العقوبة ماهيتها و خصائصها | علم العقاب
س- ما تعريف العقوبة وما خصائصها ؟
وهذه الخصائص هى بمثابة الضوابط التى تحكم نظام العقوبات الجنائية ،ولا ينبغى لأى نظام عقابى أن يغفلها عند تقرير العقوبات وتطبيقها.
ويمكن رد هذه الخصائص إلى خمسة مبادئ أساسية ، تتفرع عنها جملة من القواعد . هذه المبادئ هى :
1- مبدأ شرعية العقوبة 2- مبدأ قضائية العقوبة 3- مبدأ شخصية العقوبة
4- مبدأ عدالة العقوبة 5- إحترام الكرامة البشرية
(سؤال فرعى) تكلم عن مبدأ شرعية العقوبة ؟ " سوال امتحان (1)
يقصد بشرعية العقوبة إستنادها إلى قانون يقررها .فكما أنه لا جريمة إلا بناء على نص في القانون يضفى على الفعل صفة عدم المشروعية ،فإنه لا يجوز توقيع عقوبة ما لم تكن مقررة –نوعا ومقدارا- بنص قانونى كأثر لإرتكاب الجريمة . وهذا ما يعرف في القانون الجنائى بمبدأ الشرعية الجنائية .
ويعفى مبدأ الشرعية الجنائية حصر الإختصاص بالتجريم والعقاب في السلطة التشريعية ، وتحديد دور القاضى في مجرد تطبيق العقوبة التى يقررها نص القانون.
وقد رأينا أن إقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات كان ثمرة لجهود رجال المدرسة التقليدية ،وعلى رأسهم الفقيه الإيطالى بيكاريا.
ويترتب على إقرار مبدأ شرعية العقوبات ضرورة التسليم بعدة نتائج هامة نذكر منها:
1) قصر التجريم والعقاب على السلطة التشريعية ومؤدى ذلك أنه ليس للسلطة التنفيذية أصلا حق التجريم والعقاب ،كما أن العرف لا يصلح مصدرا للتجريم والعقاب.
2) عدم جواز تطبيق نص التجريم والعقاب بأثر رجعى إلا إذا كان ذلك في صالح المتهم. وعلى هذه النتيجة نصت المادة الخامسة من قانون العقوبات المصرى بقولها:"يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت إرتكابها".
3) حظر القياس في مجال التجريم والعقاب . لذلك نجد القلة من التشريعات التي لا تعتنق مبدأ الشرعية ، تجيز للقاضى الالتجاء إلى القياس في مجال التجريم في حالة سكوت المشرع . من هذه التشريعات قانون العقوبات الدانمركي ،والذي تنص مادته الأولى على ما يعنى جواز تجريم فعل قياسا على فعل آخر منصوص على تجريمه لاتحاد العلة في الحالتين ، وتلك عملية القياس في التجريم التي تتنافى مع مبدأ الشرعية.
4) تفسير التجريم والعقاب تفسيرا ضيقا . فليس للقاضى أن يتوسع في تفسير نصوص التجريم والعقاب ، ليجرم فعلا لم ينص عليه المشرع أو ليوقع عقوبة غير مقررة في القانون.
ويبرر مبدأ الشرعية الجنائية في العصر الحديث بمبدأ الفصل بين السلطات ،وحماية الأفراد من تعسف السلطة التنفيذية وإفتئاتها على الحريات العامة .
ومع ذلك لم يسلم هذا المبدأ من النقد، بحجة انه يتجافى مع ضرورات التفريد العقابى .
كما إنتقد مبدأ الشرعية إذ يغل يد القاضى ويمنعه من تفسير النص الجنائى بما يواكب تطور المجتمع وحماية الجماعة من الأفعال الضارة بها.
ونشير في النهاية إلى ان الشريعة الإسلامية عرفت مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ، ففى القرآن الكريم ما يدل عليه كقوله تعالى ، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. كما أن الأصل في التشريع الجنائى الإسلامى عدم سريانه على الماضى، لقوله تعالى " عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه"
ثانيا : قضائية العقوبة :
ويعنى ذلك ألا تنفذ عقوبة مقررة في القانون إلا إذا صدر بها حكم قضائى من محكمة جنائية مختصة. ويمتنع توقيع عقوبة بدون حكم قضائى ،ولو كانت الجريمة في حالة تلبس أو اعتراف المتهم بها اعترافا صريحا او رضى بتنفيذ فيه دون الرجوع إلى المحكمة المختصة .
وتؤكد التشريعات هذا المبدأ الهام ضمانا للحريات الفردية ،وحماية لها من تعسف السلطة التنفيذية وإستبدادها، بل إن بعض الأنظمة يرتفع به إلى مصاف المبادئ الدستورية ،إمعانا في تأكيده .
وإختصاص القضاء دون غيره من السلطات في العصر الحديث بتوقيع العقوبات الجنائية ،لم يتقرر إلا بعد أن زال نظام الإنتقام الفردى وساد مبدأ الفصل بين السلطات. ففى الماضى كان توقيع العقاب من شئون المجنى عليه أو وليه،ولما تولت الدولة مهمة العقاب على الجرائم، لم يكن ذلك من إختصاص القضاء، بل كان العقاب يتولاه الحاكم بما له من سلطان مطلق.أما في العصر الحديث فقد استقر مبدأ قضائية العقوبة ،وإنفردت السلطة القضائية بهذا الإختصاص وفقا للضوابط التى يقررها قانون الإجراءات الجنائية .
ومبدأ قضائية العقوبة هو الذي يميز العقوبات الجنائية عن غيرها من الجزاءات القانونية ،التي يمكن أن توقع دون حاجة إلى تدخل القضاء. فالتعويض وهو جزاء مدني يمكن الاتفاق عليه بين محدث الضرر والمضرور. والجزاءات الإدارية مثل اللوم أو الإنذار أو الخصم من الراتب أو تأخير العلاوة ، يمكن للجهة الإدارية أن توقعها على مرتكب المخالفة التأديبية بقرار إداري .
وإذا كانت الشريعة الإسلامية تجيز لولى الدم في جرائم القتل العمد أن يطلب إستيفاء القصاص بنفسه.
فإن ذلك لا يعنى أن توقيع العقوبة هو من اختصاص ولى الدم الذي يقتص بنفسه من الجاني دون الرجوع إلى القضاء . والواقع أن القاضي هو الذي يثبت من تحقق موجب القصاص،ويصدر حكمه بالقصاص من الجاني،ويقتصر دور ولى الدم على تنفيذ القصاص ، وليس في ذلك مجافاة لمبدأ قضائية العقوبة الجنائية . فتوقيع العقوبات الجنائية كافة هو في النظام الإسلامي من اختصاص القضاء.
ثالثا: شخصية العقوبة :
تعنى شخصية العقوبة إقتصار أذاها على شخص المسؤول عن الجريمة فاعلا كان أو شريكا ، فلا يتجاوز إلى غيره .
ولم تكن العقوبة كذلك في الماضى ، حيث كان أذاها يمتد إلى أقرباء الجانى وكل من تربطه به صلة ، لاسيما في الجرائم السياسية .
وقد سبقت الشريعة الإسلامية الأنظمة الوضعية بعدة قرون في تأكيد مبدأ شخصية العقوبة ، حيث ورد النص عليه في أصل التشريع الإسلامى،وهو القرآن الكريم في قول الله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى"
ولا يخل بمبدأ شخصية العقوبة ما يمكن أن يصيب أسرة المحكوم عليه من أضرار نتيجة تنفيذ العقوبة فيه، فتلك آثار غير مباشرة للعقوبة .
ويترتب على مبدأ شخصية العقوبة أن وفاة المحكوم عليه قبل تنفيذ العقوبة فيه يؤدى إلى إنقضاء العقوبة- التى تفرض وجود المحكوم عليه- بدون تنفيذ، فلا يتحمل ورثة هذا الأخير العقوبة التى لم تنقذ بسبب وفاته ويعنى ذلك أن العقوبات لا تورث.
رابعا: عدالة العقوبة:
أن تحقيق العدالة يعد من اهم الأغراض التى ينبغى أن يستهدفها العقاب. وتحقيق العدالة كغرض من أغراض العقوبة يتطلب مراعاة عدة أمور:
1) فمن ناحية، تعنى عدالة العقوبة أن تكون هناك ضرورة لتقريرها. فحيث يمكن حماية المصلحة الإجتماعية المراد حمايتها بوسائل أخرى غير العقوبة الجنائية، يكون التجاء المشرع إلى العقاب الجنائى- رغم خطورته- تعسفا في إستعمال حق العقاب ومجافاة لما تقتضيه العدالة.
2) تعنى عدالة العقوبة ضرورة تناسب إيلامها مع جسامة الجريمة التى تتقرر من أجلها ومراعاة عدالة العقوبة بهذا المعنى يتطلب في المرحلة التشريعية ،التنويع في العقوبات وجعلها بين حدين ومنح القاضى سلطة تقديرية ليتمكن من تفريد العقوبة .
3) نرى أن مراعاة العدالة في المرحلة التشريعية يفرض المساواة بين الناس جميعا أمام نصوص القانون المقررة للعقوبات. ولم يكن الأمر كذلك في سالف الزمان ، حيث كانت العقوبات المقررة للفعل الواحد تختلف باختلاف أقدار الأفراد والطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها ،بل إن وسائل تنفيذ العقوبات كانت ترتبط بالمكانة الاجتماعية للمحكوم عليه.
4) وأخيرا فإن تحقيق العقوبة للعدالة يقتضي مراعاة تفريد العقاب عند التطبيق . ويعد تفريد العقوبة من أهم المبادئ الجنائية الحديثة، وهو ثمرة من ثمار العدالة في تطبيق القانون .والتفريد القضائي يشكل لذلك أهم مرحلة يمكن أن تتحقق فيها العدالة بين الجناة،إذ ينال كل منهم من العقاب جرعة تتناسب مع دوره في الجريمة وظروفه الخاصة. ويأتي التفريد في مرحلة التنفيذ العقابي ليصل بعدالة العقوبة إلى ذروة سنامها.
خامسا: إحترام الكرامة البشرية
ينبغى ان تكون العقوبة إنسانية، لا تؤدى إلى امتهان كرامة المحكوم عليه بها أو إهدار أدميته. وعلى المشرع أن يراعى ذلك عند اختيار العقوبات التى يقررها.
وتؤكد المواثيق الدولية على ضرورة الابتعاد عن كافة العقوبات المنافية للكرامة الإنسانية. فالمادة الخامسة من الاعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الامم المتحدة في سنة 1948 تحظر توقيع مثل هذه العقوبات بنصها على أنه " لايجوز إخضاع شخص للتعذيب أو لعقوبات أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة"