الشورى
الإنسان فقير بنفسه , غنيٌ بإخوانه وأقرانه , فهو لوحده لاشيء , وبتفرده في رأيه متسلّط ومنبوذ , وبانطوائيته وانعزاله إما متعال أو مريض 0
قال الورّاق :
إن اللبيب إذا تفرق أمره فتق الأمور مناظراً ومشاورا
وأخو الجهالة يستبدّ برأيه فتراه يغتسف الأمور مخاطرا
ومن محاسن هذا الدين الشريف أن رغّب في الشورى , وأرشد إلى التعاون فيها وإبداء الرأي , والسماع للآخر 0
قال تعلى موجهاً خطابه إلى نبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم :{ وشاورهم في الأمر }
ومن ذلك استشارته عليه الصلة والسلام لأصحابه في الخروج أو البقاء في المدينة يوم أحد , وفي مصالحة بعض الأحزاب يوم الخندق على ثلث ثمار المدينة 0
وفي المشورة نور بعد ظلام , وهدى بعد ظلال , وسلامة بعد خوف وحذر وتخبّط 0
وقالوا قديماً : لا مال أوفر من العقل , ولا فقر أعظم من الجهل , ولا أظهر أقوى من المشورة 0
وقال الحسن : الناس ثلاثة فرجلٌ رجل , ورجلٌ نصف رجل , ورجلٌ لا رجل , فأما الرجل الرجل فذو الرأي والمشورة , والرجل نصف الرجل الذل له رأي ولا يشاور , والرجل لا رجل فالذي ليس له رأي ولا يشاور 0
وإني أعجب من الرجل الذي يتعصب عند رأيه , مفتخراً بذلك التعصب زاعماً أنه من عمل الرجال الأفذاذ , قائلاً أنا كذلك إن أردتم رأي هكذا وإلا فبعداً لكم , ولا يعلن إن الله رغّب في الشورى , وأرشد إلى التناصح ووجّه نبيه إلى ذلك , وهو طريق السلف الصالح , ولعلّه يجهل أن تفرده في رأيه يكسبه عيباً عند ناسه , وصفة سؤ عند أقرانه , وأعظم من ذلك حينما يجد نفسه وحيداً عندما يلمُّ به أمر شنيع , ويصبح في أمسّ الحاجة إلى الشور الراشد , والدليل المنير , عندها لن يقبل أحد أن يبديه المشورة أو يهديه النصح لما سبق من جرم اقترفه وهو لا يعلم 0
وفي ذلك قال محمد بن إدريس الطائي :
ذهب الصواب برأيه فكأنما آراؤه اشتقت من التأييدِ
فإذا جاء خطبٌ تبلّج رأيه صبحاً من التوفيق والتسديدِ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخرجه الترمذي .
منقول