتغير في ليبيا اليوم، فما هي التعديلات المحتملة على المنهاج الفلسطيني مستقبلاً في موضوع ليبيا؟، هل من الممكن حذف موضوع ليبيا من منهاج التاريخ بالكامل أو ترقيعه من جديد؟، حيث أخذت ليبيا حيزاً في منهاج تاريخ التاسع الأساسي وتاريخ الثانوية العامة وهو حيز لم تحصل عليه أقطار عربية مؤثرة وذات نفوذ يفوق ليبيا الشقيقة في ذلك التاريخ، ذلك لأسباب منها أن العقيد القذافي كان يقدم بعضاً من الدعم المالي الشحيح لمؤسسات السلطة الفلسطينية بعد أن سُمِحَ لمناصريه في الضفة الغربية بفتح دكاكين توزع معونات الشحاذة وبطاقة الكتاب الأخضر.

ويندرج موضوع مصر في منهاج تاريخ الثانوية العامة تحت نفس الفلسفة والشعار التعليمي، حيث وصف المنهاج التحرك العسكري الذي قاده ضباط في الجيش المصري عام 1952م ضد الملك وحكومته بثورة، في حين أن هذا التحرك العسكري كان نتاج عوامل شعبية استغلت، وأخرى خارجية وهي الأساس المهيمن على تتابع الأحداث خلال العقود ألاحقة في تاريخ مصر، واكتفت صفحات المنهاج بنقل الرواية الرسمية، والتغني بانجازات بسيطة حدثت في مصر، وتجاهُل إخفاقات أرجعت مصر إلى حقب سحيقة، حيث كانت مصر في العهد الملكي قبل انقلاب 1952م تنافس دول مؤثرة اليوم مثل الصين والهند والبرازيل بينما مصر اليوم تعاني من تخلف يشمل مجمل قطاعات الإنتاج وشرائح المجتمع فالهند والصين وغيرهما فهي دول توصف بالتقدم والرقي الاقتصادي والتجانس المجتمعي رغم تعدد عرق

منقول