أقبلت يا زين الشهور
محمد بن مشعل العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
بالحب نستقبله ، وبعاطر التحايا نحييه ، وبأشواق الفؤاد نلقاه ، فله في النفس مكانة ، وفي حنايا الفؤاد منزلة .
مرحبا أهلا وسهلا بالصيام ** يا حبيبا زارنا في كل عام
قــد لـقـيناك بحــب مفــعم ** كل حب في سوى المولى حرام
إنه رمضان ، زين الشهور ، وبدر البدور ،إنه درة الخاشعين ، ومعراج التالين ، وحبيب العابدين ، وأنيس الذاكرين ، وفرصة التائبين ، إنه مدرج أولياء الله الصالحين ، إلى رب العالمين .
مع بزوغ أول ليلة من لياليه ، تخفق القلوب ، وتتطلع النفوس ، إلى ذلك النداء الرباني الخالد : ( يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ).
فيا لله ما أجمله من نداء ، يفرح به المؤمنون ، ويستبشر به المتقون ، فيعمرون المساجد ، ويقبلون على القرآن ، ويتلذذون بمناجاة الرحمن ، ويتصدقون على المساكين ، ويؤمون البيت الحرام معتمرين ومصلين .
العيون تدمع ، والقلوب تخشع ، والرقاب لربها تخضع ، تختلط دموع التائبين ، بلذة الخاشعين ، وتمتزج تلاوات التالين ، بدوي الذاكرين ، فترسم في الدنيا أبهى حلة ، وأجمل صورة ، تسطر معنى وجمال الحياة بطاعة الله.
إنه رمضان ، يبشرنا فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم فيقول : ( إذا جاء رمضان ، فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين ) متفق عليه.
إنه رمضان ، قد ادخر الله لك أجر صيامه وسيجزيك به ، فما ظنك بصاحب الكرم والجود جل جلاله إذا ادخر لك شيئا ؟
يقول صلى الله عليه وسلم : ( كل عمل ابن آدم له ، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) رواه البخاري.
إنه رمضان ، يشفع لك يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ).
إنه رمضان ، إذا صمت نهاره وقمت ليله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، قال صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه.
إنه شهر القرآن ، فيه نزل ، وفيه أعظم ليلة ، يترقبها المؤمنون ، هي ليلة القدر.
إنه حبيب المتقين ، فقد كان سيد المتقين صلى الله عليه وسلم يهتم به، فكانت له أحوال أخرى مع رمضان ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل ليلة ، وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، وكان يعتكف العشر ، ويكثر من الذكر .
وكذلك أئمة السلف من بعده صلى الله عليه وسلم.
فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يفطر في رمضان إلا مع اليتامى والمساكين ، وقال نافع: ( كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان، فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح ).
وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن.
وكان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين.
وكان محمد ابن شهاب الزهري إذا دخل رمضان فإنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام .
فحيهلا ان كنت ذا همـــة فقــــــــد **** حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
و قـــل لمنادي حبهم ورضـاهــــــم **** إذا ما دعــــــــــــــا لبيك ألفا كواملا
ولا تنظر الأطلال من دونهم فـــــإن **** نظرت إلى الأطـلال عـدن حــــوائلا
و لا تنتظر بالسير رفقة قـــــــــاعد **** و دعه فإن الشــــــوق يكفيك حاملا
و خذ منهم زادا إليهم و ســــر على **** طـريق الهــــدى والفقر تصبح واصلا
و أحي بذكراهم سراك إذا ونــــت **** ركــــابك فالذكــــــرى تعيدك عاملا
و إما تخافن الكلال فقـــــل لهـــــا **** أمامك ورد الوصــــــل فابغ المناهلا
و خذ قبسا من نورهم وســـــر بـــه **** فنورهــــم يهديك ليس المشاعــــــلا
و حي على جنات عــدن بقـــــربهم **** منــــــازلك الأولى بها كنت نـــــــازلا
ولكن سباك الكـــــاشحون لأجل ذا **** وقفت على الأطلال تبكي المنــــازلا
فــــدعها رسوما دارسات فما بها **** مقيل فجاوزها فليست منــــــــــازلا
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة **** فعند اللقا ذا الكد يصبح زائـــــــــــلا
فما هي إلا ســــــــاعة ثم تنقضي **** و يصبح ذا الأحزان فرحــان جــــاذلا
هذا رمضان قد أقبل ، فاحرص فيه على صلاة خاشعة ، وعمرة متقنة ، وصدقة على مسكين ، وترنم بآيات الكتاب ، واعتكاف في المسجد ، وتفطير للصائمين ، وتلمس لاحتياجات الفقراء والمساكين ، تنقل من حال إلى حال حتى تشعر بلذة رمضان .