هذه قصيدة جميلة من قصائد شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا
و قد نظمها لما زج به في زنزانة مظلمة بسجن بربروس إثر أن أسلمته
زبانية العذاب للسجانين يوم 28 أبريل ( نيسان) 1955 فهاجة في أعماقه
المواجد ، ونظم هذه القصيدة في ظلام الزنزانة وحفظه بيتا بيتا لاستحالة كتابته . هكذا كان الشاعر ضمير أمته ولسان أبناء وطنه فكان يتذمر من الاعتقالات التي فرضت على المواطن الذي يصرخ في وجة الطغاة، لذا قضى شطراً من عمره في عالم السدود والقيود فقد دخل السجن خمس مرات متوالية: دخل سجن بربوس والحراشي والبرواقية من أجل انتزاع وطنه من براثن الاستعمار، وكان معظم العاملين في سجن بربروس يسمعون نشيده الوطني المفعم بالحقد والثورة على الاستعمار الفرنسي.
و هي قصيدة طويلة جدا و ما قدمت انت سوى ابيات منها و لتنوير الاخوان الاعضاء
انقلها لهم كاملة
سيان عندي ، مفتوح ومنغلق
ياسجن ، بابك ،أم شدت به الحلق
أم السياط ، بها الجلاد يلهبني
أم خازن النار ، يكويني فأصطفق
والحوض حوض ، وإن شتى منابعه
ألقى الى القعر ،أم اسقى فأنشرق
سري عظيم ، فلا التعذيب يسمح لي
نطقا ، ورب ضعاف دون ذا نطقوا
يا سجن، ما أنت ؟ لا أخشاك، تعرفني
من يحذق البحر ، لا يحدق به الغرق
إني بلوتك في ضيق ، وفي سعة
وذقت كأسك ، لا حقد ولا حنق
أنام ملء عيوني ، غبطة وضى
على صياصيك ، لا هم ولا قلق
طوع الكرى ، وأناشيدي تهدهدني
وظلمة الليل ، تغريني فأنطلق
والروح تهزأ بالسجان ساخرة
هيهات يدركها ، أيان تنزلق
تنساب في ملكوت الله سابحة
لا الفجر إن لاح يفشيها ولا الغسق
ورب نجوى ، كدنيا الحب ، دافئة
قد نام عنها رقيبي ، ليس يسترق
عادت بها الروح ، من سلوى معطرة
فالسجن ، من ذكر ( سلوى) ، كله عبق
سلوى .. أناديك سلوى ..مثلهم خطأ
لو أنهم أنصفوا ،كان اسمك الرمق
يا فتنة الروح، هلا تذكرين فتى
ما ضره السجن ، إلا أنه ومق ؟
هل تذكرين ، إذا ما الحظ حالفنا
إليك أهتف يا سلوى ، فنتفق ؟
أم تذكرين ، ولحن الموج يطربنا
إذ نفرش الرمل في الشاطيء ونعتنق ؟
الموج ينقل في أصدائه قبلا
يندى لها الصخر ، حتى كاد ينفلق
نسابق الشمس ، نغزوها بزورقنا
فيسخر الموج منا كيف نلتحق
وتغرب الشمس ، تطوي في ملاءتها
سرين ، أشفق أن يفشيهما الشفق
وكم سهرنا ، وعين النجم تحرسنا
إذ نلتقي كالرؤى ، حينا ، ونفترق
والليل يكتم في ظلمائه شبحا
يأوي إلى شبح ، ضاقت به الطرق
ياليل.. كم لك في الاطواء من عجب ...
ياليل..حالك حالي أمرنا نسق..
سلوى ، حديثك يا سلوى يباغمني
والطرف يختان ، لايدري به الحدق
أنفاسك الطهر ، كالصهباء تغمرني
دفئا ، ويسكرني من فرعك العرق
سمراء..خدرها الباري، وصورها
إن أرتشف ثغرها ، يفتك بي الارق
سلوى..أناديك سلوى..هل تجاوبني
سلوى؟؟ فإن لساني باسم ذلق
ردي علي أهازيجي موقعة
فقد أعارك و*** ، قلبي الخفق
ورتليها تسابيحا مقدسة
في معبد الحب ، يسجد عندها الافق
واستأذني في رسالات الهوى قمرا
يرنو إليه كلانا، حين يتسق
إني رأيت أخاك البدر ذا ثقة
جلت أياديه في دنيا الألى عشقوا
يا لائمي في هواها ، إنها قبس ،
من الجزائر ، والأمثال تنطبق
بنت الجزائر .. أهوى فيك طلعتها
فكل ما فيك من أوصافها خلق
أحبها ، مثل حب الله ، أعبدها
آمنت بالله ، لا كفر ولا نزق
أرض الجزائر في افريقيا ، قدس
رحابها ، من رحاب الخلد ، إن صدقوا
قلب العروبة لم يعصف بنخوتها
عسف ، ولا نال من إيمانها رهق
نادى المنادي الى التحرير يدفعها
فاستصرخت ، من قيود الحجر تنعتق
ثارت على الظلم ، مثل السيل جارفة
فلا الفيالق نتثنيها ولا الفرق
جيش ، الى النصر ، تحدوه ملائكة
مسومون ، بموج الموت يندفق
وجبهة ، بسديد الرأي تسنده
كل المعاميد فيها ، مدره لبق
و فتية ، هرعوا للشرق يعضدهم
إن يصعقوا ،فكأن الكون ينصعق
والشعب ، يسبح للعليا على دمه
وللتبرع بالأرواح يستبق
لم يثنه دون إدراك المنى رهق
وإن هم ، أحرقوا بالنار ، أو شنقوا
هذا الذي يا فرنسا ، تهدفين له
جهلا ، أما في فرنسا حازم حذق ؟
وضع السلاح ، أحاديث ملفقة ،
خرافة ، صاغها للكيد مختلق
لا تشغلينا بأثواب وأرغفة
أهدافنا المجد ، ليس الخبز والخرق
فكم قطعت عهودا ، أصبحت حلما
حتى غدونا ، بغير الحرب لا نثق
حقوقنا ،بدم الأحرار نكتبها
لا الحبر ، أصبح يعنينا ، ولا الورق
لا تطمعي النصر ، من جند سماسرة
أيحرز النصرمأجور ومرتزق ؟
جند ، يباع ويشرى مثل ماشية
يلقي السلاح إذا ما نابه الفرق
جيش من المرد ، غلمان ، مخنثة
أحلاس يدفعها - للزلة - الشبق
فلا ضمير عن الفحشاء يردعهم
إن أيسروا فسقوا ، او أعسروا سرقوا
يارب .. عجل بنصر كم وعدت به
فإن بابك ، باب ليس ينغلق
وأنت يا سجن .. لو أفلت ناصيتي
رأيتني ، لخطوط النار أخترق
لا أبتغي العز إلا في مغامرة
إن السماوات ، للمقدام تنفلق
روحي .. وهبتك يا روحي ، فدا وطني
زلفى الى الله ، لامن ولا ملق
وإن جفاني ذوو القربى ، فلا عجب
إن النبوة في أوطانها خرق
لا زلت أرعى لهم عهدا ، وإن بقيت
مثل المدى ، من جفاهم ، في الحشى حرق
سيذكرون ، إذا اليل الرهيب سجى
وجلجل الخطب ، أني في الدجى قلق
حسبي ، وحسب أناسي ، أن غدوت لهم
عودا ، يعطرهم ، ذكري وأحترق