وفتحت والدته الغرفه ووضعت أمامه كوب من مشروب ساخن ، وابتسمت له وربتت على كتفه قائله :
- ربنا معك يا (وائل) .. ستنول بإذن الله ما تبتغيه يا ولدى .
كانت معاملتها مع كل أبنائها رائعه ومثاليه ، على عكس معاملتها الجافه مع (نسمه) ..
كانت الوالده رشيقه إلى حد كبير ومتوسطه الحجم ، ربما لأنها تبذل كثير من الجهد داخل المنزل ، إلا أن فى الحقيقه سنها لم يتعدى بعد الثانيه والأربعون ..
أم زوجها فكان يكبرها بثلاث سنوات ، وكان انصرف منذ ساعه تقريباً ذاهباً لعمله البسيط كموظف فى شركه كبيره يمتلكها رجل الأعمال الشهير (فوزى محمد) ..
خرجت الوالده من غرفة البنين تاركه ابنها (وائل) يستذكر دروسه ، وفى الردهه عقدت الوالده حاجبيها عندما لم تجد أثر لـ(نسمه) فصاحت :
- أين أنتى يا (نسمه) ؟!
سمعت الوالده صوت الشرفه تنغلق وصوت اقدام (نسمه) تجرى وهى تندفع من غرفتها للردهه قائله فى ارتباك :
- نعم يا أمى .
رمقتها بنظره ناريه ، جعلت (نسمه) تنكمش فى خوف ، والوالده تقول :
- ماذا كنتى تفعلين ؟! .. ألم أأمرك بتنظيف المنزل ؟!
كانت الساعه الثانيه عشر ظهراً ، وكانا يبدئا فى تنظيف المنزل فى هذا الوقت تقريباً يومياًً ، لذا فلم تجد (نسمه) أى حجه أو أى تبرير لما كانت تفعله فى الشرفه ، وفجأه برق عقلها بفكره استخدمتها بطلة إحدى الروايات العاطفيه التى تقرأها من قبل ، على الرغم من اختلاف الظروف ، فقالت (نسمه) :
- كنت .. كنت أنظف الشرفه .. أليست هى جزء من المنزل ؟!
اومأت الوالده وقالت :
- أكملى إذن ما بدأتيه ثم الحقى بى فى المطبخ لتعاونينى فى طهو الطعام .
اومأت (نسمه) وقالت فى استسلام ، وأخبت فرحتها :
- حسناً .
واتجهت إلى الشرفه فى لهفه لتقف بها ، وكانت سعيده لأنها ستقف بالشرفه دون أن تتسلل ، بل وهناك (حامد) حبيبها أيضاً الذى يكبرها بعام ، الذى يقف فى شرفة منزله المقابل لها ، فابتسمت له فى حياء ، وتهللت اساريره لابتسامتها ..
كان (حامد) طبيب شاب وسيم الطلعه قوى البنيه يشارك (سامى) و(فتحى) ذهابه لصاله رياضيه حيث يقوموا بتدريبات هناك ، وكان (حامد) جارهما ، وقرر فى هذا اليوم أن يتزوج منها ..
وسريعاً ما التقط (حامد) ورقه وأخذ يكتب بها ، حتى أن (نسمه) اندهشت منه وهى تتظاهر بتنظيف الشرفه ، وابتسمت فى سعاده ، وزادت دهــشتها عندما صنع (حامد) صاروخ من الورقه ، ثم يلقى به ليطير فى الهواء ويستقر بين يدا (نسمه) التى فتحته سريعاً ، ووجدت به خط جميل يقول :
- (نسمه) .. كثيراً ما نرى بعضنا لبعض إلا أننا لم نتحاور أو نتحدث .. وأنا أريدك لى زوجه .. نعم يا حبيبتى .. لكن أولاً أردت معرفه رأيك قبل مقابلة والدك .. فهل تقبلينى زوجاً ؟! .. (حامد سعيد) .
"وهل تسأل يا حبيبى ؟!"
هذا ما دار بخلدها وما أرادت قوله ، إلا أنها نظرت إليه وظهرت علامات الشوق واللهفه فى عينيه ..
اخيراً ..
اخيراً تحقق حلمها ، وستخرج من سجنها ، لتشارك حبيبها ، رحلة حياتها ..
وفى بطئ اومأت (نسمه) فى سعاده وحياء ، فتهللت اساريره ، وقفز فجأه فى مكانه داخل شرفه فى سعاده وفرحه جنونيه ، ورفع يده لـ الله يشكره ، فأسرعت هى تغلق الشرفه وتدخل غــرفتــها ، فتلقى جسدها على سريرها فى سعاده ..
فجأه سمعت صوت الوالده تناديها ، ولأول مره فى حياتها ابتسمت لسماعها صوت والدتها ، واتجهت إلى المطبخ لتقبل الوالده فى وجنتها ، وغمغمت :
- أحبك يا أحلى أم فى الكون .
* * *
جلس (فتحى) مع (وفاء) فى إحدى مقاعد الجامعه ، وأخبر (فتحى) (وفاء) أنه يحب (سلمى) واندهش عندما اخبرته فى برود أنها تعلم ذلك ، فطلب منها أن تشاركه وضع خطه لبلوغ (سلمى) وأن تترك الأخيره (سامى) ، وشاركته الفكر ، واندهش (فتحى) من عقل (وفاء) الجهنمى الشيطانى ، عندما أخذت تملى عليه الخطه ..
فهى تعلم جيداً أن علاقة (سامى) و(سلمى) شريفه ونهايتها الزواج لو استمرت هكذا ، وهنا أخبرت (وفاء) (فتحى) أنها ستنشأ إشاعه ..
إشاعه كاذبه تقول أن (سلمى) وافقت أن يقبلها (سامى) ، وسيسبب هذا حتماً مشاكل بين (سامى) و(سلمى) وستسوء سمعتهما ، وربما ينفصلا ، إلا أن (وفاء) لا تؤمن بكلمة (ربما) هذه وتفضل كلمة (بالتأكيد) ..
لذا فهى تدرك أن (سامى) و(سلمى) سيواجهوا الإشاعه بمنتهى العنف ..
إلا أن (وفاء) ستذهب لـ(سلمى) وتخبرها أنه ربما (سامى) من أنشأ هذه الإشاعه ليثبت لزملاءه أن حبيبته تطيعه ليزهو بنفسه وخصوصاً أن (سلمى) وافقت على فعل هذا معه ، و(سلمى) من أجمل الفتيات ..
وبهذا ستشك (سلمى) أن (سامى) من انشأ الإشاعه وستستفسر منه ، لكنها لن تجده وهذا هو دور (فتحى) الذى سيعوق شقيقه على ذهاب الجامعه وبأى طريقه ..
وحتماً ستسأل (سلمى) صديق (سامى) عن الأخير ، فسيجاوبها صديق (سامى) أنه لا يدرى شئ عن هذا ، ثم سيسألها فى فضول هل هى وافقت تقبيل (سامى) بالفعل كما أدعى الأخير ..
وبهذا ستتأكد (سلمى) من أن (سامى) هو صاحب الإشاعه ، وخصوصاً عندما ينتحل (فتحى) شخصيه (سامى) فيتحدث مع زملاء (سلمى) ويؤكد فى فخر وزهو الإشاعه ، فسيخبروا زملاء (سلمى) (سلمى) ..
وهنا تتأكد (سلمى) من أن (سامى) شخص خائن وحقير ، ولن توافق ابداً محادثته ثانيه ..
ربما عزيزى القارئ تبدو لك الخطه معقده ، إلا أن هذا سيكون سبب نجاحها ، وإن لم تفهمها جيداً ، فتابع الخطه وهى تتم بالفعل ..
لكن ..
هل تنجح خطة (وفاء) و(فتحى) ؟!
هل ؟!
* * *
فى مكان عمله مع زملاءه ، أخذ والد (نسمه) (محمد وائل) يعمل فى شركه رجل الأعمال (فوزى) ، وقال الوالد :
- ألم يقول متى ؟!
هزت زميلته رأسها وقالت :
- فى الحقيقه لا .. لكنه قال أنه سيأتى بنفسه ليتأكد من أننا نقوم بعملنا على أكمل وجه .. ربما اليوم .. أو غداً .
تمتم الوالد وهو جالس خلف مكتبه :
- من يصدق أن رجل الأعمال الشهير (فوزى) سيأتى بنفسه إلى هنا .. إنه حتى لم يرسل إحدى رجاله كالمعتاد .. أخشى أن يكون حدثت كارثه فى الشركه .
دون أن يدرى أن هذا التفتيش سيغير حياته وحياة أسرته تماماً ..
وبشده ..
* * *
انتهى والد (حامد سعيد) من صلاة العصر ، عندما اندفع ابنه (حامد) ناحيته وقال :
- أبى .. الم يحن الوقت بعد لزواجى ؟!
نظر إليه الأب فى دهشه ، ثم ابتسم قائلاً :
- سيكون أحلى يوم فى حياتى يا ولدى .
ابتسم الشاب وقال :
- أعتقد أن انتظارك لن يطول يا أبى .
تهللت اسارير الأب وهو يهتف فى سعاده :
- يا إلهى .. كم أنا سعيد .. ومن هى هذه التى احتلت قلبك ؟!
ابتسم (حامد) فى خجل ، ثم قال فجأه وكأنه يخشى أن يرجع فى قراره :
- (بسمه محمد وائل) .. جارتنا .
- هل وافقت ؟!
- نعم .. لقد وافقت .
- وماذا عن والدها ؟!
- سنذهب أنا وأنت لنقابله .
- أتظن أنه سيوافق ؟!
- لقد تحدثت مع (سامى) بعد انتهاء تدريباتنا الـــرياضيه .. ولقد وافق وقال لى أنه يشرفه هذا .. فلم لا يوافق والدها ؟!
- لست أدرى يا ولدى .. أتمنى أن يوافق وأن تنول ما يرضاه .
قالها الأب لكنه وفى داخل أعماقه كان يخشى رفض والد (نسمه) ..
يخشاه لأنه يعلم جيداً أنه وابنه أقرب إلى مستوى الفقر ، ومن العسير أن يوافق (محمد وائل) والد (نسمه) على (حامد) ابنه ..
صحيح أن أسرة (محمد) والد نسمه فقيره ، لكن هذا لا يعنى أن تتزوج (نسمه) فقير أيضاً بل المفروض أكثر ثراء لينتشل (نسمه) من عش الفقر ..
وشعر بغصه فى حلقه ..
وتسائل ..
هل سيوافق والد (نسمه) ؟!
هل ؟!
* * *
مضى يوم كامل على هذه الأحداث ..
وكالعاده خرج (سامى) من المنزل مبكراً ليقابل (سلمى) ، وفى نفس اللحظات كانت (وفاء) تنشر الإشاعه فى أماكن متفرقه من الجامعه ، مدعيه أن (سلمى) قد وافقت أن يقبلها (سامى) ..
وعندما قابل (سامى) (سلمى) ، وجد الأخيره غاضبه وهى تقول له :
- أسمعت ماذا حدث يا (سامى) ؟!
واخبرته بتلك الإشاعه التى وجدتها تنتشر فى الجامعه ، فقال فى غضب وسخط :
- اللعنه ..
ثم استعاد هدوئه وقال :
- إنه حتماً شخص ما يحاول التفرقه بيننا .. ولن نسمح له بذلك .. حبنا أقوى من كل هذا بكثير .. ومستحيل أن ننهار عند أول عقبه .
نظرت له فى حب ، بينما تمنى هو أن يحتضنها ليـبث لها حناناً وأمان ، إلا أن هذا ينافى دينه وتقاليده ، فنفض عن نفسه هذه الفكره ، وهو يواصل حديثه لتقوية روحها المعنويه ، ووافقت هـــى وقالت أنها ستواجه هذه الإشاعه وستكذبها ..
لكنهما لم يعرفا من صاحب هذه الإشاعه ..
وفى نهايه هذا اليوم الدراسى ، وفى اللحظه التى يفترقا فيها ليعود كل منهم لمنزله بعد انتهاء اليوم الجامعى ، قالت (سلمى) فى حنق قبل أن يفترقا :
- (سامى) .. لم أعد أحتمل النظرات الخبيثه التى أتلقاها من زملائى .. لا أحدى يصدقنى ..
فللأسف مجتمعنا يحب أن يصدق الإشاعات الكاذبه .
زفر فى حنق مماثل ، وقال :
- سيتناساها الناس حتماً آجلاً أو عاجلاً .
لكنه لم يدرى أنها بدايه ..
بدايه لخطه وضعتها أفعى ..
(وفاء) ..
يتبع.......
*
*
**
*
*
ايا راني خارج ونتمنى يكون عجبكم هذا البارت
دمتم في رعاية الله وحفظه