بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
يعتقد بعض الأولياء أنّ معاقبة الأطفال سيشكّل لديهم عقد نفسية ومكبوتات، وأنّ ذلك سينعكس على شخصيتهم، وربما يجعلهم أشخاصا غير أسوياء، لكن الواقع وفي الكثير من الأحيان يقول العكس، إذ أن الطفل بحاجة إلى ردع حتى يميّز بين الصواب والخطأ ويدرك قيمة الأشياء، خاصة أنّ العلم أكّد مؤخرا حاجة الأولياء لاستعمال المعاقبة كوسيلة من وسائل التربية السليمة، ووضع أساليب متحضرة ومدروسة لتجنّب الوقوع في الضرر.
قبل العقاب .. وجهوهم
سواء في ديننا الإسلامي الحنيف الذي نأخذ منه موضوع الصلاة كمثال في شرح توجيه وعقاب الأطفال، لقوله صلى الله عليه وسلم: "امُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"، وفي رواية أخرى "علموهم لسبع واضربوهم لعشر"، أو سواء نزولنا عند نصائح علماء النفس والاجتماع التي خلصت إليها نتائج دراساتهم، فإن هناك مرحلة ضرورية وفعّالة تسبق مرحلة عقاب الطفل، وتكون بتوجيهه ومنعه من الخطأ أصلا، باستعمال الحزم الرشيد، بتوضيح الصواب عن غيره. ويدخل أيضا ضمن هذه المرحلة كآخر تصرف على وشك الخطأ ما تصفه الأخصائية في علم النفس، الدكتورة حفيظة بعلي، بالتهديد اللطيف، وهو تهديد الطفل بعقوبة ما في حال أقدم على سلوك غير لائق، ويبقى العقاب الفعلي دون التعنيف سواءً الجسدي أو النفسي كآخر الأساليب الصحيحة التي يمكن للأولياء اللجوء إليها أثناء التربية.
الحرمان المحدود .. يقوّم شخصية طفلك
من سمات الوالدين الرئيسية، أنهما يبدلان كل نفيس وغالي من أجل فلذات أكبادهم، ثم إنهما لا يدخران جهدا في إغداقهم بكل ما يطلبونه، هذا الأمر يعد خاطئا وغير مقبول في قاموس التربية الصحيحة، حسبما تطلعنا عليه الأخصائية في علم النفس، الدكتورة حفيظة بعلي، إذ ترى بأن الشخصيات الفارغة التي تنشأ متمردة وغير مسؤولة وأحيانا منحرفة، هي شخصيات تربت على الدلال واللين في المعاملة والرخاوة الزائدة، كل ما تطلبه مستجاب، لا تعرف حدا لرغباتها المتجددة، لهذا تدعوا الدكتورة في علم النفس كل الأولياء الذين يواجهون هذه المواقف من أبنائهم الذين هم في طور التنشئة إلى استعمال أسلوب الحرمان المؤقت أو كما تدعوه الدكتورة "الحرمان المحدود"، كحد لأخطائهم وتمرّدهم الذي من الممكن أن يتحول إلى شخصية سلبية في حين لم يردع، فمثلا إذا كان الطفل معتادا على الخروج للعب أو النزهة كل مساء، وكان هذا الأمر محبّبا له وقام بخطأ ما، يحتاج إلى المعاقبة دونما التعنيف، يمكن منعه من الخروج ذاك المساء، وإن كان الخطأ كبيرا يستدعي عقابا قاسيا قليلا، فيمكن مقاطعته وحرمانه من الخروج معا. وبخصوص هذا تنوّه الأخصائية إلى ضرورة ألا يتجاوز هذا النوع من العقاب ثلاثة إلى أربعة أيام لألا يعطي نتائج عكسية.
أخطاؤهم الفكرية خطيرة لا تستدعي العقاب
إنّ الأخطاء الفكرية، الثقافية أو العقائدية، تعد من الأخطاء الأكثر تعقيدا التي يواجهها الأولياء في رحلة التربية، لما لها من خطورة على آداب الطفل وأخلاقه، لهذا يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "لأن يؤدب الأب ابنه خير له من أن يتصدّق بصاع"، وهنا تكبر العقوبة أو تنعدم تماما، عندما يكون الأولياء واعين متدينين، فهم بالغالب يستعملون ما هو أصل في الشريعة الإسلامية وفي جل الثقافات، فيتعاملون بأسلوب الترغيب بدل العقاب أيا كانت أنواعه، يخطبون في أبنائهم بلطف ويوجهونهم بلين على أساس الإقناع بالحجة والبيان، حتى تدفع الأفكار اللاحقة سابقتها إلى خارج الفكر، دونما الحاجة إلى تعنيف أو ضرب أو تجريح، وهذا إنما هو خلاصة لنصيحته عليه الصلاة والسلام "علموا ولا تعنّفوا، فإن المعلم خير من المعنّف".
( منقول)