بَقَايَا السَّامِرِي
شعر/ عيسى جرابا
11/5/1426هـ
يقول الشاعر عن نفسه:
قال لي صديق عزيز ذات مساء في اتصال هاتفي ونحن نتجاذب أطراف الحديث
حول الشعر وقضاياه الساخنة: كالتجديد, والغموض, والفن للفن, والمعنى في بطن القارئ...
وحين أبديت له وجهة نظري التي أعتقدها قال لي مازحا: أنت متشدد , فأجبته مازحا
بعشر رسائل شعرية عبر الجوال شكَّلت هذه القصيدة التي أهديها إليه مع التحية...
قُلْ مَا تَشَاءُ فَلَسْتُ بِالـمُتَشَدِّدِ
وَدَعِ الـهَوَى فَالسَّيْفُ لَيْسَ بِمُغْمَدِ
لَمْلِمْ بَقَايَا الصَّمْتِ إِنَّ لأَحْرُفِي
رِيْحاً مُجَلْجِلَةً تَرُوْحُ وَتَغْتَدِي
وَافْتَحْ مَغَالِيْقَ الـحِوَارِ فَبُلْبُلِي
سَامِي الرُّؤَى غَرِدٌ أَصِيْلُ الـمَوْرِدِ
وَتَأَمَّلِ الكَوْنَ الفَسِيْحَ أَمَا تَرَى؟
لَبِسَ الـمُسَالِمُ فِيْهِ ثَوْبَ الـمُعْتَدِي؟
وَاسْبُرْ فَيَافِي الفِكْرِ كَيْفَ تَزَيَّنَتْ
لِلجَانِحِ الظَّامِي بِوَجْهٍ أَجْرَدِ؟
أَرَوَى سَرَابٌ ظَامِئاً مِنْ قَبْلِنَا؟
أَخْشَى عَلَيْكَ مِنَ الـهَوَى الـمُتَمَرِّدِ
تَاللهِ مَا التَّجْدِيْدُ حُمَّى إِنَّمَا
مَوْتٌ يَسِيْرُ إِلَيْهِ كُلُّ مُجَدِّدِ
مَا لَمْ يَكُنْ فِي الفِكْرِ يَصْدُرُ وَاثِقاً
عَنْ آيِ خَالِقِهِ وَهَدْيِ مُحَمَّدِ
فَاحْذَرْ فَدَيْتُكَ مَا الضَّلالَةُ كَالـهُدَى
كَلاَّ وَلا الرَّيْحَانُ مِثْلُ الغَرْقَدِ
الشِّعْرُ قَبْلَ الوَزْنِ فَيْضُ مَشَاعِرٍ
إِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَصِيْرُهُ لِلمَوْقِدِ
وَالفَنُّ وَيْحَ الفَنِّ نَرْكُضُ خَلْفَهُ
رَكْضَ الذَّبِيْحِ وَضَاعَ فِيْنَا الـمُهْتَدِي
مَاذَا جَنَيْنَا وَالـخُطَى يَبْتَزُّهَا
تِيْهٌ وَدَرْبُ الفَنِّ غَيْرُ مُعَبَّدِ؟
يَا لَيْتَنِي حَسَّانُ حَازَ بِشِعْرِهِ
مَا لَمْ يَحُزْ شُعَرَاءُ عَالَمِنَا الرَّدِي
أَفَهِمْتَ مَا أَرْمِي إِلَيْهِ؟ فَمَا أَنَا
فَظُّ الفُؤَادِ وَلَسْتُ بِالـمُتَشَدِّدِ
غَنَّيْتُ لَمْ تَرْكَعْ حُرُوْفِي لِلهَوَى
ذُلاًّ وَلَمْ تَلْثِمْ جِدَارَ الـمَعْبَدِ
أَسْرَجْتُهَا كَالصَّافِِنَاتِ وَلَمْ أَقَلْ
كَسِوَايَ "إِنْ تَرْشُدْ غُزَيَّةُ أَرْشُدِ"
سَأَجِيْءُ لِلرَّحْمَنِ فَرْداً يَا لَهُ
مِنْ مَوْقِفٍ إِنْ كُنْتُ لَمْ أَتَزَوَّدِ
مَا الشِّعْرُ؟ مَقْبَرَةُ الـمَشَاعِرِ؟ رُبَّمَا
إِنْ بَاتَ لُغْزاً خَلْفَ بَابٍ مُوْصَدِ
فَإِذَا سَمِعْتَ مُزَمِّراً وَمُطَبِّلاً
فَأُعَيْمِشٌ يَبْغِي الـهُدَى مِنْ أَرْمَدِ
دَعْوَى تُخَاتِلُنَا وَتَسْلُبُ بَاقِياً
مِنْ ذَوْقِنَا وَالفَوْزُ لِلمُتَبَلِّدِ
وَاسْتَغْلَقَتْ كُلُّ الرُّؤَى وَتَشَابَكَتْ
وَالعَقْلُ فِيْهَا كَالضَّرِيْرِ الـمُجْهَدِ
فَاللَّيْلُ صُبْحٌ مُشْرِقٌ وَالصُّبْحُ لَيْـ
ـلٌ مُظْلِمٌ وَالـجَدْبُ مُخْضَرٌّ نَدِي
وَالـمَسْخُ إِبْدَاعٌ يَلُمُّ شَتَاتَهُ
بِشَتَاتِنَا فَامْنَحْهُ بَعْضَ تَوَدُّدِ
وَالصَّاعِدُوْنَ بِنَا لأَسْفَلَ شَأْنُهُمْ
كَالنَّازِلِيْنَ بِنَا لأَعْلَى فَاقْتَدِ
فَإِذَا اقْتَدَيْتَ فَأَنْتَ أَكْبَرُ شَاعِرٍ
يَسْمُو بِحِسٍّ بَارِدٍ مُتَجَمِّدِ
سَتَنَالُ أَوْسِمَةً وَيَغْمُرُكَ السَّنَا
مُتَلأْلِئاً وَتَعِيْشُ عَيْشَ الأَرْغَدِ
أَفَهِمْتَ مَا أَرْمِي إِلَيْهِ؟ كَأَنَّنِي
مُتَشَدِّدٌ قُلْهَا وَلا تَتَرَدَّدِ
إِنْ كَانَ مَا أَدْعُو إِلَيْهِ تَشَدُّداً
يَا مَرْحَباً عَدَدَ الـحَصَى بِتَشَدُّدِي
لا يَسْتَقِيْمُ الشِّعْرُ مَبْنَى دُوْنَمَا
مَعْنَى وَلا مَعْنَى بِمَبْنَىً مُقْعَدِ
مَاذَا بِبَطْنِ القَارِئِ الـخَالِي إِذَا
أَخْفَاهُ بَطْنُ الشَّاعِرِ الـمُتَعَمِّدِ؟
لا شَيْءَ غَيْرُ الوَهْمِ يَسْكُنُ أَنْفُساً
عَطْشَى نَمَتْ أَحْلامُهَا فِي فَدْفَدِ
بَانَتْ وُجُوْهُ القَوْمِ سُوْداً مَاؤُهَا
يَرْفَضُّ مِنْ تَحْتِ القِنَاعِ الأَسْوَدِ
أَفَهِمْتَ مَا أَرْمِي إِلَيْهِ؟ فَقَالَ لِي
وَالعَصْرُ؟ هَلْ يَنْضُو ثِيَابَ تَجَدُّدِ؟
رَجْعِيَّةٌ تِلْكَ الَّتِي تَدْعُو لَهَا
أَتُرِيْدُنَا تَبَعاً بِغَيْرِ تَفَرُّدِ؟
جَدِّدْ وَجَرِّبْ فَجِّرِ اللُّغَةَ الَّتِي
جَمَدَتْ عَلَى شَفَةِ الزَّمَانِ الأَرْبَدِ
آنَ الأَوَانُ فَعَصْرُنَا مُتَوَشِّحٌ
حُرِّيَّةً تَفْتَرُّ لِلمُتَجَدِّدِ
كُنْ أَنْتَ وَاعْتَصِرِ السُّمُوْمَ وَصُبَّهَا
نَخْباً بِأَقْدَاحِ الـهَزِيْمَةِ لِلصَّدِي
وَالْبَسْ بُرُوْدَ العُرْيِ جَرِّدْ حِسَّكَ الـ
ـمَغْمُوْسِ فِي حِضْنِ الدُّجَى الـمُتَجَرِّدِ
عَاقِرْ بِهِ خَمْرَ الرَّذِيْلَةِ هَاتِكاً
سِتْرَ الـحَيَاءِ فَمِنْ كُوَاهُ سَتَبْتَدِي
تِلْكَ القُرُوْنُ البَائِدَاتُ تَحَلَّلَتْ
تَحْتَ الثَّرَى فَنَفَضْتُ مِنْ يَدِهَا يَدِي
فَأَجَبْتُهُ وَالـحَرْفُ يَهْدِرُ فِي فَمِي
كَالـمَوْجِ أَوْ كَالقَاصِفِ الـمُتَوَقِّدِ
وَاللهِ لَوْ صَاغُوْا النُّجُوْمَ قِلادَةً
مَا حِدْتُ عَنْ دَرْبِي وَلا عَنْ مَقْصَدِي
هَذَا أَنَا مَا عَادَ يُرْهِبُنِي نُبَـ
ـاحُ الكَاشِحِيْنَ وَلا عُوَاءُ الـحُسَّدِ
الـحَقُّ أَبْلَجُ لا تَغِيْبُ شُمُوْسُهُ
تَجْلُو خَبَايَا الـخَائِنِ الـمُتَشَرِّدِ
أَفَهِمْتَ مَا أَرْمِي إِلَيْهِ؟ كَأَنَّنَا
فِي خَنْدَقٍ وَاللَّيْلُ كَالـمُتَرَصِّدِ
وَإِذَا رَأَيْتَ الـحَاضِرَ الكَابِي يَضِيْـ
ـقُ بِأَمْسِهِ فَارْسُمْ تَبَاشِيْرَ الغَدِ!
فَالسَّامِرِيُّ وَعِجْلُهُ وَوُعُوْدُهُ
كَذِبٌ وَعِنْدَ اللهِ أَصْدَقُ مَوْعِدِ