بِدْعَةُ الإِبْدَاع
شعر/ عيسى جرابا
أَفْنَيْتُ فِيْكَ العُمْرَ يَا شِعْرِي
وَسَفَحْتُ ذَوْبَ القَلْبِ هَلْ تَدْرِي؟
لا لَمْ يُخِفْنِي اللَّيْلُ حِيْنَ جَثَا
وَامْتدَّ فِي زَهْوٍ عَلَى الفَجْرِ
حَـتَّى الـخَفَافِيْشُ الَّتِي انْسَرَبَتْ
فِي جَوْفِهِ لَمْ تَلْقَ مَا يُغْرِي
أَنَـا مُسْلِمٌ مَـا تُـهْتُ عَنْ هَدَفِي
وَالشِّعْرُ عِنْدِي لَيْسَ لِلشِّعْرِ
لِي مَنْهَجٌ كَالشَّمْسِ سَاطِعَةً
تَمْـحُو دَيَاجِي البَرِّ وَالبَحْرِ
أَوْ أَنَّهُ كَالغَيْثِ مُنْهَمِراً
تَنْـمُو بِهِ الآمَالُ فِي القَفْرِ
وَسَمَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لِمَنْ
يَلْوِي الـخُطَى حَيْرَانَ مِنْ عُذْرِ
لا خَـيْرَ فِي أَدَبٍ بِلا أَدَبٍ
وَبِلا شَذَا مَا قِيْمَةُ الزَّهْرِ؟
عَادَتْ بِيَ الذِّكْرَى عَلَى بُسُطٍ
مَنْـقُوْشَـةٍ بِالـمَجْدِ وَالفَخْرِ
فَسَمِعْتُ لَحْناً كُنْتُ مُتَّكِئاً
فَجَلسْتُ أَسْمَعُ وَالسَّنَا يَسْرِي
فَإِذَا بِهِ حَسَّانُ مُمْتَطِياً
خَيْلاً يُثِيْرُ مَكَامِنَ الذُّعْرِ
وَصَهِيْلُهُ يَمْتَدُّ مُنْسَكِباً
مِثْـلَ اللَّـظَى فِي مَسْمَعِ الكُفْرِ
لِلْقُدْسِ رُوْحٌ رَفْرَفَتْ فَنَضَا
مِنْ شِعْرِهِ سَيْفاً بِهِ يَفْرِي
مَازِلْتُ رَغْمَ البُعْدِ أَسْمَعُـهُ
وَأَراهُ يُنْشِدُ بَاسِمَ الثَّغْرِ
مَا أَجْمَلَ الذِّكْرَى لَهَا أَرَجٌ
يَنْسَابُ مِنْ عَصْرٍ إِلَى عَصْرِ
يَا أَيُّـهَا الـمَخْـدُوْعُ مُـلْتَحِفاً
ثَوْبَ الغُرُوْرِ وَبُرْدَةَ الكِبْرِ
أَوَمَا كَفَاكَ الرَّكْضُ فِي طُرُقٍ
تُفْـضِي إِلَى الإِسْـفَافِ وَالـخُسْرِ؟
أَمْ تَحْسَبُ الإِبْدَاعَ فِي صُوَرٍ
مُنْحَلَّةٍ تَنْأَى عَنِ الطُّهْرِ؟
مُنْذُ ابْتَدَا تَارِيْخُنَا وَلَنَا
أَدَبٌ سَمَا فِي الشِّعْرِ وَالنَّثْرِ
ذَابَتْ قُلُوْبُ الصَّادِقِيْنَ بِهِ
وَتَلأْلأَتْ كَالأَنْجُمِ الزُّهْرِ
فَأَتَى إِلَيْنَا رَوْضَةً عَبَقَتْ
بِأَرِيْجِهَا أَوْ جَدْوَلاً يَجْرِي
فَتَرَشَّفَتْ أَنْدَاءَهُ مُهَجٌ
ظَمْأَى لِفَيْضِ مَعِيْنِهِ البِكْرِ
فَإِذَا بِهَا نَشْوَى مُغرِّدَةٌ
قَسَمَاتُهَا بِشْرٌ عَلَى بِشْرِ
يَا أَيُّهَا الـمَخْدُوْعُ فِي زَمَنٍ
أَمْـسَى بُـغَاثُ الطَّـيْرِ فِي الصَّدْرِ
أَحْلامُكَ الشَّوْهَاءُ بَدَّدَهَا
فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ سَنَا الفَجْرِ
طِرْنَا كَأَسْرَابِ الـحَمَامِ وَفِي
وَجْهِ الـهَدِيْلِ بَشَائِرُ النَّصْرِ
إِنْ نُكِّسَتْ رَايَاتُكُمْ فَلَنَا
كَمْ رَايَةٍ مَرْفُوْعَةِ القَدْرِ!
وَإِذَا شَـدَوْنَـا لَمْ يَكُنْ عَبَثاً
بَلْ دَعْوةٌ لِـ "النُّوْرِ" وَ"الفَجْرِ"
عَجباً لِمَنْ يَهْذِي وَيَحْسَبُهُ
شِعْراً وَأَيْنَ قَدَاسَةُ الشِّعْرِ؟
فَاقْرأْ رَوَائِعَ خُلِّدَتْ وَغَدَتْ
وَضَّاءَةَ الإِحْسَاسِ وَالفِكْرِ
يَـفْنَى الفَـتَى وَيَضُـمُّهُ جَدَثٌ
وَيَـظَلُّ مَا أَبْـقَاهُ مِنْ ذِكْرِ