وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
إنَّ التعبير القرآني (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) ليوحي بجلالة هذا الرباط،
وضعف الإنسان، أمام الفتن والخطوب والابتلاءات، ولأن الله تعالى،
وقد علم ضعف عباده، تولى بنفسه إحكام هذا الرباط، وأمدهم بنور من عنده،
وقذف فيهم من رحماته، وزادهم من بركاته، فأُحكم القيد على قلوبهم،
وُشدد لهم في الرباط الإيماني، فلا ينفذ إليه ضعف، ولا يختل عزمه،
أو يبلى شكله، بل هو رباط متين مَحكَم، قد غشيه الحزم والجودة والإتقان،
وتولاه المولى الكريم بنفسه، ليثبت لبني آدم، أن القلوب بيديه،
يصرفها كيف يشاء، وليدفع عنهم فتنة الغرور الزائف، عندما ينفصل العبد عن مولاه،
ويسهو عن عبادته وذكره، فكل ثبات ذاتي مآله إلى الانهيار،
ما لم يُتَّوج بالقربة والرهبة والخشية للبارئ الرحيم تبارك وتعالى.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) [فاطر]
وإيحاء آخر يفيد بخفة القلب، وهشاشته الدالة على هشاشة ابن آدم، وضعفه،
وأنه خليق بالامتلاء الدائم بالذكر، والإنابة، واليقين، وتعليق الفتح، والنصر بالله تعالى.
وإيحاء ثالث في (ربطنا) تدل على انفلات القلب، كانفلات الوعاء بلا إغلاق
والشئ بلا إحكام، والباب بلا شد وإبرام!!
فقد يربط ابن آدم، ولكنَّ ربط الله غاية الشد والثبات، ومنتهى الراحة والاستقرار،
ولا يتم ذلك إلا بحسن الاتباع، وجودة العمل، ودوام التبتل والقربة،
حيث يحيا القلب، وتنشط الروح، ويجافي الإنسان مواطن السوء والتغير،
التي هي سبب لفك الرباط القلبي، أو تثنَّية وتهتّكه.
فمثلاً الغفلة عن الذكر، وإهمال الواجبات موجبان لقسوة القلب، المورثة
الزعزعة والارتباك، الذي سينعكس تماماً على صحة القلب واستقراره.
وفي ربطنا معنى لتغير القلب السريع، وأنه أعجب شئ في الإنسان،
وسر صحوته أو غفلته، ومن الضروري تعاهده واستصلاحه،
كما قال صلى الله عليه وسلم:
(ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) أخرجاه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
فقلب إبن آدم ما سُمى قلباً، إلا من تقلبه السريع، وتلونه الحثيث،
فكان من اللازم المتعين إحياؤه بالصلاة، والطاعة ودوام الذكر والمراقبة.
ما سُمي القلب إلا من تقلبهِ *** فحاذر القلب من سوءٍ وتقلابِ
وقد جاء في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام:
(إنه ليُغان على قلبي، فأستغفر الله سبعين مرة في اليوم)
وفي قوله (ربطنا) احتمالية طروء الفك والاختلال للرباط بفعل المعاصي،
وقطع الشهوات، فالله يوفق المرء للطاعة، وينبهه،
ويحذر خطوات الشيطان، لعداوته الأبدية، فإنه يرصده على كل طريق،
فإذا ما نسي واتبع هواه، واغتر بالأماني الشيطانية، انحلت عقد ذلك الرباط، وبدا الحبل المحكم، ينفك خيطاً خيطاً، حيث ينتهي تماماً، وتبيت مقاومته
الإيمانية ضعيفة هزيلة، يسقط عند أول اختبار شديد، فيتعين الانتباه ودوام الحذر.
قال تعالى : (خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء:71]
وقال سبحانه : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج:78]
منقول